عِندَما تُهزَمُ السّياسَة عَلى يَد الإنسانِيّة!
تاريخ النشر: 09/07/17 | 2:46جدار فاصِل ضَخم يفصلُ بينَ المُدن الفلسطينية والاسرائيلية على طول الحدود, تدخّل جَدّي وَمُستفز مِن قِبل الجَيش الإسرائيلي وَسَط هذهِ المُدن وَالقرى يتمثلُ بالحَواجز الأمنيّة وَالتفتيش الاضطهادي.
حِصار قَمعِي ليس لهُ أيّ داع.
أسافر بَين هذهِ المُدن وَالقرى بسَعادة, إحباط يَدخلُ وَيترنّح بينَ ثنايا تلك السَّعادة, يُسَرُّ خاطِري للمَناظر الطبيعيّة الخلابة وَيُكسَرُ في ذاتِ الوَقت لِلحِصار الذي تتواجدُ بهِ كلّ تلكَ المَناظر التي مِن حَقها أن تكون طليقة حُرّة.
شَوارع تختلط بها السّيارات الإسرائيليّة مَع الفلسطينيّة دونَ تفرقة, كِلاهُما يأخذ مَسارهُ دونَ تَعال عَلى الآخر, دونَ عَداء, دونَ خِلاف أو كره, أتساءلُ بَيني وَبَين نفسي ما الذي يَحُث شَعبَين يَحمِلان نوعًا مِن البَساطة عَلى كلّ هذا العَداء؟
شَعبَين يَحمِلان الإنسانيّة وَعَلى دِرايَة بمَفهوم الضّمير؟!
يُراودني الجَواب الدّائم: السُّلطة وَالسّياسَة القذرَة!
تبًا لتلكَ السّياسَة القمعيّة المُقزّزَة التي حَثّت دائمًا الإنسان عَلى الكره, عَلى البغض, تبًا لها لأنها وَضَعَت الإنسان في خانة اليَك وَكثيرًا ما مَنعَتهُ مِن مُمارسَة إنسانيتهِ مَع أخيهِ الإنسان.
حادِث مُؤلم يَبعث الحُزن وَالأسى وَقع أمام أعيني التي انفرَدت بدموعها لِقهر ذلكَ المَنظر, في إحدى تلك الشّوارع الاسرائيليّة الفلسطينيّة, هَرولت سَيّارات الإسعاف الاسرائيليّة وَالفلسطينيّة جَنبًا إلى جَنب, قُدِّمَت المُساعَدة مِن قِبل الطّرفين, لِكلا الطرفين مِن ضَحايا حادِث السّير المُروّع, لا فرق بَينَ جَريح وَجَريح, لا فرق بَين مَيّت وَمَيّت في هذهِ اللحظات, يا لها مِن لحظات مُؤلمة إلا أنها حَمَلت المُساواة وَالإنسانيّة حَتى وَلو لِدَقائق مَعدودَة, قد تحَققت مِن خِلال هذهِ اللحَظات المُروّعَة نَبوءَة السَّلام! السَّلام الذي ما يَزال مُعلقا في الهَواء يَنظرُ إلى كلّ الشّهداء وَالأسرى وَالضّحايا الذي خَلفهُم وَرائهُ الصّراع الإسرائيلي الفلسطيني دونَ حِراك فِعلي أو حَلّ جَذري.
مَوقف إنساني مِن الدّرَجَة الأولى قامَت بهِ الطواقم الطبيّة الاسرائيليّة مُحاولة بكلّ قواها إنقاذ المَزيد مِن الأرواح الفلسطينيّة, بالضّبط تمامًا كتصرّف الهمّة الفلسطينيّة أثناء الحَريق في حَيفا, الحَريق الهائِل الذي ناشَدَ نخوَة الفلسطينيّين الذينَ عَبَروا الحُدود المُهينة وَالحَواجز لِيُلبوا النّداء وليُثبتوا إنسانيّتهُم التي تَعلو عَلى كلّ مَوقف سِياسيّ وَعَداء باغِض, إنسانيتهُم وَبُطولتهُم التي لمَسناها مِن خِلال تقديمهم للمُساعدَة وَالدّخول بَين ألسِنة اللهَب دونَ خَوف أو رَهبَة لإيصال رسالتهُم السّاميَة التي تدلّ عَلى المَحبّة وَالصّبر.
لحظات أكدّت أنهُ بالإمكان تقبّل الحِوار وَالجِوار وَرَفع الحِصار.
لحَظات أتاحَت الفرصَة لمُمارسَة الإنسانيّة بشَكل صَحيح, ومُحاولة مُمارَسَة هذا الحَقّ بشَرَف وَضَمير حَيّ, لحَظات حَصَل مِن خِلالها المَوقِف الإنساني عَلى وسام شَرَف ذهَبي لامِع ليُغطيَ بلمَعانهِ صَداء السّياسَة وَتعَفنها.
مَشهَد رائِع (رغم ألمهِ) عِندَما تَرى أنّ الإنسانيّة تغلبّت عَلى السّياسَة وَهَزمَت مَبدأ التفرقة.
لطالما كرّرتُها وَآمنتُ بها أنّ المعضلة ليسَت بالمُواطنين أبداً وَلا بالتعايُش العَرَبي اليَهودي, المعضلة مَوجودَة في السّياسَة القذرَة وَالقائِمين خلفَ كواليسِها.
أزهار أبوالخير- شَعبان