حكم الفحص الطبي قبل الزواج
تاريخ النشر: 19/06/17 | 0:53الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ظهر في العصر الحاضر نتيجة للتقدم العلمي ما يسمّى بالفحص الطبي قبل الزواج، وهو عبارة عن فحوصات تعنى بمعرفة الأمراض الوراثية والجنسية والأمراض المعدية التي قد تؤثر على صحة الزوجين مستقبلاً أو على الأطفال عند الإنجاب.
وقد أثبتت هذه الفحوصات فعاليتها الواقية في الحدّ من الأمراض الوراثية والمعدية على حد سواء .
كما أنّها تقلل بدورها من نسبة المعاقين في المجتمع، وتحاول أن تضمن إنجاب أطفال أصحاء سليمين عقلياً.
كما أنّ هذه الفحوصات تجعل الزواج أكثر وضوحاً بحيث يقبل كل منهما على حياة زوجية بقلبٍ مطمئن بأنهما سينجبان الأولاد بإذن الله تعالى، وذلك لإمكانية الكشف عن وجود عقم في أحد الزوجين عن طريق هذه الفحوصات.
بل يمكن التحقق عن طريقها من عدم وجود عيوب عضوية تمنع من ممارسة علاقتهما الجنسية أو أمراض مزمنة تحول دون ديمومة الزواج واستمراريته كالسرطانات وغيرها.
ولقد كتبت في هذه المسألة أبحاث فقهية متعددة فضلاً عن الندوات والمؤتمرات المتعلقة بها ، فكانت نتيجة هذه الأبحاث والمؤتمرات التصريح بجواز الفحص الطبي حيث اعتبروه أمراً تؤيده النصوص الشرعية، لما يعود من المصالح العديدة على الأفراد والأسر والمجتمعات ، وذلك للإعتبارات التّالية :
1- أنّ عملية الفحص الطبي تعمل على المحافظة على كيان الزوجية من الفسخ عند الغرر.
2- أنّ الشريعة الإسلامية تدعو إلى المحافظة على النسل، بل واعتبرته أحد المقاصد الخمس التي تضافرت الآيات والأحاديث على الاهتمام به والحفاظ عليه ورعايته.
فقد دعا الأنبياء – عليهم الصّلاة والسلام – ربَهم – سبحانه وتعالى – بأن يرزقهم ذرية طيبة، حيث قال الله تعالى فيما قاله عن عبده زكريا: { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة }. [ سورة آل عمران: 38 ].
كما أنّ الشرع يشجّع أن يكون النسل صالحاً غير معيب، وقد دعا المؤمنون ربهم – سبحانه وتعالى – قائلين: { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً }. [ سورة الفرقان : 74 ].
ومعلوم أنّ الذرية لا تكون قرة أعين إذا كان المولود مشوه الخلقة، ناقص الأعضاء، متخلف العقل.
وعلاوة على ذلك فإنّ الشريعة تأمر باجتناب المصابين بالأمراض المعدية والوراثية، وذلك لما رواه البخاري ي صحيحه عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم: ( لا توردوا الممرض على المصح ). [ رواه البخاري، كتاب الطب، ابن حجر العسقلاني، شرح صحيح البخاري 21/278 ].
بل قد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوج زوجةً من عائلة تعرف بناتها بالإنجاب، فقد قال عليه الصّلاة والسّلام: ( تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم ). [ رواه النسائي 6/66 ] ، فهذا الحديث يدلل على أهمية عنصر الاختيار على أسس صحة النسل والولادة المستقبلية.
ورغّب النّبي صلوات الله وسلامه عليه من أراد الخطبة بأن ينظر إلى المخطوبة، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً ). [ رواه مسلم في صحيحه، كتاب النكاح، حديث رقم (1424) ] ، فهذا يدلل على ضرورة معرفة العيوب في المخطوبة وعلى أوليائها ذكر ذلك.
وخلاصة الحديث : إنّ الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصالح مشروعة للفرد الجديد وللأسرة والمجتمع، ويدرأ مفاسد اجتماعية ومالية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي وبناءً عليه لا مانع من اجرائه شرعاً بل لو قيل يندب ذلك لما كان بعيداً . انظر: [ الاختبار الجيني – عارف علي عارف ص122، موقف الإسلام من الأمراض الوراثية – محمد عثمان شبير ص209، مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق – أسامة عمر سليمان الأشقر ص93 ].
ولكن وعلى القول بمشروعية الفحص الطبي قبل الزواج ؛ لا بد من التنبيه إلى ما يلي:
أ- أن الفحص الطبي ليس شرطاً من شروط صحة عقد الزواج، إنما هو أمر مستحسن.
ب- يجب أن يتم إجراء الفحص عند جهة موثوقة، ولا تكشف المرأة عن عورتها أمام رجل، ولا الرجل أمام المرأة.
ت- أن تبقى العيوب مستورة بين الطبيب وأصحاب الشأن في ذلك، فلا يحل للمقبلين على الزواج أن ينشر كل منهما عيب الآخر.
والله تعالى أعلم