محظورات ومبتدعات العيد
تاريخ النشر: 01/09/17 | 2:19الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله وبعد:
لا شك أن خير الهدي هدي محمّد صلّى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وفي اتباع السنة خير عظيم وفي التنكب عنها شر مستطير وإنّ من المحدثات التي يجب أن تتضافر جهود الدعاة والخطباء بإنكارها ما يلي:
أ. بدعة تجديد فتح بيت للعزاء في أول عيد يمر على أهل المتوفى بعد وفاة ميتهم لما فيه من تجديد للأحزان والأشجان.
ذلك أنّ اظهار الفرح والسّرور يوم العيد من السّنة فكيف نحوله إلى يوم حزن وبكاء ونواح وأشجان، ونشغل الناس عما هم فيه من بهجة وفرح وصلة أرحام بأمر يعكر عليهم صفو حياتهم.
أضف إلى ذلك إنّ هذا الأمر سيفضي إلى كثرة بيوت العزاء يوم العيد وعندها سيسود المجتمع حالة من الكآبة والحزن بدلاً من الفرح والإبتهاج وبذلك نكون قد وأدنا المقصد الشرعي من العيد.
لذا ينبغي مقاطعة مثل هذه الظاهرة وتقديم التهاني يوم العيد بدلاً من التعازي
كما ونتوجه إلى أهلنا الذين فقدوا عزيزاً أن لا يجعلوا من أيام العيد أيام حزن وتضييق ونكد على عيالهم من عدم تقديم الحلوى وصنع الكعك ولبس الجديد وغير ذلك من مظاهر الفرح بل عليهم أن يوسعوا على أهلهم في هذا اليوم تطبيقاً للسنة المطهرة.
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده (وأيام التشريق – أيام العيد – أيام أكل وشرب) أخرجه أحمد (3/460) وإسناده صحيح.
ب. مصافحة القريبات غير المحارم كزوجة الأخ والعم والخال وبنات العم وبنات الخال وبنات الخالات وبنات العمات ونحو ذلك من النساء الأجنبيات:
وذلك لأنّ مصافحة المرأة الأجنبية ( وهي التي يمكن الزواج بها في الحال أو المآل أي بعد زوال السبب المانع كالمحرمات على سبيل التأقيت كأخت الزوجة وزوجة العم والخال والأخ) حرام باتفاق أهل العلم ومن أدلتهم:
1. ما أخرجه الطبراني بإسناد صحيح عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ).
2. أخرج الشيخان في صحيحيهما عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ( لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ). (أخرجه البخاري ومسلم) .
وفي جامع الترمذي وسنن ابن ماجة وموطأ الإمام مالك ومسند الامام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: ( إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ). قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
ثم إنه إذا كان النظر إلى الأجنبية حرام أليس اللمس والمصافحة أولى بالحرمة لأن اللمس أبلغ في الفتنة.
ج.استعمال الألعاب النّارية والمفرقعات:
لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الألعاب النارية والمفرقعات وهي عادة سيئة فيها إيذاء للنفس والنّاس فضلاً عمّا في ذلك من إضاعة وتبذير المال بغير وجه شرعيّ وبغير منفعة وفائدة، وقد قال الله تعالى: {إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين}. [ الإسراء: 27 (.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً؛ قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال). رواه البخاري ومسلم.
إنّ هذه المفرقعات تلحق الأذى بأجساد الناس وممتلكاتهم، فكم من طفل قطعت أصابعه واحترق جسمه؟ وكم من بيت احترق؟ وكم من سيارة احترقت جراء استعمال هذه المفرقعات؟
إضافة لما في ذلك من الإزعاج والترويع للناس، وهذا كلّه محرّم شرعاً لذا نحذّر الباعة من بيع مثل هذه المفرقعات كما ونحذّر من شرائها واقتنائها وعلى الأهل أن يمنعوا أطفالهم من ذلك .
زيارة المقابر يوم العيد :
شرع العيد لإظهار الفرح والسرور والنّشاط والحبور لا لتجديد الأحزان وإقامة المآتم وبيوت العزاء ، ويؤكّد ذلك ما جاء في الحديث النّبوي الشريف: ” أيام منى أيام أكلٍ وشربٍ ” رواه أحمد في مسنده وهو صحيح
وزيارة المقابر وإن كانت مستحبة بشكل عام إلاً أنّ تخصيصها بيوم العيد لم يرد ذكره في جملة ما ذكره جمهور الفقهاء من الأيام التّي يستحب تخصيصها بالزّيارة .
قال الشيخ عليش المالكيّ في منح الجليل ( 1\506 ): ” فلا تختصّ زيارتها بيوم بعينه وإنّما خصّ يوم الجمعة لفضله والفراغ فيه أو الدّعاء”.
