كهفُ اللّغاتِ النائِيَة
تاريخ النشر: 19/07/17 | 11:07سَعيًا إلى فَجرٍ سَيُشرِقُ مِن دَمي…
عانَقتُ أُمنِيَتي وكانَت تَستَعيدُ دُخانَها..
وَسَنابِلُ الأبعادِ تولَدُ مُثقَلاتٌ في مَعارِجِها،
تُفَجِّرُ زَمزَمَ البَعثِ الحقيقي.
ضاقَ المَكانُ هناكَ، واتَّسَعَ الشَّفَق..
ورأيتُ رأيَ الصَّبرِ ناري تَستَقي مَرمى يَدي،
وتُحَرِّرُ الأشواقَ مِن زَمَنٍ تقاسَمَني الطُّغاةُ بِبابِهِ…
ما بَينَ شَرقٍ يَستَظِلُّ بِكَرمَتي، ويَبيعُني خَمرَ الكلامْ
ولهاثُ غَربٍ يقتَفي زَحفَ الرّمالِ ببيدِنا…
ويبيعُنا عَطَشًا على عَطَشٍ،
ويَصلُبُنا على أفُقِ السّراب.
لا الشَّرقُ يُسعِفُ مِن جُنونِ مَخاوِفي..
لا الغَربُ يُنجي مِن جَحيمِ تَذَبذُبي..
ويطولُ بينَهُما الأرَق..
ذاتَ اليمينِ أوِ الشِّمالِ تَقَلُّبي في الكَهفِ موتًا..
والرّصيدُ هوَ الرّصيد.
جوعٌ… ونرجو الخبزَ مِن كَفِّ الطُّغاة…
مَنِ استَباحوا حَقلَنا!
خَوفٌ.. ونَنتَظِرُ السّلامَ مِنَ الألى مِن جَهلنا
سادوا، ولا يرجونَ غيرَ شتاتِنا.
ضغفٌ… وهل في الكَهفِ غيرُ رقودِنا وظلامِهِم…
والعُمرُ يَزحَفُ مثلَ رَملِ قِفارِنا، وجنونِ مَوقِفِنا وقد
بِتنا نُؤَمِّلُ أن نَرى أفقَ التّحَرُّرِ في سلاحِ غُزاتِنا!
ضاقَ الزَّمانُ بِنا لأنّا لم نَعُد نُصغي لصوتِ ذَواتِنا.
رُحنا لكَهفِ ظُنونِنا..
لا الشَّرقُ يُدرِكُ لَونَنا…
لا الغَربُ يُبصِرُ ظِلَّنا..
أسطورةٌ بِتنا..
فهذا يومُنا خَمرٌ.. وهذا ليلُنا قَرٌّ…
وهذا فجرُنا سِرٌّ… وهذا لونُنا بَحرٌ…
وهذا عمرُنا قَفرٌ… وهذا موتُنا نَصرٌ…
وهذا نَصرُنا أسرٌ… وهذا جُرحُنا مَوّال:
مُذْ صارَ جِلدي ليسَ مِمّا يجتَبيهِ صدى يَدي
وترَكتُ أغنِيَتي تَروحُ إلى اللّغاتِ النّائِيَة
وعَبَرتُ أرضَ الحُبِّ كالغَيماتِ مالي مِن غَدي
إلا انتظارُ الصّمتِ يورِقُ بالأماني الفانِيَة
أستَنطِقُ الأحجارَ عَن صَوتي ومَنطِقِ هُدهُدي
والليلُ يَسكُنُني، ويَهمِسُ للمَدى: “كلُّ اللّيالي غانِيَة”
لم يَبقَ لي وأنا المسافِرُ عَبرَ أوجاعي سوى
سَفَرٍ يُخَلِّصُني مِنَ الأسفارِ كي
أتعَلَّمَ المَشيَ الأكيدَ إلى منافِذِ رَعشَتي..
لأطولَ ما مَلَكَت يَدايَ مِنَ الأثافي، والمَدى
لُغَتي، ولَستُ كبالِغِ السّدَّينِ، لكنّي أرى
في الشَّرقِ أمًّا لي، وفي كَهفِ المَغارِبِ ألفَ أمٍّ
كُلُّهُنَّ يَصِحنَ: يا ثَكِلَتكَ أمُّكَ، لا أبا لكَ فارتَحِل…
إنّا نقاتِلُ كَي تَقَرَّ عُيونُ مَن قالوا: “اذهَبوا..
إنا هُنا وهُناكَ نَبقى قاعِدينَ!”
الدّهرُ سَوطٌ لا يَلين..
وبَراءَةُ التاريخِ أغنِيَةُ الألى وَهَنوا، وعاشوا مُتعَبين..
الكُلُّ جَزَّ رؤوسَهُم جَهرًا وظَلّوا واقِفين!
لا شيءَ يشغَلُهُم سِوى:
“مِن مَشرِقٍ هَبَّت رِياحُ فتونِهِم؟ أم مَغرِبٍ؟”
ماتوا وهُم يتَخافتون:
حتمًا بحقلِ الموتِ تختَلِطُ الجِهاتْ!
حقًا رياحُ الموتِ يومًا قَد تَلينْ!
شعر: صالح أحمد (كناعنة)