الصديق الحقيق
تاريخ النشر: 29/06/17 | 8:26تعرف الصديق الحقيق في أثناء غيبتك، كيف يكون سلوكه أمام من يهاجمك أو يغتابك، كيف يسلك وقت حاجتك، وهل هو وَفق مقولة العرب: “الصديق وقت الضيق”.لا أتحدث عن الصديق، وكل ما يتعلق به، فثمة كتب في ذلك أهمها (الصداقة والصديق) لأبي حيّان التوحيدي، فهو من المظانّ ذات الغَناء والإثراء.لكني أتوقف على حفظ الغَيبة، فأنت ترى لك صديقًا تظنه وفيًا يستمع إلى من يشتمك وكأن الأمر لا يعنيه، ويغتابك ذاك وكأن “صديقك” ما عنده خبر، فلا يذود عنك بكلمة، ولا يقول جملة حق.فإلى أمثال هذا الصديق أعرض هذه الجولة الأدبية:
اقرأ معي قول الشاعر:
تودُّ عدوّي ثم تزعم أنني *** صديقُك إن الرأي عنك لعازبُ
وليس أخي من ودَّني رأيَ عينه *** ولكنْ أخي من ودَّني في المصائب
وجدت الشعر للنابغة الشَّيباني (الشاعر الإسلامي- كما ذكرتِ الموسوعة العالمية للشعر العربي)، وقرأته في شعر بشّار بن بُرد (الديوان)، وكذلك لصالح بن عبد القُدّوس (الديوان)، والعتّابي (كما ذكر “العقد الفريد”).
يتردد المعنى لدى بعض الشعراء، بشكل متقارب، فهذا المغيرة بن حَبْناء يقول:
أخوك الذي لا ينقض الدهر عهدهُ *** ولا عندَ صرفِ الدهرِ يزوَرُّ جانبُهْ
وليس الذي يلقاك بالبِشر والرضا *** وإن غبتَ عنه لسّعتك عقاربهْ
(الأمالي للقالي، ج2، ص 228، وينسب البيت الأول لبشار- في ديوانه).
يقول أوس بن حَجَر (الشاعر الجاهلي) عن الصديق:
ولكنه النائي إذا كنت آمنًا *** وصاحبُك الأدنى إذا الأمر أعضلا
(ديوان أوس بن حجر، وكذلك في المصدر أدناه- مجاني الأدب)
لنقرأ ما يقوله القاضي عبد الجواد المنوفي:
أتزعم أنك الخِدن المفدّى *** وأنت مصادق أعداي حقا؟
إليَّ إليّ فاجعلني صديقًا *** وصادق من أصادقه محقّا
وجانب من أعاديه إذا ما *** أردت تكون لي خدنًا وتبقى
نعود إلى بشار، وهو يكثر في ديوانه من الحديث عن إخلاص الصديق:
خيرُ إخوانكَ المشاركُ في المرِّ *** وأيْنَ الشَّرِيكُ في المرِّ أَيْنَا
الذي إن شهدت سرَّك في الحـ *** ـيّ وإِنْ غبْتَ كانَ أذْناً وعيْنَا
هذا هو الموضوع- أن يكون صديقك في غيابك أذنًا لك وعينًا، وأضيف: أن يكون لسانًا يذود عنك.يلخص شاعر اسمه ابن طاهر موقفه من الصداقة، وكيف يحفظ سرّه وغيبَه:
أواصل من هَوِيتُ على خِلال *** أذود بهن لَـيآتِ المقال
وأحفظ سرَّه والغيب منه *** وأرعى عهدَه في كل حال
وفاءٌ لا يحولُ به انتكاثٌ *** وودٌّ لا تخوِّنه الليالي
وأوثره على عسر ويسر *** ويُـنْفِـذ حكمَه في سرِّ مالي
(نقلاً عن مجاني الأدب- إعداد الأب لويس شيخو، ج3، ص 126، وبعض النماذج أعلاه وردت هنا في باب الصداقة وخلوص المودة)
ذكرني هذا الموضوع بقول علي كرمَه الله:”لا يكون الصديق صديقًا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته وغَيبته وميتته”.وفي رواية أخرى: وفي وفاته.(الحديدي: شرح نهج البلاغة، ج18، ص 330 وفيه يضيف:” وأما الغيبة فإنها كما قال الشاعر: وإذا الفتى حسنت مودته * في القرب ضاعفها على البعد”.
إذا كان هناك من يتخلى عنك وقت الضيق ووقت الرجاء فهل تخاطبه بقول الشاعر الجاهلي المثقِّب العبْدي:
فإمَّا أنْ تكونَ أخي بحقِّ *** فأَعرِفَ منكَ غَثِّي من سَميني
وإلاَّ فاطَّرحني واتخذني *** عَدُوًّا أَتَّقيكَ وتَتَّقيني
لكني لا أقول ما قاله الشاعر في عجز البيت الثاني، إذ لا أرجو أن يكون لي عدوًا بأي حال.فأقول أنا :
وإلا فاطَّرِحني ثم دعنا *** بودّ العيش في نهج أمين
أو :
وإلا فاطَّرِحني ثم دعنا *** نعش أبدًا على ودٍّ مكين (أو مبين)
يبقى سؤال:ما مدى صدق صفيّ الدين الحِلّي في هذا البيت:
أيقنت أن المستحيل ثلاثة *** الغول والعنقاء والخِلّ الوفي”؟
ب. فاروق مواسي