عندما يكون الجوابان مغلوطين
تاريخ النشر: 02/08/17 | 0:31أذكر في طفولتنا أننا كنا نُسأل سؤالاً فيه خياران للإجابة، على نحو:
القاهرة، هل هي عاصمة الأردن أم سورية؟
8× 5= 85 أم 58؟
ونحو ذلك كثير.
كنا نقع في الخطأ ظانين أن الجواب هو أحد الخِيارين، فإذا لم يكن هذا فالآخر هو الصحيح.
وعندما نفاجأ بالجواب الصحيح نكون قد تعلمنا ألا نثق بما يُطرح علينا من خِيارات، وأن نعتمد على أنفسنا وعلى معرفتنا.
قرأت في مطالعاتي نوادر من هذه الأسئلة، وقع فيها كبار النحْويين، وأود أن أسوق لكم ما يحضرني الآن، راجيًا ممن يجد ما يضيفه من التراث ألا يضن علي به، بحيث يكون الجوابان مغلوطين، يتعمدهما السائل.
كان عيسى بن عمر متشددًا متقعّرًا في اللغة، وهو الذي قال حين سقط عن حماره، واجتمع عليه الناس: “ما لكم تكأكأتم عليّ كتكأكئكم على ذي جِنّة؟ افرنقعوا!”.
لكن تشدده لم يحُل دون عبث أبي عمرو بن العلاء به، وذلك حين سأله:
كيف تقول: بدأن أو بَدَيْن فيما يلي:
يجد النساء حواسرًا يندبنه *** يلطِمن أوجههن بالأسحار
قد كن يخبَأن الوجوه تستُّرا *** فاليوم حين (….) للنظار
فقال عيسى:
بدأن!
قال أبو عمرو:
أخطأت، يقال بدا يبدو إذا ظهر، والصواب بَـدَون للنظّار، وليس بدأن بمعنى شرعن أو أخذن في الشيء.
لقد قصد أبو عمرو تغليطه، فنجح في ذلك.
(ابن كثير- البداية والنهاية، الجزء العاشر- مادة عيسى بن عمر- سنة 149 هـ)
البيتان للربيع بن زياد العبسي في رثاء مالك بن زهير.
ومعنى البيتين يحتاج إلى معرفة اصطلاح العرب في ذلك، وهو أنهم كانوا إذا قتل لهم قتيل لا تقوم عليه نائحة، ولا تندبه نادبة حتى يؤخذ بثأره.
فقال الشاعر: من سرّه قتل مالك فليأت في أول النهار يجدنا قد أخذنا بثأره، فذكر اللازم للشيء، فهو من باب الكناية.
وقد وردت القصة في مصدر آخر أن الشَّيباني هو الذي سأل الأصمعي، فوقع الأصمعي في الخطأ، فغضب كثيرًا.
(الحلبي: الدرّ المَصون في علوم الكتاب المكنون، سورة آل عمران، شرح الآية 72).
وفي كتاب الحريري (دُرَّة الغوّاص، ص 135) وقعت القصة كما يلي:
أما أبو عمر الجرْمي حين شخص إلى بغداد فثقل موضعه على الأصمعي إشفاقًا من أن يصرف وجوه أهلها عنه ويصير السوق له، فأعمل الفكر فيما يغضّ منه، فلم ير إلا أن يرهقه فيما يسأله عنه، فأتاه في حلقته، وقال له كيف تنشد قول الشاعر:
قد كن يخبَأن الوجوه تستُّرا … فاليوم حين بدأن للنظار
أو حين بدين؟ فقال له: بدأن.
قال أخطأت.
فقال: بدين.
قال غلطت إنما هو حين بّدَون- أي ظهرن.
فالأصمعي هنا هو الذي يقوم بالتمرين.
حدَّث الحريري في كتابه “درة الغواص، ص 54” قصة أخرى في هذا السياق:
جمع الرشيد بين أبي الحسن الكسائي وأبي محمد اليزيدي؛ ليتناظرا عنده، وقد علم اليزيدي أنه يقصر عن الكسائي في النحو، فابتدره في اللغة قائلاً:
كيف تقول: تمرة مذنِّبة – بكسر النون المشددة – أو مذنَّبة – بفتح النون؟
فلم يأبه الكسائي لقوله؛ بل ظن أنه قال: بُسْرَة، فقال: أقول: مذنِّبة بكسر النون، فقال: إذا كان ماذا؟ قال: إذا بدا الإرطاب من أسفلها.
فضرب اليزيدي بقَلَنْسُوَتِه الأرض، وقال: أنا أبو محمد اليزيدي، وقد أخطأت يا شيخ، التمرة لا تُـذَنِّب، وإنما البُسْرة تذنِّب.
ب. فاروق مواسي