يوسف الصديق وحلم تحقق على ضفاف النيل
تاريخ النشر: 26/07/17 | 0:55عندما نشرع في الحديث عن قصة سيدنا يوسف محاولين اقتفاء أثره عبر جنبات التاريخ القديم فلابد وأن نضع نصب أعيننا أننا أمام قصة شديدة العمق تتنوع فيها الشخصيات والخطوب مما يحتم علي الباحث أن يلتمس من اثار التاريخ القديم خيوطا ليغزل سيناريو محكم يرادف الرواية الألهية للاحداث ويتسق مع معانيها ودلالتها ويكفينا أن نعرف أن سورة يوسف من السور القلائل التي نزلت كاملة وتبدأ القصة برؤيا الصبي يوسف لأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، فيسرع ليقص رؤياه على أبيه يعقوب عليه السلام الذي ينصحة بألا يقص رؤياه على إخوته، الا أن محبة أبيه له وعنايته به كانت سببا أخر لايغار صدر أخوته عليه فاتفقوا على أن يلقوه في غيابات الجب وادعوا أن الذئب أكله، ثم تنتشله قافلة لتبيعه بعدها إلى عزيز مصر، ولا تنتهي محن يوسف عند ذلك بل يتعرض فى شبابه لمؤامرة أخرى من امرأة العزيز بعدما راودته عن نفسه وأبي تنتهى بدخوله السجن مظلوماً ثم تنتهي القصة بتحقق الرؤيا.
ومع رحلتنا في التاريخ القديم لنتعقب أثار الفترة الزمنية التي عاصرها يوسف عليه السلام في مصر وعاش في كنفها فنحن نخالف ما رجحه أغلب المؤرخين العرب ومن سار علي دربهم من المؤرخين الغربيين، وهو أن العصر الذي عاش فيه سيدنا يوسف كان عصر الملوك الرعاة الآسيويين ” الهكسوس ” ونرجح أن عصر يوسف عليه السلام كان حتما سابقا علي عصر الهكسوس ،وتحديدا في زمن الأسرة الثانية عشر الفرعونية (1991-1786 ) ق.م وأن الفترة التي شهدت فترات عمره الاولي بمصر قبل دخول السجن كانت ابان حكم الملك أمنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشر والذي أشرك معه في الحكم ابنه سنوسرت الأول لمدة 21 عاما وأن الملك الذي اخرجه من السجن وجعله علي خزائن الأرض هو سنوسرت الأول ،ونستهل أدلتنا بقوله تعالى : (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) فلابد وأننا بعصر يفرض سياجا أمنيا علي دخول الاجانب الي الدرجة التي خشي النبي يعقوب عليه السلام علي أبناءه فنصحهم بعدم دخول مصر من بوابة واحدة ولكن من أبواب متفرقة وهو ما يتفق مع فلسفة امنمحات الأول الذي نظر إلى الهجرات الواسعة بالقرب من الحدود مع مصر، مما دفعه إلى بناء تحصينات قوية و قلاع ونقاط للمراقبة والحراسة كما لم يسبق من قبل على الحدود بين مصر وفلسطين وقيامه بصفة خاصة ببناء “حائط الأمير” ، وهو نوع من الحصون المنيعة لمنع تسلل البدو إلى أرض مصر وبذلك تعذر على أي أجنبي أن يدخل مصر أو حتى يطلب ماء لتشرب منه ماشيته.
نتوقف عند دليل أخر وهو قوله تعالي: (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ ) وقوله تعالي : (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ) ..فنجد متهمين مرافقين ليوسف عليه السلام في السجن أحدهما ساقي الملك والآخر خبازه وهو ما يعني أننا أمام مؤامرة قد حدثت وزجت بمقربين من الملك الي السجن ثم شمل العفو ساقي الملك بعد ذلك وحينما نبحث بين جنبات التاريخ الفرعوني عن قضية اغتيال علي هذا المنوال فلابد وأن نسبر أغوار واحدة من قضايا الاغتيال شديدة الغموض في التاريخ الفرعوني وكان بطلها امنمحات الأول والذي لقي مصرعة جراء مؤامرة باغتته في القصر،نفّذها حرسه وخدمه وذلك في غياب ابنه سنوسرت الأول في إحدى غزواته ضد الليبيين وحتي نتخيل مقدار بطش سنوسرت الذي ربما طال المقربين من الملك الراحل والحالة المزاجية التي ربما سيطرت عليه والتي دفعت الطبيب الملكي سنوحي الي الهروب الي الشام والتخفي دون أن يكون موجها اليه أي اتهام!!!!!!..غير أن تحولا طرأ علي الملك دفعه للعفو علي سنوحي وربما هو نفس العفو الذي شمل ساقي الملك في القصة القرانيه.
ثمة دليل أخر يحملنا بجلاء الي الفترة التي شهدت وجود سيدنا يوسف وعلو مكانته فعصر الدولة الوسطى وبخاصة الأسرة الثانية عشر أمتاز بالرخاء الاقتصادي الذي لم يسبق له مثيل في مصر حيث اهتم الملوك بشئون الزراعة والري فنظموا مياه النيل وأقاموا المقاييس عليه واعتنوا بالمشروعات الزراعية ، وبالطبع كان ليوسف عليه السلام اليد الطولى أو الريادة في هذه النهضة من خلال وضعه لأول خطة استراتيجية في التاريخ . وليس أدل علي التأثير الذي خلفه يوسف عليه السلام في الأقتصاد الزراعي المصري من الارتباط بين الفيوم ويوسف عليه السلام وهو الارتباط الذي تتحدث عنه المصادر العربية ومنها ابن عبد الحكم في “فتوح مصر وأخبارها” من أن سيدنا يوسف قد تعرض لاختبار تعجيزى على يد فرعون.. مما دفعه لحفر خليج المنهي (بحر يوسف) من أعلى أشمون إلي اللاهون أما السيوطي فيقول: “الفيوم مدينة دبرها سيدنا يوسف عليه السلام بالوحي، وليس فى الدنيا بلد مثلها”.في المقابل نجد التاريخ الفرعوني يرصد بدء الاهتمام الحقيقى بالفيوم مع عهد إمنمحات الأول، كما أمر “سنوسرت الأول” بتشييد معبداً فى الفيوم وهذا المعبد لم يبقى منه سوى مسلة ذات القمة المستديرة الموجودة داخل أبجيج وقد أقيمت تخليدا لتحويل الفيوم الي أرض زراعية ..فهل هذا الاهتمام بالفيوم من قبل يوسف وسنوسرت علي سبيل المصادفة !!! بالطبع محال .
السؤال المهم للغاية والمحوري في هذه القضية أين المجاعة التي تحدث عنها القران في طرحنا هذا ؟
يتحدث مخطوط عثر عليه في منطقة التود عن مجاعة وقحط في عهد سنوسرت الأول للدرجة التي دفعت الناس للهجوم على المعبد والاستيلاء علي ما فيه من مخزون الطعام. غير أن أثر يوسف في الحد من أثر هذه المجاعة قد ظهر جليا في الطريقة التي اتبعها امنمحات حاكم اقليم الغزال والذي يقول عندما (حدث القحط زرعت كل اقليم الغزال حتي الحدود الشمالية والجنوبية منها فأحييت السكان ووفرت لهم الطعام ولم يشعر أحد في الاقليم بالجوع .وأعطيت الارملة قدر ما أعطيت المتزوجة ولم أفرق في العطاء بين عظيم وفقير) وكما يلاحظ من النص أن الطريقة التي اتبعها امنمحات هي بمثابة تنفيذ لخطة محكمة وتوجيهات متزنة تراعي توفير الغذاء والعدالة في العطاء وليست مجرد اجتهادات فردية .
نأتي علي ذكر القرآن لحاكم مصر في عصر موسى عليه السلام بصيغة فرعون فيما يذكر حاكم مصر في عصر النبي يوسف عليه السلام بلفظ الملك .قال تعالى: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ)، في المقابل نجد التوراة لا تفرق مطلقا بين حاكم مصر في عصر نبي الله موسى وبين حاكم مصر في عصر نبي الله يوسف وتنعتهم بلفظ الفرعون دون تفرقة. ففي (إصحاح تكوين 41): (فحسن الكلام في عيني فرعون وفي عيون جميع عبيده. فقال فرعون لعبيده وهل نجد مثل هذا. رجلاً فيه روح الله. ثم قال فرعون ليوسف: بعد ما أعلمك الله كل هذا ليس بصير وحكيم مثلك. أنت تكون على بيتي وعلى فمك يقبل جميع شعبي).
وعلي الرغم أن الموسوعة البريطانية والعديد من الباحثين في تاريخ مصر القديمة يعتبرون أن لفظ الفرعون والذي يتضمن معني الألوهية لم يستعمل إلا في بداية الأسرة الثامنة عشرة فصاعدا ً أما الفترة الزمنية التي سبقت هذا التاريخ فكان لقب حكام مصر هو الملك سواء في أيام احتلال الهكسوس لمصر أو قبلها.الا أن باحثين أخرين يرفضون هذه الحقيقة التاريخية وبالتالي فيمكننا الخروج من هذا الجدل بالبناء علي تفرد حظي به امنمحات الأول وبالطبع انعكس علي ابنائه هو أنه كان وزيراً لآخر ملوك الأسرة الحادية عشرة ولم يكن سليلا لها ، ولما مات الملك دون وريث، أعلن “إمنمحات” نفسه ملكاً على مصر ونظرا لشرعيته الواهية ، فقد بذل جهداً كبيراً لإخضاع حكام الأقاليم لسلطانه كما أشاع بين الناس أسطورة (نبوءة نفرتي) التي تدور حول أنه في العصر الذهبي لحكم الملك الطيب الخير “سنفرو ” تنبأ أحد المنجمين بأن مصر سوف تنجو من فترة يسودها الضياع والتخبط بفضل منقذ يأتي من الجنوب ، ويدعى “أمني Ameny” ، في اشارة ماكرة إلى تطابق هذا الاسم مع “أمنمحات”. وبالتالي فنحن أمام حاكم ذو وضع مختلف من حيث طريقة اعتلائه للحكم تجعله شاذا في لقبه وفي درجة دون لقب الفرعون لو أخدنا في اعتبارنا أن لقب فرعون ساد الحكام قبله أواستمر بعد أسرته.
أضافة لذلك يمكننا قراءة النقش الخاص بوصول وفد آسيوى رفيع المستوى لمصر مكونا من سبعة وثلاثين شخصاً من البدو -رجال ملتحين ونساء وأطفال -مرتدين الملابس الصوفية المزركشة، كانوا غير مقيدين أو ساجدين للفرعون على أحد جدران مقابر بنى حسن بالمنيا بشكل مختلف علما بأنه لم يسجل من قبل فى الآثار المصرية تسجيل لزيارات آسيوية بهذا المستوى مما يعكس أهمية الزيارة وبالتالي فربما ” أبشا “ زعيم هذا الوفد هو يعقوب عليه السلام والمرافقون له هم ابنائه (الاسباط الاثنا عشر ) وأسرهم خاصة أن (أبشا ) تعني الزعيم ويعقوب هو قائد أو أب ليوسف وأخوته واليه ينتسب بني اسرائيل . وهي صورة تقترب بنا من الصورة القرانية التي تحملها لنا سورة يوسف : (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
وطبقا لرواية التوراة فأن فوطيفار(يسمي أيضا بوتيفار أو قوطفير أو قوطيفارأو بوتيفار بن روحيب ويعني الأسم تابع اله الشمس أو عطية رع ) خصي فرعون رئيس الشرط وهو رجل مصري هو من اشتري يوسف من يد الإسماعليين الذين انزلوه الى هناك وكان صفنات فعنيح (اسم مصري قديم معناه قوت الأرض هو الحي او هذا الحي ) هو الأسم الذي اختاره الفرعون ليوسف كما اعطاه أسنات (تعني بنت الاله نيت) بنت فوطي فارع كاهن أون (هيليوبوليس مدينة الشمس )زوجة وهو ما يمكن أن نستنتج منه مصرية الملك وأنه لم يكن من الهكسوس وهو ما يتضح من اختياره عزيزا لمصر مصريا وأطلاقه علي يوسف اسما مصريا كما تكشف الرواية التوراتية السابقة عن مقدار تقديس الشمس في هذا العصر وهو ما ينطبق علي الملك سنوسرت الأول والذي اتخذ المسلة الخاصة به (تعرف بمسلة المطرية) من حجر الجرانيت الوردي ويبلغ طولها حوالي 20م ووزنها حوالي 20طن تمهيدا ً لعبادة الإله رع الشمس وكانت تطلى قمتها برقائق الذهب وذلك لتعكس أشعة الشمس المستمدة من الإله رع على الأرض كناية عن الخير الذي يعم البشرية في ذلك الوقت وهي الاثر الوحيد في المطرية لمنطقة هليوبوليس”اون”.
