الإستعانة بالصلاة على الأحداث
تاريخ النشر: 07/01/18 | 1:58أحوال الأمة اليوم تقتضي منا التذكير ببعض ما فيه نفعها، من الأسباب الشرعية التي تعينها على أحوالها، وترفع بإذن الله ما نزل بها، ولا سيما أن الأسباب المادية إنما تتيسر لعدد قليل في الغالب من جمهور الأمة، أما الأسباب الشرعية فبمقدور كل امرئ أن ينفع نفسه وأمته بها.
ومن أعظم الأسباب الشرعية لدرء البلاء، ورفع البأس، ودفع الفتن.. الصلاة!
وقد كان الأنبياء والصّالحون يعرفون مكانة الصلاة الكبيرة بين العبادات، فكانوا كثيرًا ما يفزعون عند نزول البلاء أو الشدة إلى الصلاة وما تتضمّنه من القرآن والذكر والدُّعاء، وقد صحَّ عن صهيب ، أنه قال: “كان رسول الله إذا صلَّى همس شيئًا لا نفهمُه… الحديث”. وفيه: “قال: وكانوا يفزعون إذا فزعوا إلى الصَّلاة”[1]، يعني الأنبياء.
وروى الإمام أحمد في مسنده بسند جيد عن عليٍّ في يوم بدر قال: “ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم، إلاّ رسول الله تحت شجرةٍ يُصلي ويبكي حتى أصبح”[2].
وقد جاء ذكرُ صلاته مع دعائه حين التقاء الصَّف؛ عن عبد الله بن مسعود قال: “لما التقينا يوم بدر، قام رسول الله يُصلِّي، فما رأيتُ ناشدًا ينشد حقًّا له أشدَّ من مناشدة محمد ربَّه، وهو يقول: اللَّهمَّ إني أنشدك وعدَك”، ثم ذكر الدُّعاء الثابت المشهور[3].
وكذلك روى البخاريُّ وغيره عن أم سلمة، قالت: استيقظ النبيُّ ذات ليلة، فقال: “سبحانَ الله، ماذا أُنزلَ الليلة من الفتن، وماذا فُتح من الخزائن، أيقظوا صواحباتِ الحُجَر، فرُبَّ كاسية في الدنيا عاريةٍ في الآخرة”[4]، وفي رواية في البخاري: “حتى يُصلِّين”. قال ابن حجر: “وفي الحديث استحبابُ الإسراع إلى الصَّلاة عند خشية الشَّرِّ، كما قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة: 45]، وكان إذا حزبه أمرٌ فزِعَ إلى الصلاة، وأمر من رأى في منامه ما يكرهُ أن يصلِّي”[5].
وما أشار إليه من أمر الصَّلاة عند الرؤيا التي يكره – ثابتٌ عند مسلم من حديث أبي هريرة، وفيه: “فإذا رأى أحدُكم ما يكره؛ فليقُم فليُصلِّ”[6]. وفي أثر عبيد الله بن النضر، قال: حدَّثني أبي قال: “كانت ظلمةٌ على عهد أنس”، قال: “فأتيت أنسًا فقلت: يا أبا حمزة! هل كان يُصيبكم مثلُ هذا على عهد رسول الله ؟ قال: معاذَ الله، إن كانت الريحُ لتشتدُّ، فنبادر إلى المسجد مخافةَ القيامة”[7]. وجاء عن علقمة أنه قال: “إذا فزعتم من أفق من آفاق السماء؛ فافزعوا إلى الصَّلاة”[8]. وجاء أن ابن عباس نُعيَ إليه أخوه -وهو في مسيرٍ- فاسترجع وتنحَّى عن الطريق ثم صلَّى ركعتين، ثم قام يمشي إلى راحلته، وهو يقولُ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}[9]. ولهذا ونحوه قال الآجُري وجماعة فيمن أصيب بمصيبة: “يصلي ركعتين، وهو متجه”[10].
والمقصود أن الصّلاة والدُّعاء وكذلك قراءة القرآن من أعظم ما يُستعان به على الثبات عند الفتن، ومردُّ ذلك إلى أنَّ الإقبالَ على هذه العبادات، يورث العبد خشيةً وإنابةً وقربًا من الله ، وظفرًا بمعيَّته الخاصَّة بالمؤمنين، وهو الأثر الذي يتحقّق كذلك عند أداء العبادات الأخرى من صدقة وزكاة وصيام وحجٍّ وعمرة.
ومن الخذلان أن يشتغل العبد عن العبادة، ويغفل عن الاستعانة بالصلاة، ويستغرق في متابعة الأحداث وأحوال المسلمين -ولن تعوقه متابعتها المطلوبة لو صدق عنها- ثم يطفق يذمُّ من لا يقدمون ولا يؤخرون من أهل العلم والفضل والعبادة لأمتهم شيئًا، منتقدًا سلبيتهم! وبإحدى يديه الريموت كنترول، وفي الأخرى فنجان القهوة! مهمهمًا في بعض الأوقات باللعنات.