خفاءٌ مُغدق
تاريخ النشر: 24/12/17 | 21:08مَسيرة حياة كُل إمرءٍ منا طويلة والذي يَتأمل حال الأنسان يَجده عبارة عن أيام وليالٍ كثيرة..
لكن العُقلاء وَحدهُم من يَستشعرون كل ساعة هي بمثابة يومٌ كامل .. فيه مافيه من الحَسَنات والسيئات..
ولابد لكل منا أن تأتيهُ لَحظات يَجد الهدوء قد عَم المَكان.. ومسيره أصبح خالٍ من كل شيئ فيقف حائراً مُندهشاً
إنها لَحَظاتِ المِحَن !!
والمِحن لاتأتي بالمِنح من فراغِ الأرواح
وهكذا هي الصورة في الخفاء المُغدق..
الذي يكون بِمثابة اللمسةِ الحَانيه على تلكِ الأرواح
الخَفاء المُـــغدق : عبارة عن مواقف وَقعت للجميع
ولكن إختلف كُل مِنا في التعامل معها..
منا مَن نَجح ..
ومنا من أخفق فيها مواقف لايعلم بها
غير الله عز وجل وصاحب الموقف..
إنها (الخَبيئـــــــــــــــة)
تِلك يَجب أن تَكون في صفحات أعمالنا..
ياترى أي مِنا عُرضت عليه المعصية وتهيئت أسباب الفتنه وكان خالٍ ولايراه أحد سوى الله عزوجل فَتركها لأجله ؟؟ ومن أنفق من ماله فلم تدري يمينه عن شماله؟؟ أم من عاش حياته وهو يفعل الخير بالخفاء؟؟
لنتمعن في هذا الحديث..
قال الإمام البخاري : حدثنا إسماعيل بن خليل أخبرنا علي بن مسهر عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا : إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم . فقال رجل منهم : اللَّهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالاً ( أي : لا أقدم في الشرب قبلهما أحداً ) ، فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أرح عليهما حتى ناما ، فجلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ، فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمي ( أي يصيحون من الجوع ) ، فاستيقظا فشربا غبوقهما .
اللَّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه .
فقال الآخر : اللَّهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليَّ ،
وفي رواية : كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ، فأردتها على نفسها فامتنعت ، حتى ألمت بها سنة من السنين فجائتني فاعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت ، حتى أذا قدرت عليها وفي رواية فلما قعدت بين رجليها قالت :
اتق الله ولا تفضن الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليَّ وتركت الذهب الذي أعطيتها . اللَّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج . وقال الثالث : اللَّهم إني استأجرت أُجراء وأعطيتهم أجرهم ، غير رجل واحد ، ترك الذي له وذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال :
يا عبدَ الله أدِّ إليّ أجري ، فقلت : كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق فقال : يا عبدَ الله لا تستهـزئ بي ! فقلت : لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستقاه فلم يترك منه شيئاً . اللَّهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون » .
السؤال الذي إختلج وجداني ..
ماذا لو كنتُ معهم ماهي تِلك الخبيئة التي
أحملها بين جوانح نفسي ..
الأ نحتاج الى غيمة ممطرة ونحن في أحلك الظروف العصيبه
نُعاني ما نُعاني من حرارة المصاعب
وفجأة نَجد أنفسنا نتوسل الى الله بتلك الخبيئة
كل من تعرف إلى الله في حال الرخاء واليسر ، فإن الله تعالى يعرفه في حال الشدة والضيق والكرب فيلطف به ويعينه وييسر له أموره . قال الله تعالى : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ)
و قوله تعالى:{ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا
والله إن لهذا الخَفاء المُغدق أثرٌ نفسي
يخفف عبأ كُل شيئ ويَرسمُ بَهجة وسرور على النفس
فعجباً حقآ لِمن يَعيش في المٌستنقع الآسن
والدرك الهابط والظلام البَهيم
وعنده مرتع زكي ومرتفع علي ونور وضيئ
هي وقفة يجب أن تكون جادة مع أنفُسنا
إجعل لنفسك خبيئة لايعلم عنها غير الله عز وجل
عوامل معينة على الخبية لصالحة:
أ – تدبر معاني الإخلاص:
فالتربية على الإخلاص لله سبحانه وتذكير النفس به دائمًا هي الدافع الأول على عمل السر, ذلك إن الباعث على عمل السر هو أن يكون العمل لله وحده وأن يكون بعيدًا عن رؤية الناس, فعلى المربين تطبيق معاني الإخلاص في أمثال ذلك السلوك الخفي أثناء تدريسه للناس, وحثهم على عمل السر من منطلق الإخلاص لله سبحانه.
ب – استواء ذم الناس ومدحهم:
وهو معنى لو تربى عليه المرء لأعانه على عمل السر, إذ إنه لا تمثل عنده رؤية الناس شيئًا, سواء مدحوه لفعله أو ذموه له؛ لأن مبتغاه رضا ربه سبحانه وليس رضا الناس, وقد سبق أن بعض العلماء كان يُعلم تلاميذه فيقول لهم: اجعلوا الناس من حولكم كأنهم موتى.
جـ – تقوية مفهوم كمال العمل:
وأقصد بذلك أن يتعلم المسلم أنه يجب أن يسعى إلى أن يكتمل عمله وتكمل كل جوانبه ليحسن ويقبل, وإن العمل الذي لا يراه الناس يُرجى فيه الكمال أكثر مما يرجى في غيره, فينبغي الاهتمام به أكثر.
د – صدقة السر:
قال تعالى
{ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم}
[البقرة: 271].
فهي طريقة عملية سهلة لتطبيق عمل السر عمليًا, فبالإكثار من صدقة السر يُعَود الإنسان نفسه على أعمال السر ويتشربها قلبه وتركن إليها نفسه, وقد ذكر أهل العلم بعضًا من الفضائل في صدقة السر منها:أن صدقة السر أستر على الآخذ وأبقى لمروءته وصونه عن الخروج عن التعفف , ومنها أنها أسلم لقلوب الناس وألسنتهم؛ فإنهم ربما يحسدون أو ينكرون عليه أخذه ويظنون أنه أخذ مع الاستغناء
, ومنها أنها أقرب إلى الأدب في العطاء.