رسالةٌ من المسجد الحرام : تشاحنكم وتباغضكم حرام
تاريخ النشر: 25/08/17 | 9:57أيها المسلمون الكرام :
أكتب لكم من البيت الحرام ، في البلد الحرام ، في الشهر الحرام ، مستذكراً خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في يوم الحجِّ الأكبر من حجَّة الوداع ، حين قال : ” إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ بينكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ” .
يا إخوة الإيمان :
عتبي شديدٌ ، على كل من يهون عليه عرض أخيه ، فينال منه دون تردُّدٍ أو وجل . أما سمعت عن حبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلّم : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ؟ .
يا من تستهينون بالكلمات ، فتطلقونها سهاماً قاتلةً ، إلى صدور إخوانكم ، سواءً كانت كلماتكم مسموعةً أو مقروءةً ، هلَّا تذكّرتم أنّكم إنّما تكتبون في صحائف أعمالكم وأقوالكم ، ما سوف تندمون عليه يوم القيامة ؟ . كيف إذا امتلأت صحيفتك بالغيبة ، وجئت ربَّك بالحسنات العظام ، ولكنك ظلمت هذا ونهشت عرض هذا ، واغتبت هذا ، فأخذ هذا من حسناتك وذاك من حسناتك حتى تفنى حسناتك ، ثم يؤخذ من سيئاتهم فتقذف على سيئاتك فتقذف في النار والعياذ بالله ……. هل يُعقل أن يعرِّض مسلمٌ نفسه لهذا المصير بسبب شهوة الإنتصار للنفس ؟ أو الحزب ؟ أو الحركة ؟ أو الإجتهاد ؟ .
لا خير في إطارٍ يدعوني التعصُّب إليه أن أخسر ديني وآخرتي .
يا أحبَّتي في الوطن الغالي
إنِّي أُشهِدُ الله تعالى ، على أنني قد وطَّنت نفسي ، لأن يكون كل المسلمين إخواني . وأن أحبَّ لهم الخير جميعاً ، وأتمنى لهم التوفيق والسلامة والخير جميعاً ، ولذلك فإنَّ من يؤذى من إخواني المحسوبين عليَّ ، أو من غيرهم ، فعرضه عِرضي وشرفه شرفي ، ويؤذيني ما يؤذيه . وإنَّ من يتطاول على غيره بهمزٍ ولمزٍ ، بتصريحٍ أو تعريضٍ ، من المحسوبين عليَّ أو غيرهم ، فإنَّ تطاوله وعدوانه يحزنني وينغِّص عليَّ ، وأنا بريءٌ من كل ذلك .
فيا أيها العقلاء
آن الأوان ، أن ندرك جميعاً ، أنَّ لنا اجتهادات ، تختلف أحياناً وتلتقي أحياناً . ومن المؤسف أن تضيق الصدور عن أن تعذر غيرها في اختلاف اجتهاده ، فتظل تلمز وتهمز ، وتبخِّس غيرها ، كدليلٍ على صحَّة اجتهادها . نحن يا إخوتي نعيش واقعاً معقَّداً ومركَّباً ، قد نختلف في تقييمه ، واختيار السبل والأدوات في التعامل معه ، ولكنَّ ذلك كلَّه لا يعذرنا ، إن ضيَّعنا البوصلة ووجَّهنا سهامنا إلى صدور بعضنا البعض .
نحن في الحركة الإسلاميَّة نعتبر أنفسنا أكثر مرونةً من غيرنا ، وعليه فقد رأينا أن واجب المحافظة على وجودنا واستمراريَّتنا ، يتطلَّب المشاركة لا المقاطعة ، وخوض غمار الميادين ، للتأثير فيها ، مع المحافظة على ثوابت شعبنا وأُمَّتنا وقضيَّتنا ، وليس الوقوف على برجٍ عاجيٍّ ننظِّر لغيرنا ، ونعدُّ عليهم أخطاءهم ونحمِّلهم أوزارهم وأوزار غيرهم .
