إيطاليون يبتكرون ملابس من “خيوط البرتقال”
تاريخ النشر: 18/09/17 | 17:56يمثل البرتقال أكثر محاصيل الحمضيات شهرة في جزيرة صقلية الإيطالية، والآن، باتت قشور برتقال صقلية وبذوره تُستخدم في مجموعة متنوعة من الأنشطة الاقتصادية، بهدف الاستفادة منه في توليد الطاقة تارة، وابتكار أزياء ذات أنسجة مبتكرة تارة أخرى، وهي كلها أنشطة ذات طابع صحي وصديق للبيئة وفقا لتقرير نشره موقع BBC.
في عام 2011، واتت أنديانا سانتانوشيتو – التي كانت تدرس فن التصميم في ذلك الوقت بمدينة ميلانو الإيطالية – فكرة ابتكار منسوجات مستدامة، من خلال الاستفادة من مواد تتوافر طبيعيا بكميات كبيرة في مسقط رأسها بمدينة كاتانيا – في جزيرة صقلية – ولم يكن يُنتفع بها سوى على نطاق محدود للغاية.
لكن التحدي الذي واجهها حينذاك تمثل في إيجاد وسيلة تحقق الاستفادة القصوى من قشور مئات الآلاف من أطنان البرتقال.
والآن، وبفضل القدرة على التفكير الخلاق التي تتحلى بها تلك الفتاة، بات من الممكن حياكة قطع كاملة من الثياب باستخدام ألياف مستمدة من البرتقال.
واستلهمت سانتانوشيتو المفهوم الذي استندت إليه في هذا الشأن من سؤال تضمنته أطروحتها الجامعية؛ وهو: هل يمكن حياكة وشاح حريري فاخر من مواد تُخلفها عمليات عصر الحمضيات؟ وهي مواد سيتم التخلص منها أو إطعامها للماشية إذا لم يُنتفع بها على هذا النحو.
هذا السؤال له أهمية كبيرة في صقلية، التي تُعصر فيها ثمار الحمضيات بآلاف الأطنان سنويا، تاركة كميات هائلة من البواقي والمخلفات.
تستخدم شركة “أورانج فايبر” مركبات كيميائية، تُعرف بـ”الكواشف”، لفصل سكر السليولوز عن بقايا ثمار البرتقا وفي مختبرات الجامعة التي كانت تدرس فيها، وجدت سانتانوشيتو (39 عاما) الإجابة عن سؤالها، وحصلت على براءة اختراع في هذا الصدد أيضا.
فبجانب ما كان معروفا سلفا من إمكانية استخلاص سكر السليولوز من قشور البرتقال، اكتشفت هذه الفتاة الإيطالية أنه بالإمكان تحويل هذا السكر إلى خيوط، باستخدام مركبات كيميائية تُعرف بـ”الكواشف”، وهو ما يتيح الفرصة أمام صبغ هذه الخيوط المبتكرة ومزجها بأنواع أخرى من الخيوط والأنسجة، مثل القطن وألياف البوليستر.
وفي عام 2014، أسست سانتانوشيتو، وزميلتها في الجامعة إنريكا أرينا، شركةً باسم “أورانج فايبر”، وشرعتا من خلالها في بيع هذه المواد الشبيهة بالحرير للشركات المُصنعة للملابس.
وخلال العام الجاري، طرحت شركة “سالفاتوري فيرّاغامو” ذات العلامة التجارية الشهيرة في مجال الأزياء، ملابس مصنوعةً من هذا النسيج المبتكر، ضمن مجموعتها لثياب الربيع والصيف، وذلك بهدف أن تكون المنتجات الراقية التي تقدمها هذه الشركة، من ملابس نسائية وأوشحة حريرية، ذات طابع مستدام بشكل أكبر.
ومن خلال فريق عمل مكون من 12 شخصا، تدير شركة “أورانج فايبر” أنشطتها من داخل معمل لعصر البرتقال في صقلية، تحصل منه مجانا على مخلفات عملية العصر اللازمة لعملها.
ويتسم نشاط الشركة بطابع موسمي، إذ تعمل خلال تلك الشهور التي تجري فيها عمليات عصر البرتقال. ولكن بجانب هذا، يمكن تخزين ما ينتج عن عملية العصر واستخدامه في وقت لاحق، عبر تحويل قشر هذا النوع من الفاكهة إلى سكر السليولوز.
يقول أنطونيو بيرديكيتسي، وهو أحد أوائل من استثمروا أموالهم في “أورانج فايبر”، إن الشركة بدت واعدة بالنسبة له، لأن نشاطها ليس ذا طابع رقمي، كغالبية الشركات الناشئة المُعتمدة على أفكار مبتكرة في إيطاليا.
وأضاف: “لا تستثمر إيطاليا الكثير على صعيد الابتكار، لكن الأفكار والمهارات المتألقة تربح، بالرغم من نقص الموارد”.
تقود أدريانا وإنريكا فريقا مكونا من 12 شخصا، يعملون في شركة “أورانج فايبر”أما روزاريو فراتشي، أستاذ الإدارة والاقتصاد والأعمال في جامعة كاتانيا فيقول: “تشكل أورانج فايبر نموذجا في المنطقة لوظائف وشركات جديدة، بفضل التحلي بروح الابتكار، وامتلاك مهارات إنجاز مشروعات الأعمال الحرة”.
ولا تقتصر فوائد البرتقال على ما تحدثنا عنه فقط، بل يمكن الانتفاع بهذا النوع من الفواكه في جعل المخبوزات صحية أكثر، وإبقائها طازجة لفترة أطول، وذلك بفضل عملية جديدة يمكن من خلالها تحويل بعض مكونات البرتقال إلى طحين مبتكر، وخال من الدهون.
ولا يزال الأسلوب الجديد يخضع للاختبار في جامعة كاتانيا، لكن النتائج التي يظهرها حتى الآن مشجعة.
ويستهدف ذلك الأسلوب تغيير المكونات التي يستخدمها الخبازون في إعداد منتجاتهم، والتي تتمثل لدى الغالبية العظمى منهم في استخدام مواد غنية بالدهون، مثل الزبد أو السمن الصناعي.
فوفقا لدراسة جديدة، يمكن الاستعاضة عن نصف نسبة الدهون التي تحتوي عليها المخبوزات التي تُعد بشكل تقليدي، عبر إعدادها باستخدام طحين مستخلص من قشور البرتقال وبذوره، وأجزاء من لُب ثماره لا تُستهلك عند عصرها.
وعلى غرار ما يحدث مع العاملين في “أورانج فايبر”، يحصل الباحثون المسؤولون عن اختبار نتائج هذه الدراسة على المواد الخام التي يحتاجون إليها من العاملين في مجال عصر البرتقال في صقلية أيضا.
ويحرص الباحثون على غسل هذه القشور للتخلص من المذاق المر الكامن فيها، قبل أن تجفيف ومعالجة وتبييض ما يتخلف عن ذلك من مواد.
راق النوع الجديد من الطحين للخبازين والقائمين على إعداد المعجنات والفطائر في مدينة اتشيريالي، القريبة من مدينة كاتانيا الإيطالية ويقول سالفاتوري بارباجاللو، أستاذ الزراعة في جامعة كاتانيا، إن هذا الطحين “ذو طابع مستدام بشكل كامل” ولا يُكلف تحضيره أي أموال تقريبا. كما أن استخلاصه من قشور البرتقال “لا يؤثر البتة” على مذاق ورائحة الأطعمة التي يدخل في تكوينها.
وقد أعد الباحثون العاملون مع هذا الرجل 300 كيلوجراما من ذلك النوع الجديد من الطحين، وأقنعوا الخبازين في مدينة اتشيريالي الإيطالية، الواقعة قرب مدينة كاتانيا، بتجربته.
المفارقة أن هؤلاء الأشخاص المعروفون باتخاذ مواقف متحفظة إزاء إدخال مكونات جديدة في منتجاتهم، كانوا جميعا سعداء بنتائج استخدامهم لذاك الطحين، بل لم يجدوا اختلافا يذكر في طعم معجناتهم وفطائرهم التي أعدوها به، مُقارنةً بتلك المُعدة بالطرق التقليدية.
ويقول الباحثون إنهم اكتشفوا استخدامات أخرى لذاك الطحين. فبفضل كونه قابلا للذوبان في السوائل، يمكن إضافته إلى المشروبات، لجعلها أكثر فائدة للصحة. كما يمكن استخدام “الطحين الجديد” من جانب خبراء التغذية، وكذلك للأغراض الطبية والدوائية.
دائما ما استخدم المزارعون في صقلية قشور البرتقال كسماد أو علف للماشية. لكن بمقدور المرء استخدام هذا النوع من الفواكه كمصدر قيم للطاقة كذلك.
ففي بلدة موسوميل التاريخية، الواقعة قرب مدينة كالتانيسيّتا بوسط صقلية، تُستخدم بواقي ثمار البرتقال المعصورة لتوليد الغاز الحيوي المعروف باسم “بيوغاز”، ثم تحويله إلى كهرباء.
وفي العام الماضي، ولّدت مزرعة تحمل اسم “نوفا سكالا” 24 ألف كيلووات من الكهرباء في الساعة، باستخدام قرابة 16430 طنا من قشور البرتقال.
عملية التخلص من بواقي البرتقال المعصور قد تكون مُكلفة ويختلف حجم الكهرباء الناتجة عن استخدام هذه الطريقة، باختلاف كميات البرتقال التي يجري استخدام بواقيها. ويتوقع القائمون على المزرعة أن يتمكنوا من الحصول على ما يصل إلى 22 ألف طن من هذه البواقي، بحلول نهاية العام الجاري.
وبطبيعة الحال، تعتمد كل هذه المشروعات على شركات محلية تعمل في مجال عصر الفواكه، وينجم عن عصرها لتلك الحمضيات آلاف الأطنان من البواقي والمخلفات سنويا.
ويقول سالفاتوري إمبَزي، مالك إحدى هذه الشركات، إن قشور البرتقال وبذوره وغير ذلك من الأجزاء التي لا تؤكل من ثماره تُعرف باسم “باستاتسو”. وأشار إلى أن حصيلة ما يتوافر لدى شركته من هذه المخلفات، نتيجة لأنشطتها في عصر البرتقال، يناهز 40 ألف طن سنويا.
ويضيف الرجل أن الحجم الإجمالي لمثل هذه المخلفات في صقلية بأسرها يبلغ نحو 200 ألف طن. لكن تقديرات غير رسمية تشير إلى أن الحجم الحقيقي قد يكون أكثر من ذلك بكثير.
ولا شك أن لدى الشركات العاملة في مجال عصر الفواكه حافزا لإعادة استخدام الـ”باستاتسو”، في ضوء أن التخلص منه قد يكون مُكلفا. فبحسب إمبَزي، قد يصل إجمالي تكاليف التخلص من مخلفات عصر الفواكه في صقلية كلها إلى 16 مليون يورو سنويا، “ستة منها في صورة تكاليف نقل، أما العشرة الأخرى فهي تكلفة عملية التخلص من المخلفات نفسها”.
ويباع جانب من البرتقال الذي يُزرع في صقلية طازجا دون عصر، بما في ذلك البرتقال الأحمر الذي تشتهر به هذه المنطقة. أما الباقي فيتم عصره.
وفي عام 2016، شمل العصير المُنتج في صقلية نحو 140 ألف طن من الليمون، ومئة ألفا من البرتقال الأصفر، وكمية مماثلة لذلك من البرتقال الأحمر، بجانب 20 ألف طن من اليوسفي الأخضر، و20 ألفا أخرى من اليوسفي الناضج.
وبفضل هذا القدر الوافر من الأفكار “الطازجة المبتكرة”، تحولت ثمار البرتقال المعصورة من مخلفات تكلف أموالا طائلة للتخلص منها، إلى منتجات جديدة مثيرة للاهتمام.