خطبة بعنوان :بدأ غريبا وسيعود غريبا
تاريخ النشر: 04/08/18 | 10:43من غربة الدين ذهاب الصالحين حتى لا يذكر اسم الله عز وجل للحديث:(لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله لله) وللحديث: (يذهب الصالحون الأول فالأول فلا تبقي إلا حثالة كحثالة الشعير والتمر لا يبالهم الله باله) ومن غربة الدين أن يكرم المفسدون ويهان ويحتقرالمصلحون.ومن غربة الدين ضياع مكارم الأخلاق
الحمد لله ذي القوَّةِ القادرَة والحِكمةِ الباهِرَة،لا ينفُذ إلا أمرُه، ولا يمضِي إلا قدَرُه،إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ، ونستهديه ونستغفره ،ونعوذ بالله تعالى من شرورأنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أنَّ محمد عبده ورسوله .”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ “[ آل عمران/ 102]” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا “[ النساء /1 ]” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا “[الأحزاب70-71 ] أما بعد :فإنَّ أصدق الحديث كلام الله تعالى ،و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وشر الأمور محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار،عباد الله : روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء “صدق رسول الله. فما معنى هذه الغربة التي أخبر بها رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ؟ ما أنواعها؟ وما هو واجب المسلم في الغربة؟ الغربة:هي الانفراد والتميز بوصف خاص يخرج العبد عن أبناء جنسه فيكون بينهم غريبا. والغُربة غُربتان غُربة البدن بالبعد عن الأوطان، وفِراق الأهل والأحباب. والغُربة الأخرى هي غُربة الروح والفكر، غُربة الغاية والوِجهة، غُربة العقيدة والسلوك ،وهذه هي الغُربة الحقيقية لأن صاحبها يعيش وحيدًا وإن كان بين جماهير الناس، مستوحشا وإن اجتمعت حوله الجموع. وكثير من الأنبياء ومن سار على دربهم عاشوا الغربة في دعوتهم يقول ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى: إن إبراهيم كان أمة [النحل:120]: وقد سمى إبراهيم أمة لأنه كان وحده مسلما وكل من في الأرض كفار، يقول ابن عباس :(لكيلا يستوحش السالكون حين يجدوا أنفسهم فرادى فيتخذوا من إبراهيم قدوة). وهذا شعيب عليه السلام يحرص قومه على إخراجه وهو الطاهر بينهم: لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أوَلو كنا كارهين [الأعراف:88] ولما بُعث النبي ودعا الناس إلى الإسلام لم يستجب له في بادئ الأمر إلا الواحد بعد الواحد، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يُؤذى غاية الأذى، ويساء إليه بشتى أنواع الإساءة، ويعذب وهو صابر على ذلك في الله عز وجل.كان المسلمون إذ ذاك مُستضعفين، يطردون ويشرَّدون ، ويهربون بدينهم إلى البلاد البعيدة،هاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة،وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [الأنفال:30] ثم دخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجًا، وأظهر الله لهم الدين وأتم عليهم النعمة.ثم توفي رسول الله والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ثم أعمل الشيطان مكائده، وألقى بينهم بأسه، وأفشى فيهم فتنته، فتنة الشهوات والشبهات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئًا فشيئًا، حتى استحكمت مكيدة الشيطان، وأطاعه أكثر الخلق، وكل ذلك مما أخبر النبي بوقوعه. فأما فتنة الشبهات فقد قال : (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة). قيل: من هي يا رسول الله؟ قال:(من كان على ما أنا عليه وأصحابي).وأما فتنة الشهوات فقد قال عنها : (كيف أنتم إذا فُتحت عليكم خزائن فارس والروم؟! أي قوم أنتم؟!)، فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما قال ربنا، فقال : (أو غير ذلك، تتنافسون، ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون)، وقال : (والله، ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم).ولما فتحت كنوز كسرى على عمر بن الخطاب بكى رضي الله عنه وقال: (إن هذا لم يفتح على قوم إلا جُعِل بأسُهم بينهم).عباد الله، لما دخل أكثر الناس في هاتين الفتنتين أو إحداهما،فتنة الشبهات وفتنة الشهوات، أصبحوا متقاطعين متباغضين، بعد أن كانوا إخوانًا متحابين متواصلين؛ فتنة الشهوات عمَّت غالب الخلق، فافتتنوا بالدنيا وزخرفها، وصارت غاية قصدهم، لها يطلبون وبها يرضون ولها يعادون وعليها يوالون، فقطعوا لذلك أرحامهم، وسفكوا دماءهم، واتبعوا أهواءهم.وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرَّق أهل القبلة وصاروا شيعًا وأحزابا، وكفَّر بعضهم بعضًا، بعد أن كانوا إخوانًا، ولن ينجو من هذه الفرق إلا الفرقة الناجية، الذين قال فيهم :(لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).وهم الغرباء في آخر الزمان، الذين قال فيهم : (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء)فرجع الأمر كما كان الداخلون إلى الإسلام في أول الأمر. إنها سنة الله وحكمته التي جرت أن يكون أتباع الحق هم القليلون غالبا، ودعاة الضلالة هم الكثيرون،قال تعالى: لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون [المائدة:100] فالحق تبارك وتعالى يحذرنا من أن نغتر بكثرة الهالكين أو نستوحش لقلة السالكين.فنحس أحيانا بأننا غرباء ولو بين أهلينا ،ولو في أوطاننا التي تقول أنها مسلمة .هذه هي الغربة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحابها فطوبى للغرباء.ومعنى الطوبى: الفرحة وقرة العين والغبطة والسرور ، التي تنتهي بالجنة. طوبى للغرباء، في حديث عبد الله بن عمرو، قيل: مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: “أناس صالحون قليل في ناس سوء كثير، مَن يعصيهم أكثر ممَّن يطيعهم” وجاء في حديث آخر رواه الإمام أحمد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أحب شيء إلى الله الغرباء” قيل: ومَن الغرباء؟ قال: “الفارُّون بدينهم، يجتمعون إلى عيسى بن مريم عليه السلام يوم القيامة، وفي رواية أخرى من حديث آخر، مَن الغرباء يا رسول الله؟ قال: “الذين يحيون سُنتي، ويُعلِّمونها الناس” . الغربة العظيمة ،الغربة الخطيرة،هي غربة الدين: قرأ رسول الله قوله تعالى: ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فقال: (وسيخرجون أفواجا كما دخلوا) أيها الإخوة المسلمون ،إن من غربة الدين غربة الفهم الشامل للإسلام فالكثير من المسلمين أصبح الإسلام في نظرهم هو الصلاة والصيام والحج فقط، ولا بأس عليه بعد ذلك أن تكون معاملاته مبنية على الحرام والمظالم . وأفكاره هدامة جاهلية يأخذها من الشرق والغرب ويخلطها بتعاليم الإسلام ويدعي أن هذا هو الإسلام العصري الذي يتماشى مع الحضارة والتقدم.إنها الجاهلية في ثوبها الجديد. المطلوب من المسلم أن يأخذ الإسلام كله.منهج متكامل ينظم حركة العبد من يوم مولده إلى أن يلقى الله ،فيما يتعلق بينه وبين ربه أو يخص نفسه أو يتعلق بالناس،بل في كافة شؤون الحياة، خذوا الإسلام جملة أو دعوه،جاء بشير بن الخصاصية يسأل عن الإسلام حتى يبايع عليه، فقال له الرسول :(الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والجهاد، فقال: يا رسول الله كلها أطيق إلا الصدقة والجهاد فقبض رسول الله عن البيعة وقال: يا بشير لا صدقة ولا جهاد فبم تدخل الجنة؟ فقال: يا رسول الله مد يدك أبايعك عليهن فمد رسول الله يده) ومن غربة الدين أيضا أيها الإخوة، أن يتنازل عنه العبد لأجل أي متاع حقير للحديث:(لا تذهب الليالي والأيام حتى يقوم القائم فيقول: من يبيع دينه بكف من الدراهم؟) من غربة الدين ذهاب الصالحين حتى لا يذكر اسم الله عز وجل للحديث:(لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله لله) وللحديث: (يذهب الصالحون الأول فالأول فلا تبقي إلا حثالة كحثالة الشعير والتمر لا يبالهم الله باله) ومن غربة الدين أن يكرم المفسدون ويهان ويحتقرا لمصلحون.ومن غربة الدين ضياع مكارم الأخلاق:هناك قيم بثها الله في نفوس خلقه منذ خلق السماوات الأرض ،الصدق والكرم والوفاء والحياء فضائل والغدر والكذب والظلم رذائل ولكن من علامات الساعة، أن تختل تلك القيم،أن تنقلب الموازين، للحديث: (يأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدق فيه الكاذب ويكذب فيه الصادق ويؤتمن فيه الخائن ويخون فيه الأمين) لقد أصبحنا في وقت لا تأمن فيه من ولدك من أن يقابل إحسانك بالنكران فضلا عن الصديق إلا من رحم ربي ولا حول ولا قوة إلا بالله. ومن غربة الدين ندرة أهل الأمانة، للحديث:(يصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجل أمين). ومن غربة الدين إشاعة الزنا والفواحش حتى تصبح عرفا جاري به العمل، للحديث: (لا تقوم الساعة حتى تسافدوا في الطريق تسافد الحمير) وإعلامنا اليوم يشجع هذا المنكر ويتفنن في اختيارالمسلسلات والأفلام الخليعة الفاضحة يتفرج عليها الأب والأم والجد والجدة والشاب والشابة حت الصغار،بلا إنكارولا رقيب بل هو الفن، وتكرار النظر والسماح للمعصية والسكوت عنها يذهب ما فيها من البشاعة والقبح فتصبح أمرا مألوفا لا تنكره النفوس لخستها .فيا لغربة المسلمين..قال الحسن: “المؤمن في الدنيا كالغريب لا يجزع من ذلها، ولا ينافس في عزها، له شأن وللناس شأن”. العلماء الحقيقيون غرباء بين أهل الجهل والشقاق،وأهل الصلاح غرباء بين الفساق، والصادقون غرباء بين أهل الرياء والنفاق،أهل الآخرة غرباء بين أهل الدنيا. هؤلاء ـ عباد الله ـ هم أهل الغربة، وهم الفارون بدينهم من الفتن. من كلام الإمام الزاهد أحمد بن عاصم الأنطاكي واعظ دمشق رحمه الله: “إني أدركت من الأزمنة زمانًا عاد فيه الإسلام غريبًا كما بدأ، وعاد وصف الحق فيه غريبًا كما بدأ؛ إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتونًا بحب الدنيا، يحب التعظيم والرئاسة، وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته، صريع إبليس عدوه، قد صعد به إلى أعلى درجة العبادة وهو جاهل بأدناها، فكيف له بأعلاها؟! وسائر ذلك من الرعاع قبيح أعوج، وذئاب مختلعة، وسباع ضارية، وثعالب صائلة”. فهذا وصف أهل زمانه، فكيف لو رأى ما حدث في زماننا من الدواهي والعظائم التي لم تخطر بباله، ولم تدر في خياله؟! علماء يسكتون عن الحق ، شيوخ خاصة بالفتاوى التي ترضي الحكام ،مقابل مناصب وشيكات. جرّؤوا الناس على المشتبهات، (ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)، ووافق ذلك هوى في قلوب بعض المسلمين، فأصبح كل جاهل يدعو إلى شبهته وهواه، وينسب ذلك إلى شيخ في قناة، والإمام مالك رحمه الله يقول: “إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم”.أسأل الله لي ولكم الثبات والاستقامة على دينه، إنه على كل شيء قدير. وبالإجابة جدير. ادعوا الله عسى أن تكون ساعة استجابة.
الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد،عباد الله: إن تمسك المسلم بدينه أيها الإخوة حينما يرى الناس قد بعدوا عنه، وانحرفوا عن منهجه، له فضل كبير وأجر عظيم، فقد أخبر الصادق المصدوق:{ أن الصابر على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر، وأن له أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، أمِنا أو منهم؟ قال: (بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً، وهم لا يجدون على الحق أعوانا) ولهذا على المسلم الحق ولا سيما في بلاد الغربة أن يتمسك بدينه ويسأل الله الثبات على دينه، فما عرفت من الحق، ما عرفت من الهدى فتمسك به، ودم عليه واثبت عليه ولا تخف ما يقال وما يرى، فإن كثيراً من الناس اغتروا بالآراء الباطلة، وتأثرت بها نفوسهم، وتشربتها قلوبهم. في حديث القاسم عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن الله عز وجل: “إن أغبط أوليائي عندي لمُؤمن خفيف الحال، ذو حظٍّ من صلاة، أحسن عبادة ربه، وكان رزقه كَفافا، وكان مع ذلك غامضا في الناس، لا يُشار إليه بالأصابع ـ يعني ليس مشهورا ولا معروفا- وصبر على ذلك حتى لقيَ الله، ثم حلَّت منيتُه، وقلَّ تراثه، وقلَّت بواكيه ” ومن هؤلاء الغرباء، ما رواه أنس في حديثه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: “رُبَّ أشعث أغبر ذي طمرين لا يُؤبه له، لو أقسم على الله لأبرَّه” لا يؤبه له … إن استأذن لم يُؤذَن له، وإن شفع لم يُشفَّع، وإن قيل لم يُسمَع، لأنه ليس من ذوي الجاه ولا المنزلة ولا أصحاب المناصب،لأنه غريب . وواجبك أيها المسلم في هذه الحالة،إن كنت مسلما حقا ،أن تعتز بغربته فإنها محمودة، تشابه فيها الأنبياء، الزم جماعة المسلمين ولا تنخدع بالمظاهر البراقة أو أفعال الجاهلية، فإنما هي دنيا،وفي الحديث: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ،(مالي وللدنيا إنما أنا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها). وللحديث:(سيظهر شرار أمتي على خيارها حتى يتخفى المؤمن كما يتخفى المنافق فينا اليوم) لكن ليس معنى هذا -أيها الإخوة – أن نيأس من ظهور وانتصار الإسلام، كما يُريد بعض الناس أن يفهموا من هذا الحديث .اليأس ,ان الأمر قد انتهى.لا، على كل مسلم أن يُحاول أن يكون من هؤلاء الغرباء، أن يُكثِّر منهم حتى تزول غربتهم ووحشتهم، وقد جاء أن للإسلام دولة قبل الساعة، وأن الله ناصر دينه. يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33. } والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: “إن مثل أمتي مثل المطر، لا يُدري أوله خير أو آخره”، وقال: “لن يخزي الله أمة أنا أولها، والمسيح آخرها.فاستمسكوا أيها المؤمنون بإيمانكم، وعضُّوا عليه بالنواجذ،علموا أولادكم تعاليم الإسلام واغرسوا في قلوبهم حب الله ورسوله ولا يُهمنا بعد ذلك موقف الناس منا، حسبنا أن الله معنا، وأن الله ولينا … {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ} [محمد11.}
أسأل الله سبحانه أن يوفقنا لنكون من هؤلاء الصفوة الغرباء فنفوز مع الفائزين .اللهم اهدنا لصالح الأقوال والأفعال، وجنبنا مواطن الزيغ والضلال، وانصرنا بدينك وانصر بنا دينك. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلح لي دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرّ.اللهم ليّن ألسنتا بذكرك وشكرك، وأصلح قلوبنا بهدايتك، واغفر لنا بحِلمك، وارحمنا بعفوك وفضلك، إنك غفور رحيم. اللهم اجعل خير عمرنا آخره وخير عملنا خواتمه وخير أيامنا يوم نلقاك.اللهم انصر دينك وكتابك وسنة رسولك وعبادك المؤمنين.اللهم هيئ لهذه الأمة من أمرها رشدا ،اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم اجمع كلمة هذه الأمة على الهدى وقلوبها على التقى وأنفسها على المحبة وعزائمها على عمل الخير وخير العمل، اللهم انصرنا على أعدائك أعداء الإسلام، اللهم رد عنا كيدهم وفل حدهم وأذهب عن أرضك سلطانهم ولا تجعل لهم سبيلاً على أحد من عبادك المؤمنين.اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واخلفنا بركنك الذي لا يرام، ولا تهلكنا وأنت رجاؤنا،اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إِنك أنت التَّوَّاب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك قابلين لها وأتممها علينا. ” ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.” ” ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في امرنا وثبت اقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.” اللهم احشرنا يوم القيامة في زمرة نبينا محمد وتحت لواء نبينا محمد آمين و صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
( مسجد الرحمن / دبيلت – هولندا )