عندما نكون مسئولين عن جريرة غيرنا
تاريخ النشر: 08/09/17 | 19:34تلاحظون معي هذه الأحكام التعميمية التي تغزو السياسة الإسرائيلية، وليس أدل على ذلك من الحكم على عائلة جبارين حكمًا تعميميًا بسبب حكاية ما جرى مع نفر منهم، وينسى من يعمّم أن العائلة تتألف من أكثر من خمسة عشر ألفًا، وأنهم لا يقطنون أم الفحم فقط، وكأني بهم لا يفقهون معنى {ولا تزِرُ وازرةٌ وِزْرَ أخرى}.
سأتصفح معكم دواوين الشعراء لنلتقط من معانيهم ما هو وارد في هذا القبيل:
يقول أبو فراس الحمْداني:
كما خزِيتْ براعيها نُمير *** وجرَّ على بني أسد يسار
فالشاعر راعي الإبل تحرش بجرير، فإذا بجرير يهجو الراعي ويهجو قومه– نُمَير معه في أبيات مشهورة.
وأما يسار فهو عبد لزهير بن أبي سُلمى، فكان هجاء زهير في ردّه لكل بني أسَد- قوم يسار.
وهذا نَهشَل بن حَرّي يقول متذمرًا:
تخلّيت من داء امرئ لم أكن له *** شريكًا وألقى رجله في الحبائل
فإن تُغرموني داءّ غيري أحتمل *** ذنوبَ ذئاب القريتين العواسلِ
فهكذا يدفع هو ثمن الجريرة، ويدفع ثمن عدوان الذئاب كلها في القريتين.
ويقول الأخطل:
فدينوا كما دانت غنيٌّ لعامرٍ *** فغيرهم الجاني وهم عاقلو الدم
فقبيلة (غَنيّ) تعقل دماء لم تكن هي الجانية في سفكها.
هكذا تناول الشعراء موضوع اتهام هذا بجريرة ذاك، ومن الشعر ما نجد فيه الجانيَ الحقيقي لا يمسه أذى أو سوء، فيقول النابغة الذبياني مخاطبًا النعمان بن المنذر:
أتوعد عبدًا لم يخنْك أمانة *** وتتركُ عبدًا ظالمًا وهو ضالعُ
وحمّلتَني ذنبَ امرئٍ وتركتَه *** كذي العُرِّ يُكوى غيره وهو راتع
والعرّ داءٌ يأخذ الإبل في مشافرها وقوائمها، تزعم العرب أنهم إذا كووا الصحيح برئ السقيم.
وهكذا فالصحيح هو الذي يُكوى!
وفي هذا السياق ثمة مثل:
” كالثور يُضرب لما عافت البقر”، فهي إذا عافت من شرب الماء ضربوا الثور، فهم يزعمون أن الجن تركب الثيران، فتصدّ البقر عن الشرب.
وهكذا يُضرب الثور بذنب سواه.
وقال الحارث بن حِلِّزة في معلقته:
عننًا باطلاً وظلمًا كما تُعْتَرُ عن حُجْرة الربيضِ الظباءُ
أعلينا جُناح كندةَ أن يغنمَ غازيهم ومنا الجزاءُ
يقول الشاعر: ألزمتمونا ذنب غيرنا بالباطل، كما يُذبح الظبي لحقٍّ وجب في الغنم،
فقبيلة كندة يغنم الغازي فيها بينما نحن ندفع الثمن؟
ويستمر الحارث في ذكر أقوام أخرى قامت بالعدوان، وها هو الملك يحاسب بني بكر قبيلة الشاعر، وهم أبرياء من كل فِعلة أو عدوان على الملك.
ويقول الفرزدق:
تقوّله غيري لآخرَ مثله *** ويُرمى به رأسي ويترك قائله
إذن فأنا الذي أدفع الثمن، مع أن غيري هو الذي تقوّل ما تقوّل.
وأخيرًا يذكر لنا جميل بثينة:
وكم من مُليمٍ لم تصبه ملامةٌ *** ومن مُتْبَعٍ لومًا وليس له ذنب
هكذا إذن، فلا يظن ظان أن الأمور تجري وفق نظام عدل.
وأخيرًا، هل تذكرون المثل:
“بيروح الصالح بعزا الطالح” والمثل الآخر- “بتروح المليحة بعزا القبيحة”؟
نعم كثيرًا ما يتأذى الأبرياء الصالحون لا لسبب اقترفوه، وإنما لأنهم في حيّز الطالح أو المذنب.
ب. فاروق مواسي