“أزمة عائلية” يضمّد جراح الكوميديا السورية
تاريخ النشر: 08/07/17 | 9:23لم يجد المشاهد السوري أفضل من «أزمة عائلية» (تأليف شادي كيوان، إخراج هشام شربتجي، إنتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني ــ «سوريا دراما» ــ الفضائية السورية ــ «الرشيد») ليتابعه ويحتفي به.
المسلسل الاجتماعي الخفيف الذي أراده كاتبه مجرد مادة «لايت»، قرر صنّاعه أن يحيلوه إلى كوميديا صرف من ناحية التعاطي والأداء التمثيلي، تيمناً بأعمال سيت كوم الذائعة الصيت على مستوى العالم. لذا، كان العمل أمام مهمة السير على حافة الفشل والنجاح معاً. مجرد المبالغة يودي بالتجربة إلى درك لا تحسد عليه من التردي والتهريج. أما في حالة الضبط الصارم، كما يحصل في غالبية الحلقات، فستنتزع المعادلة ابتسامة الجمهور وربما ضحكه.
يمتثل النجم السوري رشيد عسّاف مجدداً لنصيحة المقربين منه بأن يخرج من «عباءة» الفارس المغوار، أو البطل الفانتازي التي لاحقته منذ أيام «البركان» وأن يوغل في الكوميديا مستفيداً من خفة ظلّه الساطعة، وايقاعه الساخر الذي يعرف كيف يعلّي مستواه، أو يخفضه كما يريد. وهذا الموسم، يكرّس عسّاف نفسه مجدداً، كوميدياناً حقيقياً كما هو في الحياة فعلاً. تمسك شريكته رنا شميّس بطرف الخيط كما يجب، لا تشدّ زيادة فينقطع، ولا ترخي فيتهاوى، وإن كان ضرورياً اللعب على شرط عمرها بطريقة تجعل المشروع يتلافى هذا المأزق الظاهر، إذ تبدو شميّس أصغر من أولادها تحديداً (الشخصية التي تلعبها نجاح مختار). ينطلق المسلسل من يوميات عائلة ربانها حزبي مناضل من بقايا الشرفاء، يعيش يومياته مع زوجته وثلاثة أولاد، بطريقة غنية بالمفارقات الحياتية. مفارقات ما إن تصاغ بأسلوب درامي يترك فسحة لاقتراحات تمثيلية من فريق المسلسل، حتى تحصد نتائجها الطيبة. وكما هي الحال مع تجارب «السيت كوم» التي تتخذ من «الستاند آب كوميدي» منطلقاً يوزع بدون تساوٍ على عدد محدود من الشخصيات تلعب في مكان واحد، تتوهج بعض الحلقات، فيما تمر أخرى بمستوى أقل. وقد يغفر لبعضها الآخر الانحدار عن المستوى المطلوب. في «أزمة عائلية»، يلعب النص على مفاصل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخانقة التي خلّفتها الحرب، ويترك نوافذ مفتوحة يعود إليها كلما لزم الأمر، متمثلة في الأولاد. البنت الصغرى البلهاء (تجسدها ليا مباردي) وشقيقتها (نجاح مختار) المصابة بمس دراستها الجامعية بعلم النفس، والشاب المخترع الذي يخلّف وراءه المصائب (يلعب دوره ببراعة طارق عبدو). كذلك، يواكبهم طالب الطب الفاشل (عاصم حوّاط) الذي يخطب الصبية الكبرى، ويساعد في تراكم الطرفة، سواء بأدائه أو حالة البخل المقترحة لشخصيته. مع ذلك، يقف النص عند حدود معينة، لا يتمكن فيها من ضخ الزخم اللازم لسبك مادة كوميدية محكمة على طول المسلسل، ليتصدى شغل الممثلين بغالبيتهم معوّضاً عن الجدة والغنى في الحدث. لكن الأمر تعدى المدى المنظور، عندما قرر فريق العمل خوض مغامرة نحو مكامن أكثر عمقاً وفق مقترح كلاسيكي متداول. يتعثّر أستاذ القومية السابق «جهاد أبو همة» (رشيد عساف)، بخرطوم المياه ويقع على رأسه، فيفقد ذاكرته القصيرة المتمثلة بسنوات الحرب. تسير الحلقة حتى نهايتها المتوقعة عندما يخرج الرجل المغمّس بحبه الصادق لبلاده، فيجد العاصمة أشبه بثكنة عسكرية تطبق عليها المتاريس، تحسباً لأي هجمة إرهابية. يعود إلى بيته بعينين دامعتين ليردد حواراً كان ممكناً أن يصاغ بسوية أقل تقليدية، وأكثر حرفة وبلاغة، لكن الأداء مجدداً ينقذ قصور الورق، وتقطف الحلقة ثمار إعجاب متابعيها بوصفها كوميديا سوداء، لم تجترح المعجزات، لكنها تركت أثرها من الحزن والحسرة.
ليس غريباً على هشام شربتجي صانع سلسلة «عائلة النجوم» و«يوميات مدير عام 1» و«جميل هناء» أن يخرج بأفضل النتائج الممكنة بالنسبة إلى هذه النوعية من الأعمال. وعندما فكّر التلفزيون السوري كيف يمكن أن يكافئ صنّاع هذا العمل، لم يجد سوى إضاعة الحلقة 22 وعدم بثها، ثم التوضيح بأنها فقدت كلياً من أدراجه. وريثما حصّلت هذه الحلقة المفقودة من المؤسسة الحكومية المنتجة، وعرضت في اليوم التالي، كان الجمهور يضحك أيضاً، ليس على أحداث المسلسل هذه المرة، بل على خيبة «سوريا دراما».