قومي هم قتلوا أُمَيْم أخي
تاريخ النشر: 15/05/17 | 16:00من قائل البيتين التاليين، مع رجاء الشرح!
قومِي هم قتلوا أُمَيمَ أخي *** فَإِذا رميتُ يُصِيبنِي سهمي
فلئن عَفَوْت لأعفونْ جَللا *** وَلَئِن سطوتُ لأوهِننْ عظمي
…
قائل هذين البيتين هو الْحَارِث بن وَعلة يَنْتَهِي نسبه إِلَى جَرم بن الريان، وَهُوَ شاعر جاهلي، وكان هو وأَبوه وَعلة من فرسَان قُضاعة وأمجادها وأعلامها وشعرائها (وَهُوَ غير الْحارث بن وَعلة الشَّيْبانِيّ).
أما (أميم) فهو نداء مرخَّم لـ أُمَيْمَة، وليس أميم أخاه- كما توهّم البعض، وكانت أميمة تحرضه على أخذ الثأر، وتلومه على تركه، فاعتذر في ذلك بما قاله.
يَقُول: قومي يَا أُمَيْمَة هم الذين فجعوني بأخي ووتروني فِيه، فإِذا انتقمت منهم عاد ضَرر ذلك عليّ لأن عِزّ الرجل بعشيرته. وهذا الكلام فيه إبداء الحزن والفجيعة، وليس مجرد إخبار.
– السطو الْقَهْر بالبطش، والوهن الضعْف.
والجَلل من الأضداد- يكون للصَّغِير وللعظيم وَهُوَ المُراد هنا.
والْمعْنى: إِن تركتُ الانتقام منهم صفحت عن أَمر عظِيم، وإن انتقمت منهم أَوهنت عظمي وهددت ركني.
(انظر حماسة أبي تمام-شرح التبريزي، ج 1، ص 72)
قلت عن (جلل) إنها من الأضداد، ونحن نذكر (لأعفون جللاً) للمعنى العظيم وقد ورد في بيت امرئ القيس عندما بلغه نعي أبيه:
بقتل بني أسَدٍ ربَّهمْ *** ألا كلُّ شيء سواه جَللْ
(أي حقير)
…
لنقرأ من قصيدة الحارث بن وعلة:
لا تأمننْ قومًا ظلمتَهُمُ *** وبدأتهمْ بالشتم والرّغم
أن يأبٍروا نخلاً لغيرهمِ ** والشيء تحقِره وقد يَنمي
وزعمتمُ أن لا حلومَ لنا *** إن العصا قُرعتْ لذي الحِلم
..
البيت الأخير أراد به- وزعمتم أن في هذا الأمر والشأن لا عقول لنا، فإن كان الأمر على ما زعمتم فنبهونا أنتم، فإن عامر بن الظرب حكيم العرب (أو عمرو بن الحُمَمَة) كان يُقرَع له العصا فينبَّه، لما كان يزيغ في الحكم لكبره وسنّه، وبالطبع فإن الشاعر يقول ذلك ساخرًا، كأن يتهجم جاهل على معرفتك، فتقول له: علّمني!
(كنت تناولت موضوع “قرع العصا” في كتابي دراسات أدبية – الجزء الثاني، وثمة خلاف فيمن قُرعت له العصا، ولماذا).
…
وقول الحارث في البيتين الأولين شبيه بقول إعرابي قتل أخوه ابنه، فقُدّم إليه ليقتله، فألقى السيف من يده، وهو يقول:
أقول للنفس تأساءً وتعزية *** إحدى يديَّ أصابتني ولم تُرٍدِ
كلاهما خلـَفٌ من فقد صاحبه *** هذا أخي حين أدعوه، وذا ولدي
يقول: أنا أصبّر نفسي، فأخي كمثل يدي، والقتل لم يكن بإرادته، بل خطأ.
كل واحدٍ من الأخ الواتر والابن المفقود يصلح لأن يرضى به عوضًا من فقدان الآخر، فإن اقتدت من الأخ منتصفًا للابن فقَدْتهما جميعًا، فاستبقائي أخي هو على كل حالٍ أقرب.
(ورد البيتان في كتاب “الحماسة البصرية” للبصري أنهما لعُريان بن سهلة النبهاني، بينما ذُكر في مصدر آخر أن الأحنف بن قيس المشهور بحِلمه أنشد البيتين في قصة جرت معه، وفي رأيي أن كلمة “أنشد” لا تؤكد أن الشعر له). المصدر: النويري: نهاية الأرب في فنون الأدب.
..
وإذا لم يكن قتل أو قَوَد، كما رأينا أعلاه، وإن هناك التسامح، فإن هناك من قتل، ويعترف أنه قتل عزيزًا عليه- في نفسه وأهله.
ورد في أمالي القالي (ج1، ص 259):
“قال الأصمعي قرأت لقيس بن زهير :
شفيت النفس من حَمَل بن بدرٍ ** وسيفي من حُذَيفة قد شفاني
فإن أكُ قد برَدْت بهمْ غليلي ** فلم أقطعْ بهمْ إلا بَناني
كَان حَمَل بن بدر قتل أَخا قيس، فظفر بِهِ وبأخيه حُذَيْفَة ففتَلهما.
يَقُول إِنِّي أَعْطَيْت النَّفس مرادها من قتل حمل بن بدر، وكَان في ذَلِك سكونها وشفاؤها مما كَان بها، فأنا بردت الغليل (حرارة الْعَطش- وَالضَّمير فِي بهم لِحُذَيْفَة بن بدر وحمل أَخِيه)، ومع ذلك، فهم البنان (أطْرَاف الْأَصَابِع)، يقول: إنهم مني، فَإِذا قَتلتهمْ فَكَأَني قطعت شيْئًا من جسَدي”.
ب.فاروق مواسي