الكاتب مسعد خلد يخلد ما لولاه لما كان ليخلد !

تاريخ النشر: 15/05/17 | 17:04

من نافل القول، أن الإيجابيّاتِ التي فينا هي أمرٌ مفروغ منه، ومشكلتُنا هي مع السلبيّات التي فينا، وهي “الليست” مفروغا منها. الإشارةُ لما هو سلبيٍّ فينا، في ذواتنا، في أقوالنا، في أفعالنا وفي ما نكتب، ليس انتقاصا وإنما تكملةً، وهنا تكمن المعضلة، إذ ندخل إلى باب آخر، يضيق ويتسع حسب الثقةِ الذاتيّةِ التي يمتاز بها المرءُ، فكلما اهتزت كلما اعتبر النقدَ إهانة وكلما ثبُتت اعتبره تقييما، وبالمعنيين. (التقييم، والتقييم- التقويم)
الكاتب مسعد خلد، في مؤلفاته: “الماعوص” و-“حارة العزاميّة” ومؤخرا “طريق الغدير”، رسامٌ تشكيليّ، يغيب عنك في لوحاته ما لا تدركُه، وتدرك فيها أحيانا ما لم يقصُدْه، وفي هذا قوّةُ خطوط اللوحات المتشابكة الراسمةِ أشكالا شتّى تخاطب فيك الكثيرَ.
وهنا تحضرني أحدى الطُّرفِ التي تُـروى عن أحد أدبائنا (البعضُ يقول إنه إميل حبيبي والبعضُ الآخرُ يقول إنه نايف سليم) والذي وقف أمام لوحة “الجرانيكا” لبيكاسو يجول في أرجائها متأملا، وبعد لأيٍ، تأفف قائلا بصوت مسموع: “يا… بيكاسو حمار يا أنا حمار !”.
كان بإمكاني أن أتناولَ لوحاتِ “مَسْعَد” في كتابه “طريق الغدير”، بكلام سلس سهل الهضم، في زمن صار في أدمغتِنا عسرٌ في تقبّل الرأي الآخر إلا مما تيسّر من “الجَنك فوود” المليء بالشحوم المبهّرة، ولكني ومع هذا اخترت الخشونةَ، إن صحّ التعبيرُ، لأن في لوحاته من الخشونة الكثير، فمن يتعمق فيها يجد أن مسعد أراد بما أسماه “السهل الممتنع” أن يقول لنا “سقا الله أيام زمان”، وهو في هذا جدُّ صادق. فأين نحن من “يجوز الوجهان” ص67، أو “حس حو… وبس” ص60، أو الألماني ص46 ، أو… أو… ؟!
عندما تجول في أرجاءِ لوحاتِ مسعد تتبادر إلى ذهنك الكثرةُ الوافرة من الأسئلة، فما الذي يريده منّا بهذه اللوحاتِ التشكيليّةِ والتي لم يُردْها كذلك، ولكنها هكذا خرجت من قلمه بغالبيتها حتى ولو لم يقصد. لا نيّةِ عندي أن أحاول سبرَ غور كلّ ما أنسبُه له من إرادة أو لا إرادة، فهذا شأنٌ أتركه لكل قاريء أو رائي، وليقرأَ ويرى ما يشاء، اللهم إلا فليقرأ ويرى !
بقليلِ كلام وليس بالضرورة أن يدلَّ، أقول: مسعد يخلِّد ما لولاه، لما كان ليخلَّد. ولأنه كذلك كان عليه بعد أن غمسِ ريشته أن يتركَها تلقي بألوانها على اللوحات على سجيتها و”الريشةُ أصدق قولا من العتب”. ولذا فإن “مسعد” حين شدّ على ريشته أو أرخى، حيث كان يجب ألا يفعل، فعل ما كان يجب ألا يفعل.
1 : في تمهيده وإهدائه، مسعد يعتذر ولوحاتُه هي الأولى بالاعتذار لها ومنها. وهكذا فعل في اللوحة الرائعة “طريق الغدير”، فاتحةِ المجموعةِ التي أخذت منها اسمَها.
2 : في لوحة “يا هلا يا ضيف الرحمن” كانت “السقطة الكبرى”، فما جاء في نهايتها هو حشو لا مبرّر له. وفيها “واللتان” بدل واللتين”.
3: في لوحة “الكابري” فالقرية المهجرة الكابري، تقع ربّما 13 كم شمال شرق عكا وليس 3 كيلومترات. ص18. ولصالح أفندي الشبل دور مثير كثيرا للتساؤلات كان على الكاتب الغوص فيه. والمُهر أصغر من أن يُسرج. ص19.