وبالمقابل فإنَّنا نحترم اجتهادات سائر إخواننا الإسلاميِّين ، والوطنيِّن والقوميِّين ، ونبحث دائماً عن نقاط الإلتقاء والتعاون الممكنة . فنحن شركاء معهم في لجنة المتابعة ، وشركاء مع معظمهم في القائمة المشتركة . ونتضامن مع كل من تستهدفه السلطات الإسرائيلية بالأذى والملاحقة ، دون منٍّ أو تجمُّل على أحد ، ولا نقبل من أحدٍ من أبنائنا الإساءة لغيره ، بتهمةٍ أو شماتةٍ أو تبخيس . وبالمقابل فنحن لا نقبل أن يسيء إلينا أحدٌ أيضاً بتهمةٍ أو إساءةٍ أو تبخيسٍ .
صراحة ووضوح
لا نرضى أبداً بحالٍ من الأحوال ، وخصوصاً في ظلِّ المطاردة والإستهداف الظالم ، أن يبخِّس أحدٌ منّا بدور الشيخ رائد حفظه الله وفرّج كربه ، في كل قضايا شعبنا الفلسطيني وعلى رأسها القدس والأقصى . وبالمقابل لا نرضى بالتنكُّر لمكانة الشيخ عبد الله درويش رحمه الله بصفة المؤسس للحركة الإسلامية ، بلا تلعثم ولا تورية ، ولا نرضى أبداً بإستمرار التعريض واللمز الدائمين ، لحركتنا الإسلاميَّة . فكلمة : ” حركة الكنيست ” إيذاءٌ وتعريض . وكلمة : “يكفيكم أن يرضى عنكم نتنياهو ” . تهمةٌ باطلةٌ وتحريضٌ مباشر .
هذا فضلاً عن أي كلامٍ فاحشٍ وبذيء ، يصدر عن بعض المتعصِّبين لهذا الإتِّجاه أو ذاك ، فكلُّه مرفوضٌ ، وكلُّه حرام ، وانتهاك للأعراض ، ومحرقةٌ للحسنات .
ولا تنسوا الفضل بينكم
لماذا لا نسلِّط الضوء على بعض الجوانب المضيئة بدلاً من تضخيم الأخطاء ؟ . فلقد رأيت منشوراً عرضه نائبي الموقَّر د. منصور على صفحته ، يبرز فيه صوراً ودِّيَّةً تجمع بيني وبين أخي الشيخ رائد ، في فعاليّات مشتركة في أسبوع الدعوة إلى الله قبل رمضان الفائت . ورأيت نائبي الشيخ صفوت مع وفدٍ مرافق يحضرون محاكمة الشيخ رائد بعد اعتقاله بساعات لتمديد توقيفه ، ويسجِّل بثَّاً حيَّاً يتَّهم فيه السلطات بالعنجهيَّة والمطاردة غير المنطقيّة للشيخ . وعلمت أن إخوةً لنا أُجريت معهم مقابلات إذاعيَّة ، ودافعوا قدر استطاعتهم عن الحقِّ في حرِّيَّة التعبير ، وترديد بعض الهتافات المشهورة التي ينسبها الإعلام الإسرائيلي للشيخ رائد ، ومن بينهم أخي النَّائب طلب أبو عرار . ولا أنسى مشاركة إخواننا بل إنجاحهم للوقفات الإحتجاجية التضامنية على المفارق من سخنين وطمره شمالاً إلى رهط جنوباً ، هذا فضلاً عن ما تخصِّصه صحيفة الميثاق من التغطية بالصور والعناوين تضامناً مع الشيخ رائد . وهل تذكرون مرافعات أخينا كامل ريّان الصحفيّة ضد حظر الحركة الإسلاميّة الشماليّة ؟ وغيرها الكثير الذي ينساه النّاس في خضم المهاترات المرفوضة .
إنَّ تجاهل هذه التَّوجُّهات الإيجابيَّة ، والتَّركيز مع التَّضخيم للمآخذ السلبيَّة ، مقصودةً أو غير مقصودة ، فيها ظلمٌ وإجحافٌ ، وإساءةٌ لصورة العمل الإسلاميِّ عامَّةً في البلاد . هذا فضلاً عن أن أُذكِّر وأُشيد بالعلاقة الوطيدة ، البعيدة عن كل توتُّر بين قيادات العمل الإسلامي الرئيسيين من الإتِّجاهين .
