جولة مع السموءل وعنه
تاريخ النشر: 07/05/17 | 0:29أثار الصديق ب. عز الدين المناصرة قصة وفاء السموءل بن عادياء “اليهودي” ، وشكك فيها في كتابه الذي صدر حديثًا: (امرؤ القيس الكندي- شاعر العربية الأول) والعنوان الفرعي: “امرؤ القيس ليس امرأ القيس”، حيث يقول فيه:
“أما القصة فهي أن امرأ القيس في تجواله بين قبائل العرب لمساندته لاسترداد مُلك آبائه وأجداده، زار حصن تيماء، وَرَهنَ دروعَه لدى المرابي اليهودي (صموئيل أو السموأل) في حصن تيماء، بعد أن اقترح عليه السموأل أن يزور إمبراطور الروم في القُسطنطينية – (جستنيان)، لعلَّه يسانده بجيش لاسترداد ملكه في نجد. وكتب له رسالة توصية إلى (الحارث الغسّاني) حليف الروم، لكي يصل إلى القيصر.
والحقيقة هي أن السموأل تواطأ مع الحارث الغسّاني، على الغدر بـ (امرئ القيس)، وكان الوسيط هو (الربيع الفزاري)، الصديق المشترك بينهما. والدليل القاطع هو أن ورثة امرئ القيس بعد موته، طالبوا السموأل بتسليمهم الدُروع، لكن السموأل أنكر أنها عنده.
أما قصة مقتل ابن السموأل، لأن الأب رفض تسليم الدروع، فهي كذبة كُبرى، مؤلفها هو دارم بن عقال. والفكرة الأساسية في هذه القصة ليست الدروع، بل هي أن السموأل هو صاحب فكرة اقتراح زيارة الإمبراطور جستنيان”.
…
طبعًا هناك آراء خطيرة ومثيرة في كلام د. عز الدين- شاعر الكنعانية أبي كرمل، فلندعها للمتخصصين، وللمتقصّين في التاريخ.
..
نعود إلى اللامية الرائعة وبحق، وهي التي نسبت إلى السموءل، ومطلعها:
إذا المرء لم يدنسْ من اللؤم عِرضه*** فكـل رداء يرتديــــه جميل
وإن هو لم يحمِل على النفس ضَيمها*** فليس له إلى حسن الثناء سبيل
تعيّرنا أنا قليـــــل عديدُنا *** فقلت لهــــــا إن الكـرام قليل
وما ضرنا أنا قليـــل وجارنا *** عزيز وجـــار الأكثرين ذليـــل
..
فهل السموءل هو في الأصل شْموئِيل (שְׁמוּאֵל)؟
أولاً، من هو؟
عاش السموءل في النصف الأول من القرن السادس الميلادي (ت. 65 قبل الهجرة)، وهو من سكان خيبر، ولكنه كان يتنقل بينها وبين حصن له هو (الأبْلق) في تَيماء، وكان الأبلق قد بناه والده عادياء، بدليل قوله:
بنى لي عاديا حصنًا حصينًا *** وعينًا كلما شئت استقيت
وفيت بأدرع الكندي إني *** إذا ما خان أقوام وفيت
..
تنسب اٍليه في معظم كتب الأدب قصة الوفاء مع امرئ القيس، حيث قدم إليه امرؤ القيس بن حُجْر الكندي، وكان قد عجز عن الأخذ بثأر أبيه. فلما عزم الذهاب إلى قيصر الروم ليستنجد به توجه أولا إلى السموءل وأمّنه دروعًا ثمينة، وترك أهله في حماه.
بعد حين طوّق حصنَ السموءل أحدُ الملوك ممن له ثأر على امرئ القيس، طالبًا تسليمه دروع امرئ القيس وأهله، فرفض السموءل ذلك رفضًا قاطعًا، وقال: ما كنت لأخفرَ ذمّتي وأخون أمانتي. فظل الملك محاصرًا حتى إذا حضر أحد أبناء السموءل من رحلة صيد قبض عليه الملك ونادى السموءل: هذا ابنك معي، فإما أن تسلمني ما لديك، وإما أن أقتله!
رفض السموءل تسليم الأمانة فذُبح ابنه (حُوط) أمام الحصن.
ثم عاد الملك بجيشه من حيث أتى من غير أن يحصل على بغيته.
…
سجل الأعشى هذه الحكاية كاملة (21 بيتًا) في مدحه لأحد أحفاد السموءل، وهو شُرَيح بن حِصن، ويُذكر في (ديوان الأعشى) أن الملك هو الحارث بن ظالم أو ابن شمر الغساني، وذلك بقوله:
شُرَيح لا تتركنّي بعد ما علِقتْ *** حبالَك اليوم بعد القِـدِّ أظفاري
كن كالسموءل إذ طاف الهُمام به *** في جحفل كسواد الليل جرار
بالأبلق الفرد من تيماءَ منزلُه *** حصنٌ حصينٌ وجارٌ غيرُ غدّار
..
..
فقال غدرٌ وثكلٌ أنت بينهما *** فاختر وما فيهما حظٌّ لمختار
فشكّ غير قليل ثم قال له *** اقتلْ أسيرَكَ إني مانع جاري
وقال لا أشتري عاراً بمكرُمة *** فاختارَ مكرمة الدنيا على العار
فضُرب به المثل: أوفى من السموءل.
(انظر قصة القصيدة في ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج1، ص 261، وفي معجم البلدان لياقوت الحموي- مادة أبلق، وفي مجمع الأمثال للميداني- رقم 4432).
…
من اللامية ما يُعزى إلى شعراء آخرين، منهم عبد الملك بن عبد الرحيم الأزدي، وهو شاعر إسلامي (انظر: الأغاني، ج 3، ص 109- دار الفكر).
بل من العجيب أن الأصفهاني يقول عن “غَريض اليهودي وهو السموءل بن عادياء”-
(م.س).
..
ينسب بعض الرواة بيتين من القصيدة المذكورة إلى شاعر إسلامي آخر يسمى “دُكَين” الراجز.
(الأغاني ج 9، ص 300 – طبعة دار الفكر، والبيت الثاني صدره: “وإن هو لم يرفع عن اللؤم نفسه”، كما يذكر البيتين ابن قتيبة في “الشعر والشعراء”- ج2، ص 612، أنهما لدُكين بن جابر، فيروي صدر البيت الثاني:
“وإن هو لم يضرعْ عن اللؤم نفسه”.)
..
ولا يستبعد بعض المستشرقين احتمال كون السموءل من أصل عربي، فقيل هو من غسان، تهود في جملة من تهود من العرب، لا سيما أن في منطقة يثرب أحياء نص على أصلها العربي، دخلت في هذا الدين.
ويظل السؤال عن (بني الدّيّان) المذكورين في القصيدة وهو يفخر بهم، هل هم يهود أم لا.
(للتوسع انظر: جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 3، ص 374 وما بعدها، وكذلك ج6، ص 574).
..
ثم إن الأعشى ذكر السموءل ثانية في قصيدة أخرى، ويذكر أن باني الحصن هو سليمان الحكيم:
ولا عاديا لم يمنع الموت ما له *** وحصن بتيماء اليهودي أبلق
بناه سليمان بن داود حِقبةً *** له أزَجٌ عالٍ وطَيٌّ موثَّق
يوازي كُبيداء السماء ودونَه *** بلاط ودارات وكلس وخندق
وهذا ما يشير إلى يهودية السموءل، وهو يشير أيضًا إلى غنى عادياء وكثرة ماله، ولكنه كما ذكرت يرى أن سليمان هو الذي بناه، وليس عاديا أباه، وقد فخر به في قصيدته:
بنى لي عاديا حصنا حصينًا…
عُرف حصن السموءل بالأبلق، وبالأبلق الفرد، وهو حصن مشرف على تيماء، وقد ذكر الإخباريون أنه دُعي بالأبلق، لأنه كان في بنائه بياض وحمرة.
ب.فاروق مواسي