الإحتفال بتوقيع كتاب “الضّحك المُرّ” في جنين
تاريخ النشر: 30/09/17 | 14:22حفلُ توقيع كتاب “الضّحك المُرّ” للكاتبة فاطمة يوسف ذياب؛ نظّمته وزارة الثقافة في جنين، بالتعاون مع منتدى الأديبات الفلسطينيّات، وصالون يمام الثقافيّ، في قاعة مكتب وزارة الثقافة جنين، وبحضور نخبويّ مِن أدباء وشعراء وأصدقاء ومهتمّين بالشّأن الثقافيّ من محافظة جنين، وقد تولّى عرافة الندوة سائد أبو عبيد مُمثّلًا عن صالون يمام الثقافيّ، بعد الوقوف إجلالا وعلى وقع النشيد الوطني الفلسطينيّ.رحّبت آمال غزال مديرة مديريّة وزارة الثقافة بالضّيوف والحضور، وتحدّثت عن دوْر وأهمّيّة مشاركة الأجسام الثقافيّة في المشهد والفعل الثقافيّ البنّاء، تلتها كلمة الزجّالة عائدة أبو فرحة رئيسة منتدى الأديبات الفلسطينيّات عن موضوعات الكتاب الساخرة التي تعالج قضايا اجتماعيّة، ومشاركة العميد أمين سويطي بقصيدة للمرأة الوطن، مُشيدًا بدوْرها الوطنيّ الثقافيّ النضاليّ، ثمّ تحدّثت د. عبلة الفاري عن الكتاب بلغته السلسة وموضوعاته المطروحة الملامسة للواقع.وتحدّثت آمال عوّاد رضوان عن فاطمة ذياب كإنسانة، لامست وعالجت تفاصيل المجتمع اليوميّة وقضايا شائكة في كتاباتها، وكأديبة روائيّة كانت أوّل كاتبة للقصّة في سنوات السبعين، ثمّ تدرّجت إلى قصّة الأطفال والمسرحيّة في تناول قضية الميراث الشائكة، ومن ثمّ الرواية، وقد حاورت الكاتبة فاطمة في بعض نقاط محوريّة في كتابها الأخير.تلتها مداخلة قيمة للدكتور فيصل غوادرة رئيس المجلس الاستشاريّ الثقافيّ وأستاذ النقد الأدبيّ في جامعة القدس المفتوحة، حول سيميائيّة الغلاف والعنوان، وأهمّيّة الدراسة الجادّة للكتاب وموضوعاته المتنوّعة، لِما في متنه من تراث وتاريخ وسرد ممتع.وتحدّث نائب محافظة جنين كمال أبو الرّبّ عن دوْر الثقافة في جنين، وأهمّيّة النشاطات الثقافيّة في احتضان الأدباء والمثقفين، لمواصلة النضال وتوطيد وتأكيد الترابط بين أبناء الشعب الواحد، وكانت مداخلات عديدة من الحضور، انتهت بتوقيع كتاب الضحك المر والتقاط الصّور التذكاريّة!
كلمة العريف سائد أبو عبيد: *هذا النشيدُ الّذي يحملُ شوْقَنا الوطنيّ وحُلمنا الذي لا بدّ أن ينتصر، هذا النشيدُ ينبضُ في قلوبنا عشقًا لا ينتهي..
*آمال غزال القائمة باعمال مديريّة ثقافة جنين: الأصواتُ التي خلدتْ إلى مخدّة الحلم استيقظت باكرًا كالعصافير، لتكتبَ القصيدة، وقطفتْ مِن الذاكرةِ حنطة الأشواق، كي تُطعِمَ النّهارَ خبزة الفرح. الأصواتُ التي ترنُّ في أجران الضحكة، الأصواتُ أغنياتُ شهيدةٍ شاهدةٍ على جرحنا الذي ما زال أخضر. الأصواتُ التي تثقبُ هذا الجدارَ غزالةٌ كنعانيّة، تكتبُ بشقائق النعمان ترتيلة عنات الصابرة الآملة بغدٍ أنصعَ من بياض الياسمين. الأصواتُ حكاياتُنا التي تمرّ ولا تمرّ إلى نسيان تخلد في نبرة المؤذن خمسًا من الصلوات، وتخلدَ رنينًا مسيحيًّا لا تصلبُهُ الأخشابُ إلى عدم.
*عائدة أبو فرحة رئيسة منتدى الأديبات الفلسطينيّ: يربطن في زنانيرِهِنّ أنجمًا، ليُضئنَ الأعراس، يصعدنَ قطفة عوسج تشذي الصدر والقلب، يبتسمن رغم البكاء في زفاف البدر، ويبكين مِن شدّة الفرح في استقبال القمر الصاعد من خلف القيود، يخرجن في الزمان الأخير ثائرات، يربطن على عين ضعفهنّ كمشة ورد، كي ينبلجَ البستانُ من قفر الحياة معجزة إلهيّة.
*د عبلة الفاري: تنتصرُ بالفرح وتمشي على رؤوس أصابعِها المُخضّبة بالحنّاء، كي لا تقلق الذاكرةُ بخطى الريح. تتجرّدُ مِن أثقالها، وتخرجُ شفيفة كحُلم ورديّ في عين عاشقة، تُطلُّ حالمة مُعانقة القمر، رغم كثافة الغيم والغمام، فتنتصرُ زهرةً ضوئيّة.
*الشاعر أمين السويطي أبو قصي: يكتب قصائده جميلا جزيلا بالحب ويصعد دائما بفواح قلبه يصر على البقاء حرفا شذيا يحضر بلا قلق وتنهض عصافيرا فصