جزئية الأسرى عند الأديبة الفلسطينية تمام ذوقان
تاريخ النشر: 06/09/17 | 11:00انهم وراء القضبان باجسادهم وليس بفكرهم. نعم هكذا يوصف الاسير الفلسطيني حينما يزج به داخل المعتقل. انه كتلة من تحد صامد قاهر لسجانه. هو يدفع ثمن انتمائه للوطن. سنتطرق فيما يلي الى كلمات وطنية صاغها قلم الاديبة الفلسطينية “تمام ذوقان” تصف حالة من حالات النضال الوطني تتجلى كلماتها في حوار بين اسير وزوجته التي قدمت لزيارته .
ثرثرة امراة
وهمس رجل
لا ترفعي الصوت غاليتي
فانا بالهمس استكين
حاورني بنظرة
تشف عليل
جروحي الدامية
وقلبي الحزين
شوقي علني
وفكري اسير
فدعيني
من قولهم
فانا مكبل اسير
امي وابي هدية من رب العالمين
يمزقني الحنين
فلا تكثري الشكوى
فما زلت اسير
الاسير بطبعه مثقل بالاهات، ومكبل بالاصفاد، فهو يقتنص الفرصة السانحة ليريح هذا الجسد الذي اتعبته الليالي واذاقته المر من صنوف العذابات. هو بحاجة لوقفة مع النفس ليراجع تاريخا من سطو هذا المستعمر على بلاده وامتصاص خيراتها وقهر رجالاتها، ولكن هيهات. الاسرى رجال عمالقة يعيشون ويضحون نيابة عن الاحرار الطلقاء.
تاتي الزوجة للاطمئنان على رفيق العمر القابع وراء القضبان، ولكنها بدل ان يستأنس بكلامها ويرتاح، يجدها تتطرق لكل ما يحدث خارج الاسر من قضايا. هي تثرثر دون توقف: تحدثه عن الابناء والجيران والاخبار العالمية وحالات الزواج والطلاق والكثير الكثير. يطلب منها ان تخفض صوتها ليرتاح قليلا كونه يحب الصمت والتامل.
يستعيض بالنظرة عن الكلام. لقد بلغت به المواجع ايما مبلغ، يحدثها بطرفه وليس بلسانه. يعرف ان الزيارة عمرها قصير ولا يحبذ قضاءها في ثرثرة ” حريمية” بحتة. يشكو اليها بكل جوارحه عن المعاناة التي يلقاها وانه حزين القلب على كل ما جرى ويجري في الوطن الذي احب وناضل واعتقل لاجله.
في هذه اللحظات تتجلى عنده النزعة العاطفية نحو امه وابيه. يسال عنهما ويدعو لهما بالمستطاع ويعتبرهما اجمل هدية من رب العالمين له لانهما سبب وجوده في هذه الحياة. يحاول مع نصفه الاخر التوقف عن الثرثرة ويذكرها بانه اسير ولا يستطيع فعل ما يفعله من هو حر طليق. فوقته قصير وثمين ولا يحبذ قضاءه في كلام لا يسمن ولا يغني من جوع.
“تمام ذوقان” تعطي القارئ صورتين للانسان: اولهما ذلك الاسير البطل الذي هب في وجه المحتل وناضل وقاتل الى ان وقع في الاسر، والاخرى صورة المرأة التي تاتي لتشد من عضد زوجها الاسير، ولكنها لا تمتلك السيطرة على نفسها فتشرع في الحديث عن كل حياتها الخارجية البعيدة عن الزوج. الزوج بالنسبة اليها هو السند والاخ والاب ولذا فهي تتحين الفرص لتخرج ما في صدرها، احيانا ببراءة الطفولة، واحيانا اخرى بقوة وعزم. كل هذه المعاناة التي تعانيها الزوجة يعرفها الزوج الاسير، فحالما يطلب منها التواصل همسا، فهو يوفر عليها كل ما تريد قوله، ويكأنه يقول لها انه الان ليس بيده عصا سحرية، فهو اسير، اسير، اسير.
يونس عوده/ سلطنة عُمان