يعتبر دخول يوسف واخوته الي مصر تمهيدا لحكم الهكسوس وهو في حقيقته حكما ذاتيا لبني اسرائيل بمناطق من مصر تحقق مع فترة الأضطراب التي صاحبت نهاية الأسرة الفرعونية الثانية عشر وهو ما يتفق مع فرضية أن الهكسوس لم يدخلوا مصر بالغزو، ولكن بالتسلل وعاشوا في أرض مصر قبل الاستيلاء على العرش في شمال مصر وحتي تتضح فكرتنا فالهكسوس كما أطلق عليهم المؤرخ المصرى مانيتون السمنودي هم ملوك البدو وهو نفس التعريف الذي نجده لدي القران ذاته ففي قوله تعالي علي لسان موسي (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا)وفي قوله تعالي علي لسان يوسف (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ)ومن الايتين معا يمكن ان نشتق معني كلمة الهكسوس والتي تحدث عنها مانيتون كما نجد من ملوك الهكسوس (الأسرة الملكية 15 ،حُكْمهم: 1674-1567 ق.م) أسماء: يعقوب هر، ،وتابعيهم من (الأسرة المعاصرة 16،حكمهم 1684-1567 ق.م) :يعقوب بعل، ويعقب عم ( Yakbam )، كما وردت أسماء أمكنة من عهدهم مثل (يوسف إيل)، مما يؤيد ارتباط الهكسوس وانتمائهم لبني اسرائيل.
وقبل أن نرسو برحلتنا الشيقة عبر جنبات التاريخ الي محطتها الأخيرة لابد وأن نناقش النظريات الأخري التي تتناول شخصية يوسف عليه السلام وأولها الربط بين يويا وزير «أمنحتب الثالث» في الأسرة 18 ويوسف عليه السلام نظرا للتشابه فى الاسم والشكل !!! وأن يوسف حمل لقب ” أبا الفرعون” بالتوراه ولان الفرعون اله لذا فهو نفسه لقب “الأب الإلهي” ،وبما أن “يويا”هو الوحيد الذى لقب بمثل هذا اللقب، فهو إذن يوسف والحقيقة أن اخرون حملوا لقب “الأب الإلهي” أشهرهم القائد العسكري “آى” في عهد اخناتون واول المرتدين على عقيدة اتون بعد ذلك والذي اعتلي عرش مصر بعد وفاة توت عنخ امون المبكرة .مما يدل علي شيوعه وعدم قصره علي يويا كما يستدلون من خلال وجود عجلة حربية صغيرة الحجم في مقبرته علي كونه يوسف ، مستندين الي التوراة أيضا و اهداء الملك ليوسف عليه السلام ثلاث هدايا، هى خاتم وعقد وعجلة حربية وهو دليلهم المادي الوحيد وللاسف فأصحاب هذه النظرية يتحايلون علي صريح لفظ التوراة من أن الهدية كانت مركبة استخدمها يوسف في الانتقال عندما وصل يعقوب وأبناؤه إلى الحدود المصرية “فشد يوسف (مركبته) وصعد لاستقبال إسرائيل أبيه إلى جاسان” وبالتالي فهي ليست عربة حربية كما يدعون كما أن أصحاب هذه النظرية يصطدمون مع دليل أخر هام من التوراة وهو أخذ موسى لعظام يوسف معه عند خروجه ببني اسرائيل ففي سفر (يشوع) الأصحاح الرابع والعشرون 32، : “وعظام يوسف التي أصعدها بنو إسرائيل من مصر دفنوها في شخيم، في قطعة الحقل التي اشتراها يعقوب من بني حمور أبي شخيم بمئة قسيطة، فصارت لبني يوسف ملكا”وبالتالي فعظام يوسف تم نقلها من مصر مما يعني انه ليس يويا الذي عثر علي مومياؤه والموجودة بالمتحف المصري وتم فحصها بواسطة خبير التشريح إليوت سميث . كما ان “يويا” كان كاهن الإله “مين” فكيف يكون يوسف الموحد هو يويا كاهن الإله “مين”؟!!!!
