في العشر الأواخر .. الشعب يريد إسقاط الذنوب
تاريخ النشر: 22/08/11 | 8:25“إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر” هكذا قال الشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، وبعدها بعقود يستجيب الشعب التونسي ويقوم منتفضا ليستجيب القدر لإرادته ويهرب رئيسهم زين العابدين، ثم تقوى إرادة الشعب في مصر لتفعل فعلتها في ميدان التحرير في الخامس والعشرين من يناير، وتُسقط الثورة والإرادة الشعبية نظام مبارك.
وعلى غرار ما حدث في ميدان التحرير من إسقاط الشعب للنظام، تعالت دعوات كثيرة مع بدايات العشر الأواخر تقول “الشعب يريد إسقاط الذنوب” أو أن “الشعب يريد تغيير نفسه”.
ولكن هل تختلف إرادة الشعوب عن الإرادة الفردية.. فالشعب اتحد في فعل جماعي وهو الثورة فاستمد كل واحد قوته من روح الجماعة، ولكن هل يمكن لكل فرد أن يغتنم العشر الأواخر ويثور على نفسه محققا فعل فردي بالتخلص من ذنوبه والفوز بالعتق من النار ومحققا ثورته الشخصية بتغيير نفسه إلى الأفضل وإلى ما يتمنى أن يكون.. وهل يمكن تحقيق التغيير الشامل الكامل أم الأصح هو التدرج في هذا التغيير؟
ثورة على الذنوب
تجيب عن هذه الأسئلة أميرة بدران، الأخصائية النفسية والمستشارة الاجتماعية، فتقول: رمضان في حد ذاته ثورة، فهو برنامج عالي الجودة عميق الأثر لفكرة التغيير والتخلص من التراكمات الكثيفة التي ازدحمت في أنفسنا طوال عام كامل، وكما حدثت الثورة في حياة المصريين بهذه القوة التي كانت بعد وهن وضعف شديد من الممكن حدوث الثورة على الذنوب، حيث يعيش الإنسان وهو يتصور أن لديه قائمة من المفردات التي لا فصال فيها تحت مسمى لن أعرف، لن أقدر، لن أستطيع، فيتصور أناس كُثر أنهم لن يستطيعوا العيش دون شرب مياه أو بدون سيجارة أو بدون طعام، والبعض يتصور أنه لا يملك القدرة على مقاومة امرأة جميلة، ولن يستطيع التوقف عن أمور يتصورها مسلمات، ويأتي رمضان ليمحو كل هذا التصور الخاطئ والمشاعر المزيفة فيستطيع الإنسان الامتناع عن الطعام والشراب والسجائر والعلاقة الحميمة وتسير حياته أجمل مما كان يتصور.
وهذا هو المعنى الأعمق الذي نلفت إليه وهو أننا نستطيع ببعض الجهد أن نتخلص من معاصينا و نقاوم ملذاتنا ونحيا بدون تلك الأمور الخطأ، فرمضان يؤثر في نفوسنا ويتمكن للوصول بجدارة للضمير الذي يعتبر أهم مساحة إدراك فينا، فهو الذي ينبه ويفرز الأفكار السيئة من الجيدة، والتصرفات المقبولة وغير المقبولة، والمشاعر الخبيثة من المشاعر الطاهرة، فيأتي رمضان ليخاطب جهازنا النفسي ويتعامل مع أعمق مساحة إدراك فينا ليعيد له نظافته وصحته واستقامته من خلال المناخ العام الذي يرتبط بزيادة التواصل القريب المستمر مع الله سبحانه وتعالى من قراءة قرآن وصلاة نوافل وتراويح وجوع وعطش وتحمل بُعد النفس عن الملذات، فينشط الضمير من جديد وتقوى معه المقاومة فيبدأ التغيير الذي يتدرج خلال الشهر حتى يصل لقمته في العشر الأواخر وبعدها يأتي الثبات على التغيير الذي نأمل فيه.
وتضيف بدران، أنه كلما كنا في حالة استعداد لاستقبال العشر الأواخر التي تقوم بعمل الصيانة والتجديد، وكلما صدقنا أن الله سبحانه تواب غفور، وكلما رفقنا بأنفسنا في التخلي عن الأمور المذمومة، وكلما انخرطنا مع من حولنا في المناخ العام الذي يتوفر في هذه الأيام من تواصل نفسي كبير جداً مع الله سبحانه وتعالى يجعل للروح الصوت الأعلى على عكس أيام وشهور العام كله كان التغيير أعمق وأصدق وأبقى.
وتنصح بدران كل مسلم يريد أن يقلع عن تصرفات أو سلوكيات سيئة بتذكر هذه الأمور:
تذكر أن العشر الأواخر هي الطبيب النفسي الماهر الذي يخاطب المشاعر والأفكار وبالتالي تظهر آثارها على التصرفات. ساعد نفسك بالإقبال على صفات الله التي ذكرها سبحانه بنفسه عن نفسه كالرحمة والمغفرة والتوبة. تعامل مع نفسك برفق حتى تتمكن من الاستفادة بكل ماتقدمه هذه الأيام من جوائز لا تتكرر بسهولة ليس فقط لثوابها، ولكن لأنها تتعامل مع “الضمير” المايسترو الحقيقي لتصرفاتنا . اعتبر هذه الأيام العشرة بمثابة تدريب مكثف مستمر بعدها تكون قادرا على اكتساب سلوك وتغيير عادات. ضع لنفسك خطة عمل أو جدول بحيث تقوم بعمل خانات للأشياء التي يحب أن تكتسبها، وخانات للأشياء التي تريد مقاومتها، على أن تكون هناك متابعة للسقطات حتى تعرف الخلل ما سببه؟ وتعرف كيف تعالجه أثناء هذه الأيام، وهذا الشكل مفيد لبعض الشخصيات، لأنه يكون مقياسا حقيقيا لنفسه أمام نفسه، لأن هذا الجدول “ذاتي خاص” يتطهر تماما من الرياء والكذب فيكون مقياسا حقيقيا للتغيير المنشود.
كلام رائع وجميل ويستحق العمل لاجله