جولة مع شخصية زاحمت الخلفاء: معن بن زائدة
تاريخ النشر: 04/05/17 | 7:02ورد في كتاب الذهبي (سِير أعلام النبلاء)- الطبقة السادسة – في مادة “معن بن زائدة”:
معن بن زائدة
أمير العرب أبو الوليد الشيباني، أحد أبطال الإسلام، وعين الأجواد.
كان من أمراء متولّي العراقين- يزيد بن عمر بن هبيرة، فلما تملك آل العباس، اختفى معن مدة، والطلب عليه حثيث، فلما كان يوم خروج الريوندية والخراسانية على المنصور، وحمي القتال، وحار المنصور في أمره، ظهر معن، وقاتل الريوندية، فكان النصر على يده، وهو مقنّع في الحديد، فقال المنصور: ” ويحك! من تكون؟”، فكشف لثامه، وقال: “أنا طِلبتك معن”.
فسرّ به، وقدمه وعظمه، ثم ولاه اليمن وغيرها.
..
قال بعضهم : دخل معن على المنصور ، فقال له: “كبرت سنك يا معن”.
قال:” في طاعتك” .
قال المنصور: “إنك لتتجلد”.
قال: “لأعدائك.
قال: “وإن فيك لبقية”.
قال: “هي لك يا أمير المؤمنين”.
نلاحظ هنا أن أجوبته بلاغية هي في باب (أسلوب الحكيم)
..
ثم إنه ولي سجستان، وقد ثبت عليه خوارج وهو يحتجم، فقتلوه.
كرم معن بن زائدة
• عرف عن معن بن زائدة القائد العربي الشهير انه من أوسع الناس حلمًا و جودًا و عفوًا عن زلات الناس.
سأسوق قصة طريفة ذكرتها كتب الأدب:
عندما ولاه أبو جعفر المنصور على اليمن تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار معن وحلمه وسعة صدره وكرمه، وبالغوا في ذلك، وكان من بينهم أعرابي أخد على نفسه أن يغضبه، فأنكروا عليه ذلك، ووعدوه مائة بعير إن أغضب معنًا ونجح في ذلك .
عمد الاعرابي إلى بعير فسلخه، وارتدى جلده، وجعل ظاهره باطنًا و باطنه ظاهرًا، و دخل على معن، ولم يسلّم، فلم يُعره معن انتباهه، فأنشأ الرجل يقول:
أتذكرإذ لحافك جلدُ شاة *** وإذ نعلاك من جلد البعير
قال معن: أذكره ولا أنساه، و الحمد لله.
فقال الأعرابي:
فسبحان الذي أعطاك ملكًا *** وعلّمك الجلوس على السرير
فقال معن: إن الله يعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء.
فقال الأعرابي:
فلست مسلّمًا ماعشتُ دهرًا *** على معن بتسليم الأمير
فقال معن:
السلام سنّة يا أخا العرب.
فقال الأعرابي:
سأرحل عن بلاد أنت فيها *** ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن: إن جاورتنا فمرحبًا بالإقامة، وإن جاوزتنا فمصحوبًا بالسلامة!
فقال الأعرابي:
فجُـدْ لي يابنَ ناقصة بمال *** فإني قد عزمت على المسير
(اسم أمه زائدة، فجعلها الأعرابي= ناقصة)
فقال معن: أعطوه ألف دينار تخفف عنه مشاقّ الأسفار!
فأخدها، وقال:
قليل ما أتيت به وإني *** لأطمع منك في المال الكثير
فثنِّ فقد أتاك الملك عفوًا *** بلا رأي و لا عقل منير
فقال معن: أعطوه ألفًا ثانية ليكون عنا راضيًا!
فتقدم الأعرابي إليه وقال:
سألت الله أن يبقيك دهرًا *** فما لك في البرية من نظيرِ
فمنك الجود و الإفضال حقًا *** وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن: أعطيناه لهجونا ألفين، فأعطوه لمديحنا أربعة!
فقال الأعرابي: بأبي أيها الأمير ونفسي، فأنت نسيج وحدك في الحلم، ونادرة دهرك في الجود فقد كنت في صفاتك بين مصدق و مكذب، فلما بلوتك صغر الخُبر الخَبر، وأذهب ضعف الشك قوة اليقين، وما بعثني على مافعلت إلا مائة بعير جُعلت لي على إغضابك.
فقال له الأمير: لا تثريب عليك! وزاد في إكرامه.
(لويس شيخو: مجاني الأدب في حدائق العرب، ج 5، ص 118، وقد وردت في كتاب ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب- مادة: معن بن زائدة).
..
هي قصة من الجدير أن نعلمها لأطفالنا، لما فيها من سعة الصدر وكرم النفس.
..
قلت إن الخلفاء كانوا على علم بالرجل، وبما قيل فيه، فمكانته لدى الشعراء تزاحم مكانتهم، فهل قيل في خليفة مثل هذا الرثاء التالي؟
رثى الحسين بن مُطَير معنًا، فقال:
ألِمّا على معنٍ وقولا لقبره *** سقتك الغوادي مَربَعًا ثم مربعا
فيا قبرَ معن أَنْت أول حُفْرَة …*** من الأَرْض خُطَّت للسماحة مضجعا
وَيَا قبرَ معن كَيفَ واريت جوده *** وَقد كَانَ مِنْهُ الْبرُّ وَالْبَحْر مُترَعا
بلَى قد وسعتَ الْجُود والجود ميِّت *** وَلَو كَانَ حَيًّا ضقتَ حَتَّى تصدَّعا
فَتى عِيْش فِي معروفه بعد مَوته *** كَمَا كَانَ بعد السَّيْل مجْرَاه مرتِعا
وَلما مضى معنٌ مضى الْجُود فانقضى *** وَأصْبح عِرنينُ المكارم أجدعا
(أبو تمام: الحماسة شرح التبريزي، ج1، ص 394)
يقال إن الشاعر مدح بعدها الخليفة المهديّ، فقال له:
كذبت يا فاسق، وهل تركت لأحد بعد قولك في معن ما قلت (وقرأ الخليفة الأبيات).
..
ورثاه مروان بن أبي حفصة بعد أن كان مدحه طويلاً، بمرثيَة مطلعها:
مضى لسبيله معن وأبقى *** مكارم لن تبيد ولن تُنالا
ومنها:
وكان الناس كلهم لمعنٍ *** إلى أن زار حفرتَه عيالا
وكان كلما مدح خليفة أو أميرًا كان يُقال له:
“وأنت قلت لمعن:
وقلنا أين نرحل بعد معن *** وقد ذهب النوال فلا نوالا”
وموقف الخليفة المهدي يتكرر مع هذا الشاعر أيضًا، فقد قال له:
“جئت تطلب نوالنا وقد ذهب النوال، لا شيء عندنا، جرّوا برجله!”
ولما أفضت الخلافة إلى الرشيد دخل مروان بن أبي حفصة في جملة الشعراء، فسأله الرشيد: من أنت؟
فلما علم به طلب أن يخرجوه في الحال، قائلاً: لا نوال عندنا!
ب.فاروق مواسي