ديروا بالكم من بعض (2)
تاريخ النشر: 28/07/17 | 12:37ام الفحم ما بين البوابات واختفاء القيادات
التلاعب بالتسميات ليس مرفوضًا ولكنه قد يكون مُضَلِلًا احيانًا وقد يرسخ في الذاكرة الفردية والجماعية واقعًا مغايرًا ومناقضًا للحقيقة، فعلى سبيل المثال، حرب حزيران كانت هزيمة بكل معنى الكلمة ولكن العرب واعلامهم اطلقوا عليها تسمية النكسة، ولذا كان حرِي بنا وباعلامنا الانتباه والحذر وعدم الوقوع في خطأ تسمية ما حدث في القدس بالانتصار بعد قيام الشرطة بتفكيك البوابات الإلكترونية على بوابات الأقصى، ولا شك أن قرار تفكيكها يعتبر تراجعًا عن قرارات غبية، وجاء نتيجة الضغط الجماهيري والرفض الجماعي يؤازره الزحف الشعبي والرباط المتواصل في محيط الأقصى رغم الظروف الصعبة، وخاصة من قبل المقدسيين ومن آزرهم من اكناف بيت المقدس.
تسمية هذا التراجع بالانتصار قبل أن نعرف حقيقة ما فعلته المؤسسة الإسرائيلية في داخل المسجد الأقصى والساحات المحيطة به خلال فترة اغلاق المسجد، يعتبر تسرعًا بالاستنتاج، وقد يؤدي إلى اتخاذ وبناء خطوات لاحقة والقيام بتصرفات خاطئة ربما تعود بنتائج مغايرة ومخيبة للآمال. وعلينا أن نتذكر أننا لا نعرف شيئًا عما حدث في داخل المسجد وباحاته، ولذا الأجدر بنا هو التروي حتى تتجلى امام اعيننا الحقيقة والتعامل معها بعقلانية وفق ذلك.
نعم ان تراجع المؤسسة الاسرائيلية عن قرارها بنصب البوابات الإلكترونية على أبواب الأقصى هو انجاز يستحق الانحناء أمام المقدسيين ومن آزرهم من اكناف بيت المقدس، وهو إنجاز يسجل لهم فقط ولا حق فيه لا لملك الاستخراء السعودي، ولا لملك السفلس الأردني ولا لمدير الإدارة المدنية في رام الله، ولا لكافور مصر، ولا حتى لقيادات المجتمع العربي المحلية.
وعن هذه القيادات حدث بلا حرج..هي القيادات التي لم “تجد” وقتًا للقدوم إلى ام الفحم والوقوف معها في ازمتها ومحنتها، ولا يوجد أدنى شك أن زيارة من هذا القبيل وفي هذه الظروف تتسبب لها بالحرج امام المؤسسة التي تدفع لها رواتبها الدسمة وتمول لها “الكِيف” بالسيارات الفاخرة، والنوم في فنادق القدس المكيفة.
والسؤال هل ستأتي هذه القيادات الآن إلى ام الفحم لتقديم العزاء كما فعل البعض منها عند ذهابهم إلى المغار وحرفيش ام ستتملص وتتجنب الإحراج بهذا ايضًا؟
ونقطة مهمة أخرى لا بد من التطرق إليها وفي هذه الظروف ايضَا الا وهي مجيء رئيس لجنة المتابعة السيد محمد بركه إلى ام الفحم والاعتراض على زيارته هذه ومعارضتها من قبل الكثيرين.
ابو السعيد شخصية وطنية ليس بحاجة لشهادة من أحد ومرحبًا به في ام الفحم وفي كل بيوت المجتمع العربي وفي كل وقت، ولكنه، حسب رأيي، أخطأ بتعامله مع هذه الأزمة وقراراته لم تكن موفقة وكان عليه التروي والتصرف بحكمة وعدم الانجرار وراء بعض الأصوات التي صورت الحالة المحلية وكأننا نتجه نحو وقوع فتنة بين العرب انفسهم اي بين المسلمين والطائفة الدرزية، كما صورها وروَّج لها البعض من المنتفعين والصيادين في المياه العكرة، بالإضافة لدور الإعلام العبري الذي لعب الدور القذر بهذه الظروف العصيبة وحاول تأجيج الخلاف وتوسيع الهوّة بين الطرفين من العرب في الداخل. ومن هنا أرى أن زيارة السيد محمد بركة لام الفحم جاءت متأخرة وكان عليه القدوم اليها مباشرة كونه يتقلد منصبًا قياديًا لجمهور واسع وعريض، يمثله ومن ضمنه ام الفحم واهلها.
كان عليه زيارة ام الفحم اولًا والاستماع لأهلها ومعاينة الوضع ومن ثم التوجه لزيارة حرفيش والمغار،اذا اراد ذلك، حاملًا رسالة فحماوية حقيقية مختلفة عن الرسالة التي حملها عندما زار بيوت العزاء هناك.
ونقطة اخرى لا بد من الخوض فيها وهي الاهم في الأحداث الأخيرة وهي خروج الآلاف من أهالي مدينة ام الفحم ليلًا والمشاركة في جنازة الشهداء، وتحدوا بذلك كل القرارات والاشتراطات والأرقام التي وضعتها الشرطة والمحكمة لتحرير الجثامين.
خروج هذه الآلاف وغالبيتهم العظمى من الشباب، يدل على أن ام الفحم كانت وستبقى الرائدة في النضال في المجتمع العربي في الداخل وانها المحور الرئيسي والقلب الحارس على الشموخ وصراع البقاء.
وكلمة اخيرة لا بد منها وهي موقف وأداء عضو الكنيست يوسف جبارين الذي اجتاز الحدث وأدى رسالته وواجه العدائية كونه من ام الفحم وابن عائلة جبارين، برباطة جأش وجراة وهدوء رغم هول الموقف والحدث ولم يتهرب كما فعل معظم زملائه من القياديين ومن كافة الأطياف السياسية.
يوسف انت لست وحيدًا..
سعيد بدران