ألست محوطًا بأنعمه باطنًا وظاهرًا؟
تاريخ النشر: 07/04/18 | 4:58ألم يعوِّدك رحمته؟
ألست تغدو وتروح في آلائه؟
متى كنت بدعائه شقيًّا؟
تذكُرُ يوم صبَّحك راضيًا مجبورًا؛ وقد بِتَّ بمعصيته مسرورًا؟
كم كشف عنك من ضرٍّ وهمٍّ، وأذهب عنك من بأسٍ وغمٍّ!
ألست محوطًا بأنعمه باطنًا وظاهرًا؟
كم يشتاق لحريتك أسيرٌ لا يرجو عليها مزيدًا، ويتمنى عافيتك سقيمٌ قرَّح جلدَه طولُ الرقاد!
كم تبغَّضت إليه -جريئًا- بما يكره؛ فوالاك -متوددًا- بما تحب!
أليس يحفظك -مِن قديمٍ عظيمٍ- بين حلمه وستره؟
ساعةَ أثنى عليك أحدهم بخيرٍ لم تغسل يدك بعدُ من شرٍّ ضدِّه؛ كيف نسيتها؟
كم دلَّك عليه، وعلَّمك من لدنه، وعرَّفك سبيله، ووصلك بهداه!
كم أقامك في مراضيه حين قام غيرُك في مساخطه؛ يختصك بالعناية!
الساعة التي تصلي فيها هي هي ساعة إشراك مشركٍ، وابتداع مبتدعٍ، وظلم ظالمٍ، وفجور فاجرٍ.
ما لك من سوابق الخير معه حتى يعصمك من فاحشةٍ قارفها أقرب الناس منك؟ وينجيك من ظلمٍ لابسَه جارٌ ليس بينك وبينه غير جدارٍ؟ ويسلمك من غوايةٍ أشهدك احتراق العامة بها؟
أي حسنةٍ لك عنده حتى يَنْظِمَكَ في صفوف المسلمين له؛ تعادي أعداءه وتوالي أولياءه؟
هذا الإسلام الذي أنعمك به ضل عنه كافرٌ يود -يوم التغابن- لو أنه أسلم، هذه السُّنة التي ترغد فيها حُرِمَها مبدلٌ يُذاد عن الحوض غدًا، تلك الفتن التي تصد عنهما قد أنقذك -برأفته- منها.
كم باعدتْ أعطافُ ألطافه بين ذرات بلائك الكثيف؛ حتى أخرجتك إلى طيِّب العافية!
كم يسر لك عسيرًا، وقرَّب منك بعيدًا، وفتح عليك مغلقًا!
كم قطعته -فقيرًا إليه وهو الغني الحميد- فوصلك!
كم بعدُت عنه -لا حول لك ولا قوة إلا به- فأدناك منه!
كم استدبرت رحمته فاستقبلك بها تلقاء وجهك؛ يقول لك: لا تعرض عني!
كم أغمضت عينك عن رسالةٍ أرسلها إليك، فأقرأها قلبَك فوعاها؛ فصلُح بها شأنك!
تأملْ سطورَ الكائناتِ فإنها ** منَ الملكِ الأعلى إليكَ رسائلُ
وقدْ خطَّ فيها لوْ تأملتَ نقشَها ** ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ
ذلكم الله؛ هو ربك وأنت صنعته، ولا يصنع صانعٌ حكيمٌ من الناس شيئًا ليتلفه؛ كيف بالحكيم الخبير واسع الرحمة والمغفرة؟ ما خلقك إلا لسعادة العبادة، ولا أنزل إليك الكتاب لتشقى.
من أين لك سوء الظن بعفو رحمن العالمين وعافيته؟
من بصَّرك غير ما بصَّرك الجميلُ من آيات خلقه وأمره؟
من أسمعك سوى ما أسمعك الكريمُ: “يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ”؟
لم لا تشهد من نعمه إلا ما منعك منه أو أجَّله عنك عليمًا بك رحيمًا؟
كيف أطعت من أخرج أباك من الجنة في شهوةٍ زينها لك؟ وكيف صدَّقته في شبهةٍ أدخلها عليك؟
كيف إذ أعرضت لم تقبل؟ أم كيف حين عثرت لم تنهض؟
ألم تعلم بأنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه؟ ألم يأتك أن رُجعاك إليه شئت أم أبيت؟
فقد أحب لك أن تلقاه آمنًا مرحومًا، وقد أعد النار يوم أعدها لغيرك؛ فسبحان الله! ما ركضُك إليها؟
عبادٌ أعرضوا عنا ** بلا جرمٍ ولا معنى
أساؤوا ظنهمْ فينا ** فهلَّا أحسنوا الظنا
فإنْ خانوا فما خنا ** وإنْ عادوا فقدْ عدنا
وإنْ كانوا قدِ استغنوا ** فإنا عنهمُ أغنى
“وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا”؛ آهٍ! لا إله إلا الله، العفو يارب؛ العفو إنك تحب العفو، العفو إنك أهل العفو، العفو إنك كريم العفو، العفو إنا محاويج العفو.
يا من لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه؛ اقبل منا ما لا ينفعك وإن كان قليلًا، واغفر لنا ما لا يضرك وإن كان كثيرًا.
أفلح مسارعٌ إلى سريع العفو والمعافاة؛ “مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ”؛ اللهم اللهم.
حمزة ابو زهرة