دعواتٌ من موقِنٍ بالإجابة
توجَّهت لكلِّ المحبِّين ، ونحن في طريقنا إلى مكّة المكرّمة ، راجياً ممّن يحب أن نخصَّه بدعاءٍ في المسجد الحرام أن يشير إليه بما يشاء ، فعسى الله أن يعينني على صدق الدعاء لنفسي ولإخوانني وأخواتي ، كلُّهم بلا استثناء ، أن يؤتي الله كلّاً منهم سؤله ، ويجيب دعوته ، ويبلِّغه فيما يرضي الله مراده . وأظنّني بإذن الله تعالى قد وفَّيت بذلك ، سائلاً مولاي الكريم ، أن يستجيب دعاءنا ويهدينا سُبُلنا ، ويرزقنا سعادة الدَّارين …… إنَّه سميعٌ مجيب .
تعالوا إلى كلمةٍ سواء
أُحمِّل نفسي وأحمِّل أخي الشيخ كمال خطيب ، مسئوليَّةً تاريخيَّةً ، في تبليغ جميع أخواننا ، ومن يحترم فكرنا ونهجنا ، أنَّ لكم إخواناً يختلفون معكم في بعض الإجتهادات ، ولهم علينا حقُّ الأخوَّة في الله ، والنُّصح بالحكمة ، دون تبخيسٍ أو تعريضٍ أو تطاول أو شماتة . فكلُّ ذلك مغضبةٌ للرّ بِّ سبحانه وتعالى . دعونا نحترم غيرنا ، مع احتفاظ كلٍّ منَّا بحقِّه وبخصوصيَّاته الحركيَّة أو الفكريَّة وفي الأساليب والأدوات . ولكن إن كان أحدنا لم يعترف حتى الآن بحق غيره في الوجود ، فتلك إذاً الطَّامَّة الكبرى التي تؤسس لكل ما بعدها . وإن كان أحدنا سيظل يرى الجانب السلبي فيضخمه ويتجاهل الإيجابي ويستصغره فتلك مهلكةٌ أخرى .
يا إخواني وكلُّكم إخواني :
أنا لا أميِّز أبداً بين أبناء مجتمعي من شمال أو جنوب أو مركز ، آليت على نفسي أن أحبَّ لكم جميعاً ، الخير والهداية والسعادة في الدنيا وفي الآخرة . ولا يكتمل إيمان أحدكم حتى يحبّ لأخيه كما يحبُّ لنفسه . فافشوا السلام والمحبَّة والأخوَّة الصادقةَ بينكم . ولا تدَعوا لأي جزئيَّةٍ هامشيَّةٍ أن تفرِّق جمعكم ، أو أن تفتك بأخوَّتكم .
وما الحركات الإسلاميَّة إلا أُطرٌ لتعزيز العمل الجماعي الهادف لنشر الاسلام ، وخدمة المسلمين ، وتجميع جهودهم في القضايا التي لا يمكن النُّهوض بها بغير الجماعة ووحدة الصفِّ . فلا تحوِّلوها إلى أُطُرٍ للتعصُّب والتشاحن ، والعزَّة بالإثم .
ما قصدت التعريض بأحد .
ولا النَّيل من أحد .
وما زال في الدُّنيا خيرٌ كثير ، تعالوا ننمِّيه ونعزِّزه ، وفينا تقصيرٌ كبير ، تعالوا نتعاون على تجاوزه .
فكَّ الله أسر أخي الشيخ رائد صلاح .
هدانا الله وإخواننا جميعاً إلى أُلفة القلوب وسلامة الصدور .
أحبُّكم في الله جميعاً
وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه .
وإلى الملتقى في ربوع الوطن بإذن المولى عزَّ وجلَّ .
بقلم : الشيخ حمّاد أبو دعابس
رئيس الحركة الإسلاميّة في الداخل الفلسطيني