أنت محجبة إذا أنت موجودة
تاريخ النشر: 11/11/17 | 6:40الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، والحمد لله أن جعل للذكران إناثًا، وللإناث ذكرانًا يكمل بعضهم بعضًا، وجعل بعضَهم لبعضٍ سكنًا، وجعل بينهم مودَّةً ورحمةً، وصلَّى الله على محمد وآله الذين جعلهم قدوةً للعالمين.
أما بعد، فهذه بعض البصائر موجهةً لكِ أيتها الأخت المسلمة من مهتمٍّ بك مِن بين المهتمين، وغيور عليك من بين الغيورين.
هذه بعض البصائر التي دعاك الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله أن تُبصريها، فلقد اهتمَّ رحمه الله بالمرأة كثيرًا، وكان ينطلق من هذا التعبير وينتهي إليه: “أنت محجبة، إذًا أنت موجودة”، وإلا فعلى دينك السلام.
وقد خصَّص كتابًا مستقلا عن حجاب المرأة، سمَّاه: “سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة”، وهو عبارة عن رسالة قصيرة ضمن سلسلته الدعوية (من القرآن إلى العمران)، وكان عازمًا على إخراج بحث أطول منها، “لكن – كما يقول – شدَّة الصدمة، وسرعة الانهيار التي آل إليها وضعُ المرأة المسلمة في هذه الأيام، والسقوط الخُلُقي الذي تعدَّى الشباب إلى الأطفال، والتسابق نحو إعلان الفواحش في الشوارع والطرقات على الملأ – جعلني أسرع بإخراج هذه الورقات في كلمات قلائل؛ رجاء أن تكون كافية شافية إن شاء الله”.
وقد أسرعتُ بدوري في انتقاء بعضِ البصائر الموجَّهة لك أختاه من خلال سلسلة كتبه “من القرآن إلى العمران”، عسى أن تبصيرها بقلبك، وهذا لا يعني أن الشباب الذكور وصلوا إلى القمة، فكثير منهم – كما عبَّر عنهم الشيخ رحمه الله – “تركوا القمة إلى القمامة”؛ فالله المستعان.
وإليك أختي هذه البصائر:
أبصري أيتها المتحجِّبة أن جلبابك الضافي الساتر الوافي، هو عنوان تقواك وورعك، وراية انتمائك الحضاري، به تُعرَفين من دون العاريات، فلا يصل إليك الأذى بإذن الله، ذلك منطوق الآية العظيمة، فتدبري: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]؛ أي: إنه تمييز لك، ورفع وتكريم، وتنزيه أن تتشبَّهي بالساقطين والساقطات، خاصةً في زماننا هذا؛ حيث صار جسد المرأة سلعةً معروضةً في سوق العولمة الدولي، وإنما (العولمة) هي حركة تهويد العالم، حركة صارت المرأة فيها جسدًا بلا رُوح، جسدًا للاستهلاك الجنسي الساقط ملء شوارع العالم وتلفزيوناته.
وأبصري أن المرأة التي تحرص على إبراز مفاتنها لغير محارمها، لهي أشبه ما تكون بتماثيل البلاستيك المهيأة لعرض الأزياء على زجاج المعارض التجارية في الشوارع الكبرى، إلا أنها – مع الأسف – تعرض لحمها وكرامتها للناس – لكل الناس – إنها تقع في مصيدة التعرِّي لتجريد حضارة الإسلام من مصدر قوتها: العفة والكرامة، واحذَري من التي تختزل حريتها في “حرية التعرِّي”، فقد أذِنت لإنسانيتها أن تتردَّى في درك البهيمية، ونزلت عن شرف الخطاب الإلهي في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70].
وإنما حرية المرأة – لو تبصرين – هي كسر أغلال العبودية التي تربطك بشهوات النفس البهيمية، والتمرُّد على النموذج الغربي للحياة، ورفع راية الإسلام – راية العفة والكرامة – في اللباس الإسلامي العالمي، اللباس المعبِّر عن مكارم الأخلاق، ومشاعر القِيَم النبيلة فكرًا وسلوكًا.
ولتبصري أن الفتاة التي احتجبت حقًّا وصدقًا، لا تفتنها إغواءات الشيطان وإغراءات الموضات المتدفِّقة بالفتن، فلا ترتد على أدبارها لتتحايل على حجابها بالتشكيل والتجميل؛ مما يُفقد اللباس الإسلامي مقصدَه الشرعي مِن التستُّر والتخفِّي، وحفظ الكرامة والحياء.
ولتبصري أن المرأة المؤمنة بالله واليوم الآخر تعبد ربَّها بلباسها، ولا يقبل الله من العبادة إلا ما كان على شرطين:
الأول: أن يكون خالصًا له تعالى.
الثاني: أن يكون صوابًا؛ أي: منضبطًا وَفْق حدود الله؛ كما ورَد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا تبديل ولا تحريفٍ.
ولتحذري من الحجاب العاري اقتداءً بمحجَّبات التلفزيون المتزينات بكل ألوان الطيف؛ كما يقتضيه ذوق الإخراج والمكياج، ونصائح مهندس الديكور ومدير التصوير، فذلك حجاب ولكن على مقاييس التلفزيون وشهوة الميكرفون، إنه إذًا الحجاب العاري.
ولتعلمي أن الفتاة المؤمنة هي التي لا تتحايل على ربها بلباسها، فتُظهر زينتها من حيث هي تزعم التزام الدين والانتماء لأهل الصلاح، بل الفتاة المؤمنة هي التي تَلبَس جلبابها الشرعيَّ ثوبًا هادئًا، ساكنًا خاشعًا على بدنها، يَسترُها ولا يَفضَحها.
وليس معنى ذلك أن تَلبَس أرذل الثياب، وألا تهتمَّ بنظافتها؛ فالإسلام لا يريد لها أن يكون منظرها بشعًا، ولا منفِّرًا، بل يجب أن يكون محترمًا، يوحي بالجِدِّ، ويَفرض على الناظرين الإجلال لها والتقدير والتوقير.
واعلمي أن تعريةَ الإنسان وتطبيعَه على التعرِّي سعيٌ شيطانيٌّ منذ خلق آدم عليه السلام؛ يقول سبحانه: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 20].
فوسوسة الشيطان لآدم وزوجه كان دافعُها رغبةَ إبليس في تعريتهما تعريةً تامة؛ حتى تظهر لهما سوءاتهما.
وتأمَّلي أيتها الفتاة المؤمنة قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]، فمن جمالية هذا التعبير القرآني أنه ذكر اللباس وكنَّى عنه بالريش، وذلك لِمَا للطائر من جمال إذ ينطلق بريشه محلِّقًا في الفضاء، أو مستقرًّا على الشجر، أو ماشيًا على الأرض، وما أتعسه من طير فقَد ريشه، أو نتَفه مَن يُعذِّبُه به؛ إن ذلك هو العذاب الأليم، وقرن الله تعالى هذا كلَّه بلباس التقوى، وإنما قصَد بلباس التقوى إصلاحَ النفس، لا اللباس المادي الظاهر، ولكنه هنا سيق ليكون هو غاية اللباس المادي في الإسلام، والمقصد الأساس مِن تشريعه، فإنما اللباس ما عبَّر عن ورع صاحبه وتقواه؛ ذَكَرًا كان أم أنثى.
أخيرًا وليس آخرًا: أختاه، أنت حمامة، لك جناحان هما صلاتك وحجابك، فطيري في فضاء الرُّوح، وانشُلي ريشك مِن عَفَن المستنقعات الآسنة، طيري إلى أعلى، واجعلي عفافكِ عنوان هُويتك، كذلك يقول دينُكِ العظيم، فقولي – ملء العالم كله -: أنا محجَّبة، إذًا أنا موجودة”، وإلا فعلى دينك السلام.
بقلم:حمزة شلهاوي