من الأسماء العربية الغريبة
تاريخ النشر: 21/09/17 | 2:00يسأل الصديق فوزي ناصر في صفحته الفيسبوكية:
“هل سمعتم عن شعب آخر يسمي أبناءه غضب أو وحش …. مع اعتذاري لأصحاب هذه الأسماء”.
لا أملك أدوات البحث حتى أجيب الصديق، فأقول له مثلاً إن هذا الأمر قائم في غابات أفريقية أو في أقاصي آسيا أو في أستراليا.
لكني أبحث في تاريخنا وفي أدبنا فأجد أن الظاهرة قائمة ومفصودة في كثير من الأسماء القديمة، وقليلاً جدًا في الأسماء الحديثة.
كانت الظاهرة شائعة في التسميات القديمة، فقد ورد في كتاب القَـلَـقَشَندي:
“الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء: كلب، وحنظلة، ومُرّة، وضِرار، وحرب، وما أشبه ذلك؛ وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء: كفلاح ونجاح، ونحوهما. والمعنى في ذلك ما حكي أنه قيل لأبي الدّقيش الكلابي:
لم تسمّون أبناءكم بشرّ الأسماء نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء نحو مرزوق ورباح؟
فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا (يريد أن الأبناء معدّة للأعداء، فاختاروا لهم شرّ الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم فاختاروا لأنفسهم خير الأسماء) .
(القلقشندي: صبح الأعشى، ج1، ص 363).
وفي شرح الزَّرْقاني على المواهب اللدُنّية (ج1، ص 142):
“سئل أعرابي: لم تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو رزق ومرزوق ورباح؟
فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا، يريدون أن الأبناء عدّة للأعداء، وسهام في نحورهم، فاختاروا لهم هذه الأسماء.
وللعرب حكم شتى في اختيار الأسماء، ولهم دلالات غاية في الأهمية، فهم يسمون: أسد وأوس – أي الذئب، وخزرج – أي الريح الباردة، وأسامة، وعنترة، وصخر، وشديد، وجبل، والوَرد وغيرها من الأسماء ذات الدلالة الواضحة للمعاني؛ لأنهم يعتقدون أن الاسم له تأثير في صاحبه، وكما قيل: لكل صاحب اسم من اسمه نصيب.
وكان من عادة العرب أن يختاروا لأبنائهم من الأسماء ما فيه البأس والشدّة ونحو ذلك، كـ “محارب ومقاتل ومزاحم ومدافع” ويختاروا لمواليهم ما فيه من معنى التفاؤل، كـ “فرح ونجاح وسالم” وما أشبهها، ويقولون:
أسماء أبنائنا لأعدائنا، وأسماء موالينا لنا”، وذلك أن الإنسان أكثر ما يدعو في ليله ونهاره مواليَه للاستخدام من دون أبنائه، وهذا هو الغالب في أسماء العرب فيسمون بمعانٍ ممَّا يخالطونه ويجاورونه إما من الحيوان، كأسد ونمر، وإما من النبات كحنظلة، وإما من الحشرات كحية وحنش، وإما من أجزاء الأرض كفِهر وصخر ونحو ذلك.
في كتاب ابن فارس (الصاحبي، ص 94- باب آخر في الأسماء) ورد تعليل آخر لهذه التسميات:
“وأما تسمية العرب أولادها بكلب وقرد ونمر وأسد فذهب علماؤنا إلى أن العرب كانت إذا ولد لأحدهم ابن ذكر سماه بما يراه أو يسمعه مما يتفاءل به.
فإن رأى حجرًا أو سمعه تأول فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر،
وإن رأى ذئبًا تأوّل فيه الفطنة والنُّكر والكسب،
وإن رأى حمارًا تأول فيه طول العمر والوقاحة،
وإن رأى كلبًا تأول فيه الحراسة وبعدَ الصوت والإلف”.
وسأقتبس لكم تنويعات على هذه التسميات مما أورده ابن دريد في كتابه (الاشتقاق – في مقدمة الكتاب، ص 5):
واعلمْ أن للعرب مذاهب في تسمية أبنائها، فمنها ما سمَّوه تفاؤلاً على أعدائهم نحو غالب، وغَلاّب، وظالم، وعارم، ومُنازِل، ومقاتل، ومُعارِك، وثابت، ونحو ذلك.
وسمَّوْا في مثل هذا الباب: مُسهِرًا، ومُؤرِّقا، ومصبِّحا، ومنبِّها، وطارقًا.
ومنها ما سمِّي بالسِّباع ترهيبًا لأعدائهم: نحو: أسد، وليث، وفَرَّاس، وذِئب، وسِيد، وعَمَلَّس، وضِرغام، وما أشبه ذلك.
ومنها ما سمِّي بما غلُظ وخشُن من الشّجَر تفاؤلاً أيضًا نحو: طلحة، وسَمُرة، وسَلَمة، وقَتَادة، وهَراسة، كلُّ ذلك شجرٌ له شوكٌ، وعِضاهٌ.
ومنها ما سمي بما غُلظ من الأرض وخشُن لمسُه وموطِئُه، مثل حَجَر وحُجَير، وصَخْر وفِهر، وجَندل وجَروَل، وحَزْن وحَزْم.
ومنها أن الرجَل كان يخرج من منزله وامرأته تَمخّض فيسمِّي ابنه بأوَّل ما يلقاه من ذلك، نحو: ثعلب وثعلبة، وضبّ وضبّة، وخُزَز، وضُبَيعة، وكلبٍ وكليب، وحمار وقرد وخنزير، وجحش، وكذلك أيضًا تُسمِّى بأول ما يَسنَح أو يبرح لها من الطَّير نحو: غُرابٍ وصُرَد، وما أشبَهَ ذلك.
حدثنا السَّكن بن سعيد الجُرموزيِّ عن العباس بن هاشم الكلبي، عن خراش قال:
خرجَ وائلُ بن قاسطٍ وامرأتُه تَمخَّض وهو يريد أن يرى شيئًا يسمِّي به، فإذا هو ببَكْرٍ قد عَرضَ له فرجَعَ وقد ولدت غلامًا، فسمَّاه بَكرًا، ثم خرج خَرجةً أخرى وهي تمخّض فرأى عنزًا من الظباء فرجع وقد ولدَتْ غلامًا، فسماه عَنْزًا وهو مع خَثعَم بالسَّراة وبالكوفةِ وفِلَسطين، ثم خرج خرجة أخرى فإذا هو بشُخَيصٍ قد ارتفَعَ له ولم يتبيَّنْه نظرًا فسماه الشُّخَيص، وهم أبياتٌ مع بني ثعلبة بن بكرٍ بالكوفة، ومنهم بقيةٌ بالجزيرة.
ثم خرج خرجةً أخرى وهي تمّخض فغَلبَه أن يَرَى شيئًا فسمّاه تَغلِب.
ومن جميل الحكايات ما قرأت في هذا السياق:
“حَدثنِي جَعْفَر بن أحْمَد بن معدان نَا الْحسن بن جهوَر قَالَ، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ:
زَعَمُوا ان مُعَاوِيَة جلس ذَات يَوْم بَين يَدَيْهِ السِّماطان، فَدخل النَّاس واشراف الْعَرَب وَدخل فِيمَن دخل شريك بن الْأَعْوَر الْحَارِثِيّ وافدًا، فَلَمَّا أن اطْمَأَن بِهِ مَجْلِسه نظر إِلَيْهِ مُعَاوِيَة، فَقَالَ مَا اسْمك؟
قَالَ: شريك، فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا لله من شريك، وإنك لأعور، وَالصَّحِيح خير من الْأَعْوَر، وإنك لدميم، والجميل خير من الدميم، فَبِمَ سدت قَوْمك؟
فَقَالَ لَهُ شريك:
وَالله، لقد أحميت أنفي، ولا بد من إجابتك!
فوَاللَّه، إنك لمعاوية، وَمَا مُعَاوِيَة إِلَّا كلبة عوت فاستعوت،
وإنك لابْن صَخْر، والسهل خير من الصخر،
وإنك لِابْنِ حَرْب، وَالسّلم خير من الْحَرْب،
وإنك لِابْنِ أُميَّة، وَمَا أُميَّة إِلَّا أمَة صُغِّرت فاستصغرت، فَبِمَ سدت قَوْمك؟
فَقَالَ يَا غُلَام، أقمه، فَقَامَ شريك، وأنشا يَقُول:
أيشتمني مُعَاوِيَة بن صَخْر *** وسيفي صارم وَمَعِي لساني
وحولي من ذَوي يمن لُيُوث *** ضراغمة تهش إِلَى الطعان
(الضبّي: أخبار الوافدين من الرجال…على معاوية بن أبي سفيان، ج1، ص 47)
وأخيرًا إليكم بعض الأسماء مما سمي بأسماء الحيوان:
أوس (الذئب، ومن معانيها العطاء)
بَكر (الفتيّ من الإبل)
دعد (الحرباء)
عنترة (ذبابة زرقاء)
كلثوم (الفيل)
مازن (بيض النمل)
مُصعب (الفحل من الإبل)
هند (مائة من الإبل)
وثمة أسماء كثيرة غيرها، تجد معانيها في كتاب (الاشتقاق) لابن دُرَيد.
ب. فاروق مواسي