القنبلة النوويّة الثالثة
تاريخ النشر: 20/03/14 | 3:11منذ عام تقريباً، قال وزير الخارجية الفرنسي الاسبق اوبير فيدرين "غروب سوريا ! لكأنه غروب…الشرق الاوسط".
ما عناه ان انفجار سوريا يستتبع، تلقائيا، انفجار المنطقة. هو الذي كتب عن "حجارة الدومينو المجنونة". أليست حجارة الشطرنج ايضا؟
باحثون وديبلوماسيون اميركيون واوروبيون دأبوا، في العام الاخير، على الكتابة عن تفاعلات بنيوية عاصفة تجري ان داخل بلدان المنطقة او على حدودها، وهو ما ينبىء بحدوث سلسلة من الانهيارات التي لا ريب انها تشمل دولا لطالما اعتبرت انظمتها مقدسة او ابدية ما دامت تتكىء على لعبة الاساطيل. فيدرين ايضا هو الذي كتب ساخرا "حتى الاساطيل قد تفاجأ بأنها تضيع، مثل الخيول، في الغبار".
الاوروبيون يتابعون بصورة ادق السيناريوات التي تضعها حكومة بنيامين نتنياهو للتعامل مع الازمة السورية. الآن مدرستان، احداهما تقول بالاستمرار في التعاطي الاستخباراتي، ولكن بطرق اخرى بعدما اخفق التنسيق مع تركيا كما مع دول عربية اما بسبب تذبذب هذه الدول وعشوائيتها او بسبب رؤيتها القبلية لمشهد اكثر تعقيداً مما يعتقدون.
المدرسة الاخرى تقول بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، إما لانها الفرصة الذهبية لتصفية "حزب الله" في ارض هي غير ارضه، او لدرء المخاطر الناجمة عن استشراء الفوضى الايديولوجية، فالتنظيمات المتطرفة لا تعتمد ايقاعا تكتيكيا او استراتيجيا محددا، حتى ان هناك في تل ابيب من يحذر من الرهان على تعاون بعيد المدى مع هذه التنظيمات كونها تنفذ اجنداتها الخاصة، وغالبا ما تصاب بتلك اللوثة الهيستيرية التي تدفعها الى تغيير مواقفها، وخنادقها، على نحو دراماتيكي…
وهناك من يرى ان المشكلة المستقبلية بالنسبة الى اسرائيل لم تعد في سوريا التي تمزقت اربا اربا والتي باتت مسرحا لكل اشكال الحروب بعدما تمكنت، وعلى مدى عقود، من تثمير حساسيتها الجيوبوليتيكية لتلعب في كل الملفات الساخنة في المنطقة. المشكلة، حتى عند الباحثين الاميركيين الذين على علاقة وثيقة بالايباك، هي تنامي القوة العسكرية الايرانية بصورة تبعث على الهلع فعلا، ودون ان يقتصر الامر على البرنامج النووي الذي لامس صناعة القنبلة، بل ان تطوير المنظومات الصاروخية قطع شوطاً بعيدا، والى حد الحديث عن ارقام خيالية من الصواريخ الباليستية التي يمكن ان تنهمر على اسرائيل في غضون السنوات الثلاث او الخمس المقبلة اذا ما اندفعت الاوضاع، لسبب او لآخر، نحو الصراع العسكري..
وما يمكن ان يستشف من دراسات استراتيجية توضع في معهد جافي او في معاهد اميركية شديدة التعاطف مع اليمين الاسرائيلي، هو ان ثمة لوبي قد تشكل فعلا، وهو يتولى التعبئة على كل المستويات، بما في ذلك داخل الكونغرس، من اجل بناء مناخ يدفع باتجاه تنفيذ ضربة وقائية كبرى ضد نظام آيات الله حتى ولو اقتضى الامر ان تكون القنبلة النووية الثالثة، بعد قنبلتي هيروشيما و ناكازاكي، اسرائيلية…
ألم يتحدث روجر كوهين عن "ذلك التقاطع بين الهيستيريا الايديولوجية و الهيستيريا الاستراتيجية التي تحكم ايران"، ومع التذكير دوما بأن الاصبع الاسرائيلية هي دوما على الزناد النووي، اذ ان هاجس الماسادا يتفاعل دون هوادة، وعبر الازمنة، في اللاوعي اللاهوتي لدى الاسرائيليين، فالرئيس ريتشارد نيكسون تحدث في مذكراته، وبصورة مباشرة، عن ان غولدا مائير دعت الجنرالات الى اعداد الصواريخ التي تحمل الرؤوس النووية لضرب القاهرة ودمشق في حرب عام 1973.
قد يكون ريتشارد هاس الاكثر دقة حين يتحدث عن المأزق الاسرائيلي في مقاربة الازمة السورية، اذ ان بنيامين نتنياهو يعتقد ان بامكانه توظيف الاشلاء السورية، وبالمعنى البانورامي للكلمة، من اجل حل كل المشكلات التي تواجهها اسرائيل وفي مقدمها المشكلة الفلسطينية التي، وبالرغم من هشاشة القيادات الفلسطينية وتشتتها، لا تزال "الهاجس المرضي" داخل العقل الاسرائيلي.
هاس يرى ان الازمة السورية هي من التعقيد، التعقيد الفوضوي بوجه خاص، بحيث انها تستهلك او تبتلع "احلام و اموال الآخرين". هذا ما حدث لتركيا، وهذا ما حدث لبلدان عربية سرعان ما وجدت نفسها في مواجهة بعضها البعض. بطبيعة الحال، هذا ما سيحدث لاسرائيل التي يظن بعض قادتها انهم يمسكون بخيوط كثيرة في الداخل السوري.
لكن الحقيقة على الارض شيء اخر. كل تلك الادوار بدت في لحظة ما اكثر من ان تكون افتراضية واكثر من ان تكون بلهاء…
هذا لا يعني اغفال تلك الضوضاء الاسرائيلية التي تثير اكثر من علامة استفهام إن على تخوم الخط الازرق او في مرتفعات الجولان. ماذا في رأس نتنياهو؟ لا نأخذ بذلك التحليل السطحي الذي يقول انه يحاول الهروب من الضغط الاميركي في اتجاه لبنان او سوريا وحتى ايران..
الدبيب الاسرائيلي شديد الوضوح حولنا. ما هو السيناريو الذي يعد في الخفاء؟ لم يكن موشيه يعالون سعيدا ابدا وهو يرى الجيش السوري ينفذ خطة تكتيكية مثيرة في جبال القلمون بعدما ابلغته الاستخبارات العسكرية ان آلاف المقاتلين هناك سيقضون على ما تبقى من الجيش السوري الذي حال دون لجوء هؤلاء الى الاراضي اللبنانية، وبالتالي تفجير الوضع اللبناني، فاتحا امامهم الطريق الى بلدات الاقليم الاخرى، حتى اذا ما سقطت فليطا وتعامل المقاتلون في قلعة الحصن بعقلانية مع وضعهم المأسوي لا بد ان يعود الهدؤ الى الحدود اللبنانية – السورية..
للمقاتلين السوريين، لا للمقاتلين الشيشانيين وغيرهم، هذه لحظة العقل، لحظة سوريا لا لحظة النظام. ما حدث في يبرود اضاء المشهد برمته. المرتزقة لا يقاتلون بل يقطعون الرؤوس ويقطعون الاوصال، اوصال سوريا، فلتكن بنادقكم لهذا التراب الذي قال فيه شاعركم وابن بلدكم نزار قباني "لكأنه معطف الازل" حقا انه… معطف الازل!!