حتى حافظ إبراهيم يُخَـطّـأ في كلمة (البؤساء)؟
تاريخ النشر: 18/07/17 | 18:40حافظ إبراهيم نذكره كلما ذكرنا الحرص على العربية، وهو الغواص الباحث عن صدفات البحر.
عرّب صاحبنا- شاعر النيل- كتاب فيكتور هوجو- Les Mise`rables – “البؤساء”، في لغة جزلة الألفاظ قوية التركيب، وأهداه إلى الأستاذ الإمام محمد عبده.
وقد اعترف أستاذنا طه حسين أنه استخدم المعجم أكثر من مرة لفهم مقدمته.
كل هذه الفصاحة لم تشفع لشاعرنا، فبعض اللغويين يخطّئونه، بحجة أن مجيء (فُعَلاء) جمعًا لوزن (فاعل) ليس مما يُسمع، بل لا يُقاس عليه، ويذهبون إلى أن (بؤساء) هي جمع (بئيس)- وهو الشجاع القوي.
انظر مصطفى جواد (قل ولا تقل، ص 16)
أسعد داغر (تذكرة الكاتب، ص 75)
زهدي جار الله (الكتابة الصحيحة، ص 35)
محمد العدناني (معجم الأخطاء الشائعة، ص 33)
مع ذلك، ورغم ذلك،
فيطّرد (فُعَلاء) جمعًا لوزن (فاعل) الدال على سجية- سواء أكانت مدحًا أم ذمًا، نحو:
عاقل- عقلاء
جاهل- جهلاء
صالح- صلحاء
شاعر- شعراء
عالم، نابه، راشد، فاضل…
صحيح أننا لا نستعمل هذا الجمع (فُعَلاء) لكلمات أخرى، مثل كاتب، حاكم، راكع، ساجد، رائد…
فهذا لا يعني عدم قبول بؤساء جمعًا لبائس، على نحو شعراء جمعًا لشاعر…
هناك من جمع (بائس) على (البُـؤْس) كقول تأبّط شرًا:
قد ضقت من حبها ما لا يضيّقني *** حتى عُددت من البؤْسِ المساكين
يجمع (لسان العرب) وزن “فاعل” جمع تكسير على وزن فُـعّـل، نحو رُكّـع، سُـجَّـد، بُـؤَّس، نُوَّم، صُوّم..
فتصوروا لو أن حافظ إبراهيم وسم كتابه بـ (البُؤَّس)؟
أظن أنه سيخسر ربع قرّائه على الأقل.
يقول بعضهم: فليكن (البائسون) جمعًا مذكَّرًا سالمًا!
أقول:
حسنًا، فالبائسون بمعنى الفقراء ملائمة، ولكن لماذا نرفض (البؤساء) وكثير على غرارها وارد جمعًا لفاعل؟
أدرِك تحفّظ معجم (المنجد) من ذكر البؤساء جمعًا لبائس، فقد اكتفى بلفظة (بُـؤَّس)، ولكن
لماذا أحجم معجم (الوسيط) الحديث؟ وهو معجم مجمع اللغة العربية، ومن أحرى منه أن يستقبل ويتقبل هذا الجمع؟
وبعد فقد وجدت الشاعر أحمد شوقي يستخدم اللفظة في أكثر من بيت، ومن ذلك:
وانظر إلى البؤساء نِظرة راحم *** قد كان يُسعد جمعَهم ويُجير
ومن شعر مصطفى صادق الرافعي- مؤلف أحد الكتب المعنونة بـ (إعجاز القرآن)، وهو متشدد في لغته:
وأرى الحظوظ ألِفنَ كلَّ مرَفّـهٍ *** ونأت بجانبها عن البؤساء
وفي كتاب المُرادي (سلك الدرَر في أعيان القرن الثاني عشر) كان قد استخدم في ترجمة “سليمان السمان” هذه اللفظة جمعًا للبائس الفقير ذي الحاجة.
ثم إني أرى أن الأدباء من دأبهم أن يجددوا في اللغة، فهم يبتدعون ويبدعون، فلنفترض أن الجمع جديد مبتكر، فهل نقول لشاعر النيل: أخطأت!
اللغة في اشتقاقاتها مرنة، وطيّعة، وتتقبل الجديد المستساغ.
ب.فاروق مواسي