جولة لغوية مع “الطريق”
تاريخ النشر: 20/07/17 | 12:05مما أفدته من ابن السِّكِّيت (ت. 858 م) في “كتاب الألفاظ”- وهو أقدم معجم في المعاني أن لفظة (الطريق ) تذكر وتؤنث، فالطريق يؤنثه أهل الحجاز، ويذكّره أهل نجد.
والتذكير ورد في قوله تعالى: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ}- الأحقاف، 30.
وفي المعنى نفسه: السبيل (تذكر وتؤنث)، فمن التأنيث:
{قل هذه سبيلي}- يوسف، 108، ومن التذكير:{وإنها لبسبيل مقيم}- الحِجْر، 76، و{ وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}- الأعراف، 176.
ويقال طريق مدعوس= كثرت به الآثار، فكلمة (دعس) فصيحة.
فدعست الإبل الطريق تدعَسه دَعْسًا= وطئته وطئًا شديدًا.
أما النّقْب فهو الطريق في الجبل، ومثلة (الثَّنِـيّة).
في (لسان العرب):
“والنَّقْـب والنُّـقْـب: الطريق، وقيل: الطريق الضيق في الجبل، والجمع أنقاب ونِقاب؛ أنشد ثعلب لابن أبي عاصية:
تطاول ليلي بالعراق ولم يكن *** علي بأنقاب الحجاز يطول
بُنيّات الطريق = طرق صغار تنشعب من الطريق الأعظم.
ورد في (مجمع الأمثال رقم 1414) للميداني:
“دع عنك بُنيّات الطريق، أي عليك بمعظم الأمر، ودع الروَغان”.
وقد ورد في الشعر:
فهذا الحق ليس به خفاء *** فدعني من بُنيّات الطريق
وأورد الثعالبي في (المضاف والمنسوب، ص 278) هذا التركيب، وذكر أن المعنى هو “الصعاب والمعاسف، يقال للرجل إذا وُعِظ: الزم الجادّة، ودع بُنَيّات الطريق!”.
يقول محمود الورّاق:
تنكّبْ بُنيّات الطريق وجَورَها *** فإنك في الدنيا غريبٌ مسافر
الجادّة – مسلك الطريق وما وضح منه، وكذلك الطريق عندما تكون فيه آثار القوادم كثيرة، ومثلها طُرْقة.
وفي (لسان العرب) هي معظم الطريق، ولا بد من المرور فيها، وسميت جادّة لأنها خُطّة مستقيمة ملحوبة (مطروقة، واللاحب هو الطريق).
(الجَدد) قيل الأرض المستوية، وفي المثل: “من سلك الجّدَد أمِن العِثار” يريد من سلك طريق الإجماع فلا يعثر.
المَحَـجّة- الطريق الواضح البيّن.
وردت في الحديث الشريف: “تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ”. فالمحجة هنا هي الطريق التي اختارها الرسول الكريم. فالفعل الثلاثي منها (حجَّ) ومعناه قصد، وقد صيغ على وزن مَفْعَلة.
الفَجّ- كل سَعة بين نَشازين (أي مرتفعين)، وهو الطريق الواسع البعيد، وجمعه الفِجاج، ويقال له (النّـجْد- وجمعه أنجُد ونِجاد)، ويقال للرجل إذا كان غالبًا للأمور قاهرًا لها- “طلاع أنجد”، وإنه “طلاع الثنايا”، ونذكر في ذلك قول سُحَـيم بن وَثيل الرياحي البيت الذي استشهد به الحجّاج في خطبته الشهيرة:
أنا ابن جَلا وطلاعُ الثنايا *** متى أضعِ العِمامةَ تعرفوني
ولفظة (الرِّيع” مثل النجد)، وقد وردت في الذكر الحكيم:
{أتبنون بكل رِيع آية تعبثون}- الشعراء، 128.
ذكرت كلمات هي بمعنى الطريق، ولكنها قد تحمل دلالات أخرى، فالنجد مثلاً وهو الطريق الواضح المتصل يعني أيضًا المرتفع في الأرض، وكذلك لفظة (الريع).
لم يورد ابن السكِّيت لفظة (الشارع)، إذ وردت في (لسان العرب) بمعنى الطريق الأعظم الذي يشرع فيه الناس عامة. وشرع في الأمر أخذ فيه.
ولفظة (الشارع) لها علاقة بلفظتي (الشريعة) التي شرعها الله ورسوله، وبلفظة (الشِّرْعة)، التي وردت في الذكر الحكيم:
{ولكلٍ جعلنا منكم شِرعةً ومِنهاجًا}- المائدة، 48. فالشرعة ما شُرع من الدين،
والمنهاج هو الطريق المستقيم.
والنهج والدرب = الطريق.
أما كلمة (الدرب) فالأصل أنها المضيق في الجبال، فأصبح معناها- كل طريق يؤدي إلى ظاهر البلد.
هناك كلمات أخرى كثيرة تعني الطريق، ومنها كلمات كثيرة ليست مستخدمة في لغتنا المعاصرة، ولا أرى ضرورة لإثباتها هنا كلفظة (مَهْيـَع) على سبيل المثال، فقد وردت في (لسان العرب):
“اتقوا البدع والزموا المهيع”- هو الطريق الواسع المنبسط.
مع كل هذا الثراء اللغوي، فثمة إرباك وعدم توحيد الترجمة العربية لكلمات إنجليزية، نحو way- highway- street- road- route- boulevard- avenue…..
فهي في اللغات الحديثة الأخرى أكثر تحديدًا.
كذلك نجد مثل هذا العَنت والخلاف في ترجمة كلمات عبرية تتعلق بطرق المواصلات.
ب.فاروق مواسي