“لآخر نفس”بين الخيانة الزوجية”وعجقة”مواضيع وقضايا حسّاسة ومثيرة
تاريخ النشر: 26/07/17 | 13:10“لآخر نفس” دراما اجتماعيّة حققت المرتبة الرابعة من بين أكثر المسلسلات اللبنانية مُتابعة، في موسم رمضان 2017.
بطولة ثنائية لكرين رزق الله (هزار) والممثل بديع أبو شقرا (غسان) سيناريو وحوار كارين رزق الله- إخراج أسد فولادكار, غناء وتلحين شارة المسلسل للفنان رامي عياش .
تتمحور الحبكة المركزية حول قصة حب بين متزوجين يعاني كل منهما الملل وفقدان الحب والمشاعر الجارفة مع شريكه.
هزار البطلة (كارين رزق الله) وغسان (بديع شقرا)، يحاولان الخروج من مؤسستهما الزوجية، والسير بين ألغام المجتمع وقمع المشاعر الفردية، بعد مشاعر اعترتهما خلال لقاء جمعهما في مطار دبي. نرى لاحقاً جهود غسان الرامية إلى الإتيان بهزار وعائلتها المؤلفة من زوجها نديم (رودني الحداد) وابنتيهما الى بيروت، عبر تأمين عمل للزوج وضمان عمل هزار في صحيفة “شمس بيروت”، التي يرأسها غسان كمديرة للقسم التقني فيها.
احتدم النقاش في مواقع التواصل حول جرأة العمل في طرحه لمفهوم واشكالية موضوع “الحب المحرّم او الخيانة الزوجيّة” من خلال مصارحة “هزار” في الحلقات الأخيرة بأن هروبها من الزواج بدافع انشغالها منذ طفولتها بالدراسة والعمل، وحتى الزواج التقليدي الذي أرادته والدتها، هو ما أنهى “شغف” الحب وحتى الزواج وحياة تقليدية تعاني الروتين، وانشغالها بتأسيس البيت والأسرة، والعمل . قرار الزواج وحتى السفر لم تكن قرارات تختارها بنفسها، كل ذلك فُرض عليها، حتى نسيت كيف تعيش.
أما غسّان فيعاني من مشاكل زواجه، ذاك العذر المستهلك كثيراً وهي الزوجة “النكدة” التي سئم زوجها من غيرتها وسيطرتها، فلجأ إلى إمرأةٍ أخرى. بعد ان انجب ولديْن أصبحا بسنّ المراهقة.
شريكة حياته الانفعالية والمتسلطة التي تحاول السيطرة على زوجها ومحيطها العائلي وحتى العملي، وفرض هيمنتها، وما يحتم على ذلك من اختيار الزوج لمزرعة بعيدة عن أجواء الصخب والعمل التي يعانيها بشكل يومي، محاولاً بناء قصة حب، وجدها مناسبة مع السيدة التي التقاها على الطائرة.
حملت السلسلة الرمضانية “لآخر نفس” رزمة كبيرة من القضايا والملفات الشائكة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، ووضعتها كلّها في عمل ينتهي عند الحلقة الثلاثين.
لا شك ان موضوع الحبكة المركزية للدراما الرمضانية “لآخر نفس” قابل للجدل، يفتح إشكاليات عدة على رأسها التقاليد الاجتماعية، والإخلاص الزوجي, الى جانب هذه الحبكة، تطرح الكاتبة ــ دفعة واحدة ــ قضايا شائكة تحتاج إلى مساحات للمعالجة والإضاءة عليها. قدمت قضية الشاب الفلسطيني الذي يمنع من ممارسة الطب في لبنان ضمن سلسلة الوظائف الممنوعة للفلسطينيين في لبنان لكن بطريقة أتت مشوهة، من خلال تشويق ممتد على حلقتين. للحظة، يخال للمتابع أن هذا الشاب الذي ستربطه لاحقاً علاقة بشقيقة البطلة (كارمن بصيبص) “مجرم”، أو له سوابق، والقصة فقط تنحصر بقضية لا ذنب له فيها. ما دفع بردود فعل مُستنكرة لهذا الموقف من الفلسطينيين المتواجدين في لبنان لأكثر من ستين عاما.
اقتصر مشهد البوح بسريّة العلاقة بين اخت البطلة مع الشاب الفلسطيني هذه المرّة على حوار بين الشقيقات الثلاث اللواتي يخفْن الأم المتسلّطة وردة فعلها، ونظرتها للاجئ أو المقيم الفلسطيني في لبنان.
ان تصوير المعارضة من قبل الأهل أنفسهم تجاه مسألة ارتباط لبنانية بفلسطيني، أو العكس، والخوف الواضح كون بعض الأهل يزرعون ذلك في نفوس أبنائهم اللبنانيين منذ الصغر.
طالب ناشطون بضرورة محاسبة كارين رزق الله، على هذا الموقف المُحرج، والاعتذار عن العرض الذي وصف بالعنصري، فيما الأمر لا يتعدى قصة إعجاب بين فتاة لبنانية وشاب فلسطيني، ممكن أن يؤدي إلى زواج.
