الموتى لا ينتحرون لأنّهم ميتون!
تاريخ النشر: 26/06/17 | 10:15قراءة في رواية سامح خضر الجديدة، بين زنا المحارم والجبن المجتمعيّ. قرأتُ رواية “الموتى لا ينتحرون” للروائي الفلسطيني سامح خضر، الصّادرة عن “دار الأهلية للنشر والتوزيع” في 168 صفحة. سامح كاتب فلسطيني صدرت له رواية “يعدو بساق واحدة” وهو مدير مركز محمود درويش في رام الله. تدور أحداث الرواية حول اغتصاب “حياة” فتاة فلسطينيّة من قبل جدّها المختار فتُطرد من القرية لتهاجر إلى ألمانيا وتلتقي بإياد – المقاتل الفلسطيني الذي طُرد من بيروت بعد أن استشهدت أمه وأخته في مجزرة تل الزعتر ويتزوّجا وتُعالَج حياة لدى طبيبة نفسيّة ألمانية لعجزها عن إقامة علاقة جنسيّة مع زوجها نتيجة للصدمة النفسيّة التي حلّت بها عقب اغتصابها. زنا المحارم/ سفاح المحارم هو أي علاقة جنسية كاملة بين شخصين تربطهما قرابة تمنع العلاقة الجنسية بينهما طبقاً لمعايير ثقافية أو دينية، بغضّ النظر إذا كان اغتصابًا أو بالاتفاق، وعلى هذا تعتبر العلاقة بين الجد (أبو مشعل) وحفيدته (حياة) أو كنّته (أمينه) علاقة محرّمة .
الظاهرة منتشرة عالميًّا (وليس في المجتمع العربي فقط) و75% من الاعتداءات الجنسية تحصل داخل العائلة والجاني قريب الضحيّة!! وفي الغرب تداولها الباحثون والأعلام بصورة جديّة أكثر وفي عام 1967 حاول باحثان (آدم ونيل) أن يدرسا هذا الأمر من الناحية البيولوجية البحتة فقاما بتتبّع حالة 18 طفلا كانوا ثمرة زواج/علاقة محارم فوجدا أن خمسة منهم قد ماتوا، وخمسة آخرين يعانون من تخلف عقلي، وهي نسبة مفزعة، لذلك خلص هذان الباحثان إلى أن زنا المحارم لو انتشر فإنه يمكن أن يؤدى إلى انتهاء الوجود البشرى من أساسه، وربما يكون هذا جزء من الحكمة من التحريم الديني والتجريم القانوني والوصم الاجتماعي.
تناول سامح موضوع زنا المحارم بجرأة ، فأخذ “زيتون الشوارع” لإبراهيم نصرالله وانتهاك جسد المرأة لتصبح الأرملة مُستباحة ، كركيزة، وتناول انتهاك جسد القريبة المحرم دون عقاب، بل الإفلات منه، كما رأينا في رواية “شرفة العار” لإبراهيم نصرالله ليبني رواية مشوّقة تذكّرني بلقيطة استانبول.
درس سامح علم النفس على أصوله، وعلم الاجتماع كذلك، ليكتب رواية لا تصبو إلى أن تكون علميّة، بل لتلقي الضوء على ظاهرة اجتماعية مهمَّشَة نريدها أن تبقى بعيدة عن الأضواء لأننا نجبُن أمام أنفسنا ونضعَف أمام المواجهة!
استعمل سامح اللغة المحكيّة وأبدع في ذلك وخفّف حدّة وقع موضوعها وكان موَفّقا في ذلك حين كانت لغةً عربيّة عاميّة وحبّذا لو استمر في ذلك عندما عرض إياد الزواج على حياة عوضًا عن لغة ألمانيّة متلعثمة (ص 81).
دور الأم “أمينه” سلبي جدّا: سكتت وتكتّمت حين استباحها حموها ، لم تساعد ابنتها في أصغر الأمور “عندما باغتتها أنوثتها” والدورة الشهريّة أو أكبرها حين سكتت وتكتّمت على انتهاك طفولة ابنتها حياة ، ومن ثم التخلّي عنها حين طُرِدت من القبيلة بموجب أحكامها وشّرِّدت، وتصرفاتها أدت إلى استباحة ووأد ابنتها الثانية – سناء.
حياة تغلّبت على جدّها وفعلته النكراء وتقول مخاطبةً أختها :”جسدك لكِ، لا تسمحي لأحد أن يسلبك إياه، احتفظي به طاهرًا لزوج أو حبيب” (ص 7)، وتصرخ: “الغرباء دومًا أحنّ عليّ من أهلي” وتصمد ولا تنتحر كما أرادوا لها. قال محمود درويش: “أنا حي ما دمتُ أحلم، لأن الموتى لا يحلمون” ويقول سامح: “الموتى لا ينتحرون”.
الشعور بالذنب وبالعار والخجل لدى الضحيّة يمكن أن يؤدّي إلى حالات من الاكتئاب الشديد الذي ربما يكون من مضاعفاته محاولة الانتحار.
ولكن- هل بإمكان الميّت أن ينتحر؟ يقول إياد: “راودتني ذات مرة فكرة الانتحار، لم أفلح فيها لأنني ببساطة ميّت. مُت يوم ماتت أسرتي، ومُت يوم ألقيت سلاحي، ومُت يوم خرجت من بيروت. ربما عطّل الموت الصغير المتكرر في حياتنا فكرة الانتحار الكبيرة. الموتى لا ينتحرون” (ص 66). وحياة ماتت يوم أغتصبها جدّها، وماتت يوم طُردت من بيتها بموجب أعراف القبيلة فكيف لها أن تنتحر؟!؟
لسامح نظرة فلسفيّة وتساؤلات تجاه الدين والرب ولم يكن جريئا ليُنسبها لبطلته حياة التي تؤمن بأنه “لا يُحمد على مكروه سواه” فأوجد “شروق” لتصرخ حين فقدت ابنها :”لا أريد مخدّرات إلهيّة. من تسبب في مأساتي لن ألجأ إليه ليداويني. جئت لأحاسب الرب على ما فعلَه فيّ…لم أكذب ولم أسرق ولم أزن ولم أعصي، لكنّه نكّل بي وآذاني. جئت لأقول له لقد خسرت مؤمنه لأنك خسّرتها ابنها الوحيد”.
كتابٌ جديرٌ بالقراءة لأنه يُنذر بالعاصفة، ولكن سامح لم يصرخ صرخة الضحيّة ولم يخط الخطوة الضروريّة لصالحها فلم يُحاسب الجاني وجعله يفلت من العقاب ولم يصرخ صرخته المدويّة التي صرخها في روايته الأولى “يعدو بساق واحدة” : لقد أنذرتنا يا سامح إنذارًا يكفي ليهزّ كل شيء فينا، يكفي ليُزلزل الأرض تحت أقدامنا، يكفي ليوقظنا من سباتنا وليفتح أعيُننا التي أغمضناها عمدًا أو جهلا على حقائق مروّعة، لا تُنذر بعاصفة فحسب بل بكارثة محققّة. فلنلاحق الجاني حتى يُعاقَب ولا يفلت من العقاب. كفى!!!!
وأخيرًا، يقول سامح على لسان بطله إياد: “ربما استطعتُ التعايش مع غياب البندقيّة، ولكنني لا أستطيع أن أتخلّى عن حيفا ولو في مُخيّلتي” (ص 64)، والجدير بالذكر أن سامح قد أشهر روايته في شهر تموز الفائت في نادي حيفا الثقافي وبين أهله.
بقلم المحامي حسن عبادي