إمرأة تعيش في وحدةٍ قاتلة
تاريخ النشر: 18/09/17 | 17:34تنهض تلك المرأة كعادتها في كل صباح في روتين يومي بدا لها قاتلا.. فهي لم تتزوج لظروف ما.. تعيش في بيئة مقفرة مع عنزاتها على سفح جبل أجرد .. تسرّح عنزاتها في كل صباح إلى الجبال المجاورة كي ترعى .. تشعر في كل يوم بأن شيء ما ينقصها في حياتها.. تريد أن تشعر بعطفِ رجل بعد كل هذه السنين، التي عاشتها وحيدة، لكنها تقول في ذاتها لقد هرمت، فمن سينظر إليّ بهذا السنّ.. ففي كل يوم تحلم بالزواج من رجل تقيا، لكي يعطف عليها، لكنها تقول في ذاتها لقد فاتني قطار الزواج.. تعيش تلك المرأة العانس .. فهي لا تتحدث سوى مع عنزاتها ذات الكلمات، التي ترددها في كل يوم.. ترى كل يوم قرية مجاورة، وتقول في ذاتها لماذا أهل تلك القرية لا يتفقّدوني بشيء، أمعقول أن الناس تغيروا إلى هذه الدرجة؟ فهل المال بات يغيّر الإنسان؟ هذا ما يبدو لي.. تعود مع عنزاتها عند ساعات الظهر بعدما يشبعن من أكلهن العشب.. تأكل ما تبقى من أكلٍ أعدّته يوم أمس.. تعود إلى فراشها لتأخذ قسطا من الراحة.. تصحو بعد الظهر وتخطو إلى صورة أمّها الميتة منذ زمن والمعلقة على حائط بيتها المتصدّع، وتقول هذه الصورة ما تبقى لها في هذه الدنيا، تحدّق في الصورة لدقائق ككل يوم لدقائق وكأنها تسمع صوت أمّها يقول لها إذا شعرت بالوحشة، فما لك يا ابنتي سوى الدعاء إلى الله حتى يحميكِ تحت كنف رجل تقيّ يلتفت إليك في الصراء والضراء. تبتسم المرأة العانس بحزن، وتدمع، وتقول في ذاتها إن شاء الله، وتذهب لتتفقد عنزاتها..
فتلك المرأة العانس تشعر بوحدة قاتلة، لا أحد يؤانسها سوى عنزاتها، التي تقوم بحلبهن كل صباح، لكي تصنع الجبن والسمن وبيعها في سوق المدينة.. تتذكر المرأة العانس بأنها التقت ذات يوم بامرأة متأنقة في سوق المدينة، حينما سألتها تلك المرأة لماذا لم تتزوجي حتى اللحظة؟ تتذكر حينما ردت عليها بأن عمرها اقترب من الخمسين، لكنها ما زلت ترغب بالزواج، لأنها تعيش في وحدة قاتلة ولا تشعر بحضن دافئ طيلة هذه السنوات التي مرت بسرعة، وتقول في ذاتها يا ليت أن يعطف عليّ رجلٌ طيّب، وليس مهما عندي أن يكون غنيا، لكن المهم أن يكون ذي خلق وتقي.. تخرج عنزاتها عند المساء وتسرّحها، وهكذا تعيش تلك المرأة العانس حياتها في وحدة قاتلة، وفي ضجر يومي وتتمنى أن توفق برجلٍ عادي كي يستطيع تعويضها عمّا فاتها من حلاوة الحياة..
بقلم: عطا الله شاهين