الروح الرياضية والاشتباكات العنفية
تاريخ النشر: 22/03/14 | 23:58تكثر في هذه الأيام وبين فرقنا الرياضية الاشتباكات والاعتداءات التي تضاف إلى أعمال العنف المستشرية في مجتمعنا العربي، وفي كل سبت نسمع عن هذه (الطوشة) أو تلك، ولا نملك من أمرنا شيئًا.
هذه المقالة كنت كتبتها في كتابي "حديث شجون". الناصرة: مطبعة النهضة- 1996، ص 25 وارتأيت أن أعيد نشرها بتصرف، بعد شيوع هذه الظاهرة، خاصة وأن التقنيات الجديدة تتيح الانتشار والقراءة، ولأن كتبنا نفدت، وموادها يجدر أن تقرأ، وأن يحفل بها شبابنا العاقل قبل الأهوج.
……………………………………………………
روح رياضية أم أنها قبلية ؟!!
لسببٍ ما كنت وما زلت بعيدًا عن المباريات الرياضية (إلا في المباريات العالمية المصيرية والمثيرة التي أحضر نهايتها)، ذلك لأنني كنت أشهد في نهاية الألعاب معارك حامية الوطيس.
كنت حينها أتهم السلطة مرة بتأجيجها، خاصة وأن الشرَط عادة يقفون حياديين على حدة (إلا إذا كان أحد الفريقين يهوديًا). ومرة كنت أتهم أنفسنا نحن (عرب يا رسول الله!)، من طبعنا أن (نتشاطر) على بعضنا، وأن نبحث عن مصادر الشر نلاقيه بالتعصب والمرجلة.
وقد شجعت في إحدى حماساتي أشبالنا الرياضيين وذلك في أواخر الستينيات فقلت:
أشبـــالنـا يا فخـرنا ……… ألعابكم تحيي المنى
أشبــالنــا يا عـزنا ………. إذ تغلبون لنا الهنا
كرة تساق إلى هنا ……… هدف لنا هدف لنا
في كل لعب لعبكم ………. فن يجيش الألسنا
ولكن مثل هذه القصيدة الأغنية لم تحُـل أيامها دون وقوع عراك عنيف بين فريقي باقة وجت، فالفن أصبح في العراك والتحدي.
واليوم وبعد أن قطعنا مراحل في الوعي الاجتماعي أسأل:
لماذا هذه الأحقاد وهذا الغليان وهذا التعصب الجماعي القبلي؟!
بالمئات الكثيرة يساقون كلهم في اعتداءات: فيضربون، ويهجمون، ويجنّون، ويعادون أشخاصًا لم يكونوا قد رأوهم أو عرفوهم، لا لسبب إلا لأنهم من قرية الخصم.
أهكذا إذن هو التشجيع؟ تشجيع الغوغائية غير المبررة؟!
فهل شبابنا يعيشون في فراغ إلى هذا الحد، حتى إذا جاء يوم السبت صبوه نقمة مشتدة الأوار؟
سألت صديقا لي يتابع المباريات:
هل تجري هذه المعارك في الوسط اليهودي؟
فأجابني: نادرًا، وأنصحك ألا تقف أمام المد الحماسي الجارف، فقد لا يحترمونك.
من جهة أخرى سألت نفسي متحسرًا: لماذا لا نرى هذا الجمهور أو الجم الغفير في لقاء ثقافي فكري؟
وتذكرت أنني كنت مدعوًا ونخبة من الأدباء إلى لقاء ثقافي في كفر ياسيف، واتفق أن كان مقر النادي مجاورًا للملعب، وكانت الآلاف تحدق بالميدان، وتراقب حركات أقدام اللاعبين وسط ضجيج وهتافات ومسبات ونخوات.
أما النادي فكان خلوا باستثناء الأدباء المشاركين، والحمد لله.
تمنى أحدنا: ليس لي أمنية بعد هذا العمر إلا أن يكون لي ذات مرة جمهور مستمع بهذا الحشد، لو اشترى هؤلاء كتبنا فنحن بألف خير. وبينما نحن في أوهامه سمعنا هتافا بالعبرية (بوز) التي تعني السخرية من حدث أو شخص، ولم نعرف إن كانوا قد وجهوا لنا هذه السخرية كذلك.
قلت لصاحبي: تعال نوصل الأدب إلى أحد العراك، فربما ينقسم الجمهور إلى قسمين، ولا غرو في ذلك، فقد كان جيش المهلّب بني أبي صفرة ينقسم إلى فئتين بسبب جرير والفرزدق. وسمعنا صراخ (بوز) ثانية.
وإذا كنا تنازلنا عن لقائنا الأدبي، وذهبنا لنشاهد معركة قدَمية لا فكرية فإننا لا نزال نتساءل:
ولماذا لا تكون الرياضة تنمية جسمانية وذهنية حتى يصبح العقل سليمًا؟
ولماذا هذه الغرائز البدائية والأحقاد القبلية حتى أصبحنا نحاسب المجموع بجريرة الفرد، وحتى نحاسب هذه السنة عما جرى في العام الماضي؟
أهكذا ننسى الضيافة العربية والقيم النبيلة بهذه السهولة؟
لماذا نتعارك فقط بعد لعبة كرة القدم؟
وأخيرا لي رجاء: أن تكون الرياضة بين شبابنا وسيلة محبة وتعارف وأواصر وألفة.
ولتسمحوا لي أن أدخل هدفا في شبكتكم من غير أن تسبوني.