معرض” شبابيك من بلدي” بكفرياسيف
تاريخ النشر: 23/05/17 | 16:04ضمن مشروعي الفني ” مشهد من بلدي” الذي بدأت به قبل عدة سنوات ، من خلال رؤيا وطنية لتوثيق وتخليد مخلّفات معمارية لها أثر عميق في تطورنا الحضاري ، منها ما يمتاز بطابع خاص خليط مميز يعكس المشهد التكويني الطبيعي للمنظر العام للقرية العربية بكرومها وخضرتها الممزوجة بألوان ترابية مأخوذة من أرضها الجليلية ذات طابع خاص يدّل على هوية المكان…ارتأيتُ في هذا المعرض أن نركز بالنافذة العنصر الأساسي في تأمل المشهد، والفكرة ترتكز على التأمل والاستكشاف للمنظور الذي يحتوي على مركبات فنية كالشكل واللون والملمس… للبحث عن المألوف والغير مألوف في عالمنا الخاص والعام ولبناء مشهد جديد بأسلوب ورؤيا حديثة تعبّر عن مشاعر وأحاسيس الفنان …من المفروض أن يكون موضوع شبابيك من بلدي دور مجازي في المشهد الذي يحدده الفنان. ما يميز هذا المعرض التعدّدية في الرؤيا والأداء ، بعض الفنانين أخذ موضوع الشباك كعنصر للرؤية من الداخل إلى الخارج ، وبعضهم تعامل مع الشبابيك كعنصر مُكمّل للمشهد الخارجي ومن ثم بناء المشهد من جديد ,على اعتبار أنه متغيّر وفقًا للحدَث أو الزمن التاريخي للمكان , مما يضفي جمالًا وتأثير حسّي على المتلقّي من خلال الإبداع في التعامل مع الفكرة والتقنية لكشف مكوّنات جمالية استُوحِيت من صميم المشهد…
إن التراكم في تواصل الإنتاج الفني عبر لوحات حُدّدت مقاييسها مسبقًا بحجم ثابت متساوي للجميع يثري المعرض، إطار محدّد يبرز إطلالة المعرض كَلوحة واحدة ذات قيمة متساوية لجميع الفنانين والمنافسة في المضمون وليس الحجم والمساحة اللذان يلعبان دورًا كبيرًا غير فني في كثير من الأحيان .نطل من شباك آخر نتوقف عنده لتسجيل أحداث تاريخية آنيه , لتُظهِر تأثّر الفنان برؤيته ِ الشمولية لما نمُر به من معاناة وألم في المنطقة العربية ، لننتقل إلى شباك البيت العربي القديم الذي ما زال ببقايا أجزائه الخشبية تناجينا وتأبى أن تتكسّر… ومن رُكن صالة العرض يشدّنا شباك آخر ذو طابع رومانسي بألوان فنية “منوخرومية ” وكأنك وبخُطى مدروسة تحاول الدخول إليه لاستكشاف ماهيّة المكان…وشباك الانتظار الذي يُعتبَر المرصد الوحيد لغياب الأحبة ولَمّ شمل العائلة ، يضفي رونقاً بأسلوب تصويري تعبيري أرادت الفنانة خلق جوّ من الفرح والبهجة لأطفال من مختلف الجنسيات والعالم . ومن هناك إلى شباك العولمة لفنانة أخرى ، تبنّت الأسلوب التجريدي في حركة قوية وإيقاع جيد لاستمرارية الحياة بمُرّها وحُلوها تنخرط ضمن شخصية كبيره مركزية تمثّل الإنسان بصورته وحقيقته من حيث أتى…
هنا يعتريني شعور بارتياح عميق وصمت في لوحة شباك البحر والمرأة تنظر إلى عالم البحر، يذكرنا بلوحة الفنان الشهير سلفادور دالي ، المرأة التي تنظر إلى أعماق البحر ويقع نظرها على القارب البعيد . وهنا نلاحظ استخدام الفنان لموتيف جديد ، استعارة النافذة إلى شيء لم ينفَذ بعد , ومن جهة أخرى بناء تكوين هندسي من المستطيلات المتقاطعة والمتناظرة في نسب متناسقة وبتقنية جديدة وتركيبية من قماش تم إحضار السّتار الذي يُستعمل لتغطية أو لحجب الرؤية مما يساعد على التأقلم وإضفاء جمالية خاصة للمشهد… وهذه التجربة تدّل على جرأة الفنان في استحضار المشهد إلى المتلقي بطريقة مباشرة ومن خلال العمل بخامات من الواقع الملموس…بعض الأعمال تدّل على الحنين إلى الماضي والبحث عن الجذور وأثرنا المعماري بأسلوب تصويري واقعي ومنها بأسلوب انطباعي… منها الألوان القاتمة لتأكيد الماضي البعيد , ومنها الألوان الفاتحة المنصهرة في تفاعل مع جمالية المكان بأسلوب جديد وأداء خاص بواسطة ادخال حدث خاص كعنصر المرأة كاستعارة لمفهوم الأرض أو الوطن لأن المرأة ترمز إلى الكثير من هذا العالم..
ولا بّد من التوقّف عند لوحات تشابك الشباك بعناصر الهوية والأرض الفلسطينية ، الصبّار وشجرة التين وكأنّها تعانق الشباك في مداعبه ما بين الدخول أو الخروج من إطار اللوحة… وهذا مؤشر جيد في تواصل فني بين مجموعة من الأعمال المعروضة…أرى بهذا المعرض إنجار فكري وفني على مستوى إبداعي من حيث تناول الجانب التقني والمهارة الفنية , بالخوض في موضوعات لها صلة اجتماعية بيئية بمجتمعنا العربي المعاصر لتقديم لوحات فنية جميلة من محيطنا القريب… وكأنك أمام لوحة واحدة تعيد بنا اليقظة والاحتراس…لربما يدفعنا إلى التقدم ما بعد الحداثة وتحويل صالة العرض إلى تحفة فنية بين الحين والآخر…
من إبراهيم حجازي المشرف الفني للمعرض