القصّة جريئة، تشبه ما نختزنه في نفوسنا. إشكالية قد تتكرّر في المنازل، بين الأصحاب وغرف الجيران. استطاع هذا العمل ان يثير جدلاً بين الناس بين مُبرِّر ورافض. يترافق ذلك مع خطوط تطرح إشكاليات نواجهها جماعات وأفراداً، مع نَفَس كوميدي مريح في بعض المشاهد.
لكن جل النقاش تمحور حول الحلقات الاولى وكأنّ الكاتبة تظهر تعاطفاً مع الحب المحرم او الخيانة وكأنّها أمرٌ عادي جداً.
احدى المقالات الناقدة التي قرأتها تركز على “المعالجة السخيفة والتفاهة لموضوع الخيانة، وبأن هناك الكثير من قصص الخيانة المبكية وإن غابت عن أي أحدٍ منّا، فالجلوس في صالون للنساء لمدّة ساعة هو كافٍ لتعرف أبشع وأحقر قصص الخيانات.
فلماذا إختارت الكاتبة موضوعاً كهذا لتسلية الجماهير من دون حتى أن تبني قصة واقعيّة لتبرّر الخيانة؟
المسلسل لن يضعنا بين مؤيّد ومعارض، بل هو يجبرنا على التأييد وخصوصاً مع الموسيقى الدراماتيكيّة عندما يرى البطلان بعضهما البعض، وشخصيّة بديع الجذّابة والقويّة التي تجعل أي إمرأة تغرم بها”.
فالزوجة تخون زوجها (وإن كانت الخيانة عاطفيّة قائمة على المخيّلات والنظرات الحميمة) فقط لأنّها أعجبت بشخصية بديع. وجعلت الكاتبة علاقة كارين وزوجها وطيدة جداً وركّزت على الزوج المظلوم من قبل كارين.
في «لآخر نفس»، تم طرح لمشكلة ازمة الصحافة الورقية مقارنة مع الصحافة الجديدة والملكية الفكرية، لكنها أبقت ــ من دون أن تجري نقداً ــ على منظومة التوريث في الصحف (صوّر العمل في مبنى «النهار») من جهاد المؤسس إلى غسان، فنجل جهاد الشاب الذي لا يمتلك خبرة في هذا المجال، مروراً بزوجة غسان (صولانج تراك)، التي تتولى إدارة التحرير وشقيقها الذي يعمل محرراً أيضاً.
كذلك طرحت اشكالية الزواج من امرأة تكبر الرجل عمراً (تينا جروس مع دوري سمراني)، وقضية الإنجاب لامرأة على مشارف الأربعين من دون زواج (طرحته عبر شقيقة هزار الكبرى ـ تجسّدها ريتا عاد). لكن الطرح عبر حفلة كوميدية صاخبة، حدثت بعد إخبار جوليا والدتها (رندا كعدي) بأنها ستنجب طفلاً من دون زواج.
الى جانب سلة المواضيع المُعاشة، استندت الكاتبة الى مجموعة أبحاث اجتماعية وميدانية. مررت قضايا أخرى تخص البيئة والوحدة والشيخوخة (غابريال يمين).
افتقرت السلسلة الرمضانيّة “لآخر نفس” لجمالية الصورة , اللقطات المتوسطة للكاميرا في الغالبية العظمى للمشاهد كونها صورّت داخل جدران البيوت او المكاتب مما يجعل امكانية التقاط مشاهد ذات جمالية عالية أمر شبه معدوم , لا وجود لمشاهد في الطبيعة او اماكن مفتوحة بحيث تتيح امكانيات تصوير اكثر تنوعاً وجمالاً. كذلك قليلاً ما وجد تصوير متنوع كاستخدام الصورة المقربة للوجه (الكلوز اب) ضمن الحدود المغلقة لإمكانيات التصوير للكاميرا داخل جدران البيوت والتي تتيح معرفة عميقة أكثر لمشاعر البطل .
أما السرد واسلوب الحوار المتكرر بين الشقيقات والعاشقين فيحمل نهجاً أو اسلوباً في المصارحة والبوح بين اشقاء البطلين وهو اسلوب به من السذاجة ما يمكن المشاهد يستخف بالسريّة المنوطة بمثل هذه العلاقات.
ان محاولة التكتم ولتحايل عن المشاعر لدى البطلين, بالرغم من ان جميع الاوراق مكشوفة امام المتلقي, فهو اسلوب يعتبره البعض ذات عناصر مشوقة رغم الاطالة في تبيان العلاقة بين السبب المسبب والنتيجة الحاصلة.. الامر الذي يجعل عملية الترقب في بعض الاحيان مفهومة ضمناً.
«عجقة» مواضيع وقضايا حسّاسة ومثيرة، افتقد أغلبها للمعالجة العميقة، فيما جاء أداء رزق الله قوياً في معظمه. مع ذلك، يحسب للعمل محاولة اقترابه من الواقع .
“أنا مرتاحة وراضية. لم أملك يوماً الثقة المطلقة بما سيحقّق المسلسل, يغلبني القلق, لا أشطح بالتوقّعات, أبذل ما في وسعي وأنتظر النتيجة, محاولة للاقتراب من الواقع، من يوميات الناس والمشكلات الصغيرة كوننا غرباء عن الحقيقة محاولين عدم مواجهتها ” مقتبس من حوار مع كارين رزق الله.
سهير نحاس