أيّها الشّاعر: إنّهُ هوى كرملٍ لا يُعادُ ولا في الحُلُمِ مرّتين
تاريخ النشر: 24/05/17 | 19:40“..أهلا بك سيّداً لمكان اختار توقيتك. لا تقل أنا اخترت، كعادتِكَ، أؤمن أنّ التّاريخ يُفصّلنا على هوى أرقامِهِ الضّائعة.”
أن نكتب عن الأجمل في علاقاتنا الأدبيّة، على قلّة جماليّاتها يعني أن نمسح الكثير من دعسات الأمس المؤلمة فينا أوّلا كي نتجاوز أنفسنا.
هكذا كان، هكذا ظلّ الوسط الأدبي، مخربطا بسوء فهمهِ، أو ربّما صحيح فهمهِ الخاطىء تجاه كلّ ما يحدث في علاقاته الصّغيرة. الصّغيرة الّتي أعتبرها أكبر ما للثّقافة من عظمة ومجد.
الصّغيرة الّتي لم أفهم أعمق من حيثياتها الفاتنة! ولقد كانت لي مع الرّجل الّذي يجيء حيفا عاشقا صداقة صغيرة، أجمل ما فيها صِغَرها حين أذهب إلى عمّان وأفتّش عن هاتِفِه وعنوانه، وأسأل الشّوارع أوّلا، هل مرّ زهير أبو شايب منك؟ فيصمتُ هوَ، وأثورُ أنا..
هكذا هو منطق الصّدف أن تنتظر جُمَلا في رجال لم تُخطّط لهم أنت، بقدر ما خطّطت لحظات العتب الجميل وفودِهم إلى مدينتك. كَم مرّة دعوتُهُ، وألححت! كم مرّة تمنّيتُ أن أربط رامالله بحبل وأجرّها خلفي إلى الكرمل كي يدخلَ زُهير أبو شايب، المفتونِ باسم ورد المجنونه الممتد من أعلى جسورها حتّى قاعِ بَحرِها. بمنطق الصّدف الّتي نحبّها، أردت أن تستقبله حيفا بقتنة زهر الغار الّذي يركُضُ عطره، هذه الأيّام، في الشّوارع لامباليا بأحد.
أيّها الشّاعر الّذي يقصّ خارطة المواسم، ويأتي. يا صديقي الّذي لا أستبدل سوء الفهمِ في صداقتهِ، ولو كان حارّ المِزاجِ، سريعَ غضبه، مساء أو صباح الشّعر الّذي أعادك كَما أخذّكَ من بلادِك..
كم نشتهي نحنُ يا زُهير، مثل هذه المفاصل المُفكِّكة لمنطق المُفترَقاتِ المُتسائلة؟ وخطوط الأيّام الّتي تتجاوز السّاعات، والأرقام الّتي تتجاوز المسافات، والأماكن الّتي تُخربِطُ الجسورَ والهاوية، لتُنشيء تاريخها الشّخصيّ، بعيدا عن تواريخ النّكبات والإنتصارات القليلة الّتي لنا. ثمّة مدن تحبّ أن تقرّر مصيرَ بحورِها، سمكِها ورَملِها، وخطوط العرض والطّول الّتي له،ا حين تشمّ رائحة شِعرٍ كُتِبَ برَمادِ وَطن،
لأجلِ تلك الصِدامات العنيفة بين التّاريخِ ومصائِدِهِ، أو مصائرِهِ جئتَ، على مفترق الحيرة، أو كمائنِ الغريبِ الّذي يقيمُ، في ملابسنا، وقهوتنا، وقهرِنا أيضا. ولا، لا أعرف من خطّط لهذا الصِّدام العشوائيّ بين لحظات التّاريخ الحارقة. إنّها النّكبة ترتفع نصرا هذه الأيّام فوقَ أعلامهم، وهزيمة في أحذيتنا.
لا بأس من لؤم الصّدف، إنّها شمّاعة الخُسارة، الّتي لا تعترف بحروفها، ولا إعرابها. أهلا بك سيّداً لمكان اختار توقيتك. لا تقل أنا اخترت، كعادتِكَ، أؤمن أنّ التّاريخ يفصّلنا على هوى أرقامِهِ الضّائعة..
صديقي الجميل، كن حذِرا، وحيفا تحتفي بوَرَقِكَ وسجائِرك. من ضياعِ رقمِ حظِّكَ، إنّهُ هوى كرملٍ لا يُعادُ ولا في الحُلُمِ مرّتين..
17مايو، 017
نقش: رجاء بكريّة