4 : في لوحة حطين “الجغرافيا” غير مفهومة. ص22. وزيد الأطرش لم يأت إلى الحمّة من منفاه، للاستجمام وإنما لعلاج ابنه. ص23.
5 : وسلطان الأطرش لم يطلق الثورة كرمى لأدهم خنجر، ما كان أدهم إلا القشة التي كسرت ظهر الجمل وذلك في ثورته 1921م وليس الثورة الكبرى 1925م، غير أن أعداءَ الأهداف الوطنيّة والقوميّة للثورة، ركزوا على هذه القضيّة العشائريّة. ص33
6 : “أرتال” كثيفة من الجراد. فمن أين جاءت أرتال هذه ؟!
7 : وفي “مية قدرة ولا نجرة”، لو أرفقتها برسم لأوصلت الفائدة المرجوة. ص37
8 : والبرجوازية ص 43 لا هي منها ولا فيها، البرجوازيّة أبدا لا تطلق على من وصف الكاتب.
9 : التغيير في المثل “بالع الموس” لا مكان له وقد شوهه بشقيّن، أولا الموس “انبلع” وثانيا كنت خليها خريناه أو ما شابه. ص51 . و”أكل ومرعى…” يجب كان أن تكون لوحة منفردة. ص52. والكُرّاز سمي كذلك لأنه كان يُحمّل كرز الراعي- زاده، وحملوه الجرس لأنه لا يتلهى لا بالمناطحة ولا الملاحقة. ص53
10 : أصبع زاهر أعمق مما رسمت. ص61
11: ابن البدوي ما بيقول ” البابا” وهي ايضا حشو في اللوحة. 69
12: حسن الاطرش وجبر معدي خلط بين غير متشابهين. ص73
13: “الحجر المطمور يكسر ذان السكة” كانت بحاجة لعمق ما فيها من معاني، لعدم بخل في الألوان. ص81
14: تجاه وليس اتجاه. ص85
15: الداشورة ليست الكلمة المناسبة . ص91
16: اسقط في يده وليس سُقط في يده ص95
17: الباب الثالث أبو سعود وأبو غازي وأبو ليل ؟؟؟؟؟
وأخيرا حول اللوحات: بعضُ ضرباتِ الريشة (الكلمات) أو كثيرُها كانت بحاجة لتفسير: رقاق ص54 وسَليخة ص65 وحرّن وجحّر ص79 والمْصَفّة ص84 وكثير غيرها.
هنالك ملاحظاتُ أخرى أتركها للكاتب ولي، فقد كنتُ كتبت ملاحظاتي هذه مباشرة بعد قراءتي و\أو رؤيتي هذه اللوحات، وزوّدت الكاتب بها. ولكن الخلاصة:
عوْدٌ على بدءٍ والعوْدُ أحمدُ…الكاتب مسعد خلد، رسامٌ تشكيليّ، يغيب عنك في لوحاته ما لا تدركُه، وتدرك فيها أحيانا ما لم يقصُدْه، وفي هذا قوّةُ خطوط اللوحات المتشابكة الراسمةِ أشكالا شتّى تخاطب فيك الكثيرَ.
وفي النهاية، إنّ ما يقوم به بيتُ الكاتب والمكتبةُ العامّة والقيّمون عليهما من إحياء لمثل هذه اللقاءات أو الأمسيات الأدبيّة وبشكل عام، لهو أمرٌ يستحقّ كلَّ تقدير. حضرت حتّى الآن ثلاثَ لقاءاتٍ في هذا البيتِ وأتابعُ، وإن كان جزئيّا، إنتاجَ أهلِ البيت، فانطلاقا من أنّ ما يُنتجُ هو عربيّ الجذورِ وطنيُّ الفروع، فأرى أنّ تنطلقَ أقلامُكم نحو الفضاء الأرحب “اتحاد الأدباء” مع الحفاظ على هذا البيت، وستجدون هناك بيتا إضافيّا دافئا فيه من بيت جن الأديب محمد نفاع والكاتبات هديّة علي وتركيّة صلالحة والشاعر مالك صلالحة والشاعر سهيل قبلان وأنا أمين الاتحاد العام، فالثقافةُ وحدةٌ متكاملةُ متكافلةُ، وفي تكاملِها وفي تكافلِها رقيُّها.
إلى اللقاء يا مسعد في الطبعة الثانية من طريق الغدير
و- “بَلْكي” في مجموعة لوحات أخرى يكون اسمها “طريق الخيط”.

سعيد نفاع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة