وقفات على مفارق القائمة المشتركة بالأمس واليوم!
تاريخ النشر: 20/09/17 | 9:56العنوان الأصلي كان: “القائمة المشتركة بين ما يُقال وما لا يُقال”، وكان هذا أوائل كانون ثاني 2015، ف”طلعنا” أناسا نغنّي خارج السّرب أو (…..). فذكّر لعلّ في الذكرى بعض ذكرى، ولن يحوجك الأمر إلا إلى تبديل بعض المصطلحات تقنيّا وليس جوهريّا وقليل من الرّتوش والإضافات الطفيفة !
الكثيرون ممن ليسوا اليوم في مراكز القرار وأنا منهم، يعزّ علينا كأبناء لهذا الشعب ما يجري في الساحة الانتخابيّة، فنطرح بين الفينة والأخرى مواقفنا وأعتقد أن غالبيتنا تفعل ذلك ليس من باب الترفيه أو الرفاه أو “الفضاوة”، وإنما من باب “أضرب الخميرة” رغم معرفتك الأكيدة أن خميرتك من الصعب أن تلصق وخصوصا إن كنت لا تملك إلا إياها، ولكن حتما ستترك أثرا حتى لو تعامى عنه البعض، وذلك أفضل ألف مرّة من أن تتركها في يدك تتعفّن، وبالذات أن مثلك ربما وبحكم تحرره من التزامات فئوية يستطيع أن يقول علنا ما لا يُقال، فترميها وأجرك على الله!
بغض النظر عن حتميّة إيجاد صيغ شراكة بين القوائم بحكم رفع نسبة الحسم، فدعاة الشراكة يتمسكون بشعار “الشعب يريد” قائمة واحدة مشتركة زيادة في التمثيل، والويل والثبور لمن لا يحترم إرادة الشعب من عقاب هو أشد من نار جهنّم. وفرضا أن “الشعب يريد” ذلك لذاك، الزيادة في التمثيل، فما الفارق لدى الشعب بين قائمة واحدة أو قائمتين مرتبطين بفائض أصوات، والأمران سيّان لتحقيق رغبته هذه؟!.
لا بل أكثر من ذلك أن قائمتين مرتبطتين بفائض أصوات يمكن أن يضيف عضوا إضافيّا، وكل من يعرف طريقة حساب الفوائض حسب قانون “بدر – عوفر” يعرف ذلك جيّدا.
لم نسمع حتى الآن أي هدف آخر معلن لهذا “الاندلاق” على القائمة الواحدة غير زيادة عدد الأعضاء لعلّ في ذلك زيادة تأثير، ولربما يكون في ذلك سدّا أمام اليمين من العودة للسلطة (لنا عودة على هذا الطرح)، وبغض النظر إن كان هذا الهدف الحقيقي أو غيره فالقائمتان تحققان هذا “الهدف” المنشود تماما وأكثر من القائمة الواحدة، ولكن القائمتين تحققان أمورا أخرى هامة لا تحققها القائمة الواحدة.
المنطق البسيط يقول أن الإصرار على القائمة الواحدة لدى البعض هو ليس الإرادة الشعبيّة والخوف من غضبة الشعب وفقط، خصوصا وأن أرادته المزعومة تتحقق وبالمنطق البسيط بقائمتين كذلك، وإنما الإرادة الذاتيّة في التستر على “ما لا يٌقال” استثمارا أو استغلالا لهذه الإرادة.
القائمة المشتركة الواحدة خضوعا ل-“إرادة الشعب”، كلام حقّ يخبيء في حناياه الكثير من غير الحق. الارادة الشعبيّة هذه كانت في مرات سابقة ولم يخضع لها أحد، فالحقيقيّة إضافة إلى رفع نسبة الحسم، هي الإرادة عند بعض القوائم للتخلّص من التزاماتها تجاه بعض المركبات فيها لأنها تريد أن تتخلص منها أصلا لأنها تراها “علقا” لا فكاك منه إلا القائمة المشتركة. والقائمة المشتركة عند بعض آخر هو التستّر تحت جناح غيرها، أولا لضعف فيها لأفول في نجمها، وثانيا عدم قدرة منها أن تنكشف أمام إرادة شعبيّة حقيقية حين تضطر إلى شراكة هي المتاحة أمامها في حال القائمتين، شراكة أبعد ما تكون عن أطروحاتها الاجتماعيّة على الأقل. وبعض آخر يرى في القائمة المشتركة الواحدة طريقا للدخول إلى الساحة من الباب الخلفي بعد أن تركها من الأماميّ فلا يستطيع إليها سبيلا في قائمتين.
القائد الحق والمثقّف الحق والكادر الحقّ هم ليسوا من يعرفون ما يريد الشعب وفقط، هم الذين يعرفون ما هو مًراد للشعب كذلك، ويستطيعون المزج بين ما يريد الشعب وما هو مراد للشعب وإقناعه بالمضيّ في هذا الطريق، وهذا هو الفرق الكبير بين الشعبويّ منهم والشعبيّ منهم وخصوصا القائد منهم، وإن أردنا لنا مثلا ساطعا من تاريخنا الحديث لفهم هذا الطرح، فلنا في طيّب الذكر توفيق زيّاد المثل.
ليس الواحد منا بحاجة لأن يكون خبيرا انتخابيّا حتى يدرك أن كل المؤشرات تدلّ على أن رأس الحكومة القادمة منوط ب- كحلون وليبرمان، وجلّ ما يستطيع فعله العرب (11 كانوا أو 15) هو أغلاق الطريق أمام نتانياهو إن أوصى كل من كحلون وليبرمان على هرتسوج- ليفني بتشكيل الحكومة، فدعونا من هذا الطرح لأنه يصحّ فيه مثلنا: “شو جابت من عند خالتها؟!”، نتخلص من نتانياهو مانعين ائتلافا برئاسته ونقبض ائتلافا أحد مركباته ليبرمان.
على ضوء كلّ ما تقدّم وإضافة له، وما دامت “إرادة الشعب” تهدف لإدخال أكبر عدد من الأعضاء وتتحقق كذلك في القائمتين، فلماذا لا نعزز الإرادة الشعبية بالأفضليّات الأخرى التي تتحقق بقائمتين لا يمكن أن تحققها قائمة واحدة، والشعب ليس أعمى وطرحه بحاجة لقليل من القطران وسيقبل هذا القطران ؟!
أولا: القوائم موضوع الشراكة ثلاثيّة الفكر اللهم إلا إن قبلنا “الطرح العبقريّ” الذي يتردد وكأن الفكر والموقف ولّى زمانهما وولت الأحزاب حملتُهما أمام المصلحة، ومع ذلك وما دمنا في هذه الانتخابات لسنا في صدد تطبيق “الاشتراكيّة” ولا تطبيق “الإسلام هو الحل” ولا تطبيق “القوميّة العربيّة الجديدة”، يبقى لنا القضايا المطلبيّة الحياتيّة والقوائم في هذه أحاديّة الطرح، وتبقى لنا القضايا الوطنيّة والسياسيّة، محليّا وإقليميّا، والقضايا الاجتماعيّة والقوائم في هذه ثنائيّة الطرح، وهذه كذلك جزء من حياتنا إلا إذا كان هنالك من يريد لنا “الأسرلة” حتى النخاع، والقوائم ليست كذلك لا طرحا ولا ممارسة مع بعض التباين.
ثانيا: في القضيّة المطلبيّة الحياتية، فالقوائم موحدة الطرح بقائمة مشتركة أو دونها، وهذه القوائم موضوع النقاش عملت وتعمل في الكنيست بشراكة مثلى في هذه القضايا، ويكفي لمن لا يعرف، أن نذكر الحقيقة البرلمانيّة التالية، مثالا لا حصرا:
” يحق لكل كتلة من عشرة أعضاء كنيست أو مجموعة كتل من عشرة، أن تطرح اسبوعيّا اقتراح نزع ثقة عن الحكومة. الأحزاب العربيّة حتى تستطيع ذلك تشترك على الموضوع وكل اسبوع تطرح اقتراح كهذا مداورة يتناول القضايا الحياتيّة على الغالب، وكل حزب يتحدث في هذا الموقف باسم كل الأحزاب”.
ثالثا: الانتخابات البرلمانيّة وما دامت غالبيّة قوانا السياسيّة تريدها، هي ليست معركة ظبّ أصوات و- “كيف ما جاءت تيجي” يصير المهم فيها أن ندخل للكنيست أكبر عدد من الأعضاء، علما أن الطرح حول تجميل الديموقراطيّة الإسرائيليّة بدخولنا الكنيست ليس طرحا من المريخ ولا يُستهان به، فالمعركة هي كذلك عمل تثقيفيّ على الشكل الذي نريد أن نكون عليه وجودنا كأقليّة قوميّة، ولذا يجب أن تكون المعركة على الأطروحات أولا وقبل كل شيء.
ففي قضيّة العلاقة مع الدولة واليهود هنالك تمايز بين القوائم، وإن كان طفيفا، لكنه لا يبلغ حدّ الثنائيّة بينها رغم ادعاء البعض أن التمايز أعمق. وفي القضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة هنالك بين القوائم ثنائيّة مواقف، فمنها من هو مع السلطة الفلسطينيّة ودورها ومنها من هو ضدّها. وفي القضايا الإقليميّة هنالك من هو مع “ربيع” تركيا وقطر والسعوديّة وهنالك من هو مع “خريف” المقاومة وفي مقدمها سوريّة، وهنالك “المُوَنّسِين”. وفي القضيّة القوميّة هنالك من هو مع القوميّة ممارسة وهنالك من هو مع القوميّة شعارا خصوصا قوميّة “العربي الجديد”. وفي القضايا الاجتماعيّة بكل جوانبها، الطائفيّة والمذهبيّة والجنسيّة، هنالك من هو مع التنّور وهنالك من هو مع التخلّف ولن يحل ذلك تجميل القائمة بمرشح ينتمي إلى هذه الشريحة أو تلك أو بامرأة تتبنى مضمونا وشكلا كل أوجه التنور.
صحيح أن الثنائية والثلاثيّة أعلاه تتقاطع أحيانا داخل كل حزب وحركة وقائمة، ولكن هذا التقاطع لا يغيّر من الوجه الغالب لهذا الحزب أو هذه الحركة أو هذه القائمة.
هذه الأحاديّة المطلبيّة، وهذه الثنائيّة الوطنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وهذه الثلاثيّة الفكريّة، ليست فقط ديدن القيادات والمحازبين وإنما كذلك الناس المصوّتين، فبغض النظر عن فكر وموقف المرء منها وما يتبنى منها و- “كل على دينه الله يعينه”، تستأهل أن تدور حولها الانتخابات تنافسيّا ويقول فيها شعبنا كلمته ويعبّر عن إرادته فيها وليس في هذا تناقضا لإرادته في الشراكة، وبشكل حضاريّ ليس بالضرورة من خلال الانتقاص من الآخر انتمائيّا شخصيّا وأيّا كان على ألا يشمل ذلك الانتقاص من أطروحاته نقاشا حضاريّا، وهذا مقدور عليه.
أخيرا: لا يستهينَنّ أحد في أهميّة ذلك ليس فقط مبدئيّا حضاريّا تثقيفيّا وإنما إلكتوراليّا انتخابيّا تحفيزيّا لا يقل بتاتا عن المتوخى في هذا السياق من القائمة الواحدة، لا بل يعزّز المتوخى، ولا حاجة عندها لتحييد أحد أو التخلص من أحد أو سدّ الطريق أمام أحد.
وهل هذا ممكن؟!
جدّا !
أعتقد أن هذا الذي يجب أن يُقال وأومن أن فيه غنانا واستغنائنا عن الذي “يُقال ولا يُقال”.
الوقفة الثانية… مع الخميرة.
الخميرة لم تلصُق ولكن علاماتها واضحة يراها حتّى الأعمى لأنه وإن فقد بصره فلم يفقد بصيرته، ومن لا يراها هو فقط المتعامي لأنه أعمى بصر وبصيرة.
الوقفة الثالثة… مع سقوط الشعبويّة.
ضاعت روح الاتفاق أمام نصّ الاتفاق في قضيّة المناوبة، رغم أنه ومنذ أوجد الإنسان الاتفاقات كان يقظا أن النصّ خاضع دائما للروح وهذا الأهم. وروح الاتفاق في سياقنا هي خلق تساوٍ بين الشركاء على مدار الدورة، وهذا يحتّم وصول مرشّح\ة التجمّع، وكل ما يحول دون ذلك فهو خرق فظّ لروح الاتفاق، وهذا بحدّ ذاته نتيجة حتميّة للشراكة شعبويّة الأصل.
الوقفة الأخيرة وفقط لالتقاط الأنفاس… مع التنافس الحضاري اجتماعيا وسياسيّا وفكريّا.
لنقف سويّا عزيزي القارىء مع السؤال الذي سبق، أولا وثانيا وثالثا وأخيرا أعلاه، مضافا إليه: أين ذهبت فعاليّاتنا الوطنيّة التثقيفيّة الميدانيّة غير الانتخابيّة، في موضوع السؤال، ولنفكّر بعيدا في تبعات وإسقاطات هذا علينا كأقليّة عربيّة في هذه البلاد نواجه ما نواجه من تحدّيات… والمناوبة ليست في قائمة هذه التحدّيات؟!
سعيد نفاع