بالإضافة الي ان “يوسف” حسب رواية التوراة كان له أبنين هما “منسى” و”افرايم”، بينما “يويا” كانت له بنت هي “تى” أو “طاى” زوجة “أمنحتب الثالث” المفضلة، وأم “إخناتون”، وأبن يدعى “عانن” ، الذي نقش اسمه على قبر امه “تويا”مما يوضح بجلاء شدة الاختلاف بين الرجلين علي نحو يستحيل معه تطابق شخصيهما علي جميع الاصعدة.
النظرية الثانية هي الربط بين يوسف وايمحوتب أول مهندس عرفته البشرية، والذي كان وزيرًا عاش في عهد الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة وصاحب أول هرم في التاريخ، نظرًا لأن صفات أمحوتب ( تعنى القادم في سلام)، تتطابق في المجمل مع صفات النبى الكريم من ذكاء وتواضع وصدق وإخلاص، وإلمام بكافة أفرع المعرفة ومن المعروف أن ايمحوتب شغل العديد من المناصب فهو الوزير والطبيب والمهندس المعماري والحكيم والكاتب والفلكي ورئيس الكهنة وكبير القضاة والمعبود لدي المصريين وجميعها فيما عدا منصب الوزير صفات لا تتلاقي مع يوسف عليه السلام نهائيا .
كما يستند أصحاب هذه النظرية الي النص المكتوب بعصر الملك بطليموس الثاني ثاني ملوك البطالمة في جزيرة سهيل جنوب مدينة أسوان، عن قصة مجاعة حدثت في عهد الملك زوسر أول ملوك الأسرة الثالثة من الدولة القديمة (2649 ق.م) وقد حدثت هذه المجاعة نتيجة انخفاض مياه النيل وانحسار الفيضان لمدة سبع سنوات متتالية، فاشتد الضيق بالملك وساءت أحوال البلاد، ورأي في المنام الإله خنوم رب أسوان، فأمر الملك بأن توقف بعض خيرات المنطقة لصالحه ووسع دائرة نفوذ الإله ووهب له أرض زراعية. ويشكك الكثيرين في صحة نسبة هذا النص لعصر زوسر و أنها قصة مختلقة من خيال كهنة المعبود خنوم في العصر البطلمي لاسباغ المزيد من هالات التقديس لمعبودهم، كما أن النص وأن صحت نسبته لايعطينا أية اليات للتعامل مع الازمة غير تقديم القرابين للالهة لترضي وهو الامر المعتاد في مثل هذه المجاعات المتكررة عبر عصور مصر القديمة كما أن رقم سبعة لا يحتج به اذا علمنا أنه متكرر في مجاعات أخري ومنها الأسطورة الملحمية الشعرية الشهيرة جلجامش، حيث الإله آنو يعطي نبوة عن مجاعة لمدة سبع سنوات وبالتالي ففيصلنا هو طريقة التعامل مع الازمة وهو الامر الذي اعتمدناه في دراستنا وليس الازمة بحد ذاتها لانها متكرره بشكل كبير .
كما أن امحتب مولود بمصر لاب مصرى معمارى وهذا يختلف عن يوسف الصديق الذى ولد وتربي خارج مصر ..الطريف في هذه النظرية أن أصحابها يربطون بين اضطلاع امحتب بالطب والقاء قميص يوسف على وجه ابيه ليرتد بصيرا! في سبيل التدليل علي أنه يوسف ..وهذا الامر لا يعدو كونه معجزة ولا يخرج عن هذه الدائرة الي محيط الطب الا أذا تم الاخذ بأصول البحث العلمي المتعارف عليه ولا يكفي أن نتحدث علي أساس نظري من أن العرق الذي يحتوى على اليوريا والجيودين وهما قادران على إذابة البروتين وبالتالي يتم توظيف العرق في علاج المياه البيضاء (الكتاركت) وعلي الرغم من أن هذا الطرح قد جاوز العقدين من الزمان الا أنه بدلا من أن يأخذ شكل البحث العلمي وطرقه وأساليبه تحول الي خرافة القطرة المباركة التي تباع للاسف علي الطرقات لتذهب بأبصار البسطاء.
الي هنا ينتهي بحثنا والذي حاولنا من خلاله أن نخرج من شتات التاريخ القديم روافد الي حقيقة الفترة الزمنية التي عاصرها سيدنا يوسف عليه السلام .
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
حاصل علي دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الاسلامية من المعهد العالي للدراسات الاسلامية
حاصل علي دبلوم معهد اعداد الدعاة التابع لوزارة الاوقاف المصرية
كاتب وباحث مصري