وجاء في تحفة الحبيب للإمام البجيرمي الشافعي على شرخ الخطيب الشربيني ( 2\572 ) : ” فرع : روح المؤمن لها ارتباط بقبره لا تفارقه أبداً ، لكنّها أشدّ ارتباطاً به من عصر الخميس إلى شمس السّبت ولذلك اعتاد النّاس الزّيارة يوم الجمعة وفي عصر يوم الخميس وأمّا زيارته لشهداء أحد يوم السّبت فلضيق يوم الجمعة عمّا يطلب فيه من الأعمال مع بعدهم عن المدينة ”
وفي كشّاف القناع، للإمام البهوتي الحنبلي، ( 3\261 ): ” وأفضل وقت للزيارة يوم الجمعة قبل طلوع الشّمس”.
فالنّاظر في النّصوص السابقة يرى أنّها لم تذكر يوم العيد من جملة الأيام التّي ذكرتها باستحباب تخصيص الزيارة فيها لعدم ورود مزيد فضيلة بتخصيص يوم العيد بالزّيارة.
وممّا يؤكّد ذلك ما ورد في صحيح البخاريّ في وصف هدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم العيد حيث ذكر بسنده إلى البراء بن عازب أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ” إنّ أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلّي ثمّ نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا”.
وبناءً عليه فإنّ المجلس الإسلامي للإفتاء يرى أنّ الأولى والأحوط عدم تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر لئلا يعتقد أنّ له مزيد خصوصية أو فضيلة ولئلا يخرج العيد عن مقصوده الشرعيّ من إظهار للفرح والسّرور كما هو مشاهد على أرض الواقع من البكاء وتجديد الأحزان على المقابر يوم العيد ومنعاً للإختلاط الملاحظ بين النّساء والرّجال، ذلك وإنّنا وإن كنّا قد أبحنا للنساء زيارة المقابر تقليداً للحنفية إلاّ أنّه يشترط لخروجها عدم مخالطة الرّجال وتجنّب أماكن تواجدهم وهذا ليس متحققاً بالصورة المطلوبة حيث تمتليء المقابر بالنّساء والرّجال يوم العيد ولا يخفى أنّ بذلك فتح لباب فساد عريض.
وبالوقت نفسه نوصي الإخوة الوعاظ والخطباء بتوجيه النّاس بالرفق واللّين والحكمة وعدم التغليظ والتفسيق والتضليل بإنكار المسألة فإنّ الرفق لا يكون بشيء إلاّ زانه ولا ينزع من شيءِ إلاّ شانه، خصوصاً إن كانت البلدة معتادة على زيارة المقابر يوم العيد لا سيما وأن الحنفية يرخصون بزيارة المقابر يوم العيد بل ويستحبونها، والمجلس وإن لم يكن قد تبنى هدا الرأي ولكن تحكمنا جميعاً القاعدة الفقهية: ” لا انكار في محل الاختلاف”.
حكم إحياء ليلة العيد:
يستحبّ احياء ليلة العيد باتفاق المذاهب الأربعة ، وقد ورد فعل ذلك عن كثير من السّلف رضوان الله تعالى أجمعين لما جاء في الخبر {من أحيا ليلتي العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب} قال في المجموع: وأسانيده ضعيفة، ومع ذلك استحبوا الإحياء لأن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال ويحصل الإحياء بإحياء معظم اللّيل بجميع أنواع الطاعات والقربات ولكن يستحب أن يكون الإحياء بشكل فرديّ لا جماعي.
هذا وقد ثبت احياء ليلة العيد عن جمع من السلف: جاء في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر: 2/160: (روى الخطيب في غنية الملتمس بإسناد إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي بن أرطاة: ” عليك بأربع ليال في السنة، فإن الله يفرغ فيهن الرحمة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الفطر، وليلة النحر ) اهـ
وجاء في مصنف ابن ابي شيبة 2/291 : ( من كان يقوم ليلة الفطر: حدثنا حفص عن الحسن بن عبيد الله قال كان عبد الرحمن بن الأسود يقوم بنا ليلة الفطر) اهـ
وفي البر والصلة للمروزي ص 33: ( حدثنا الحسين بن الحسن قال سمعت ابن المبارك يقول: بلغني أنه من أحيا ليلة العيد أو العيدين لم يمت قلبه حين تموت القلوب ) اهـ
وانظر: للاستزادة نقولات وتفصيلات المذاهب الأربعة المفصلة على موقع المجلس الاسلامي للافتاء نقلاً عن حاشية ابن عابدين الحنفي 2/25 )، حاشية الدسوقي المالكي: (1/399 )، نهاية المحتاج للرملي ( 2 /397 ) كشاف القناع للبهوتي الحنبلي ( 1/467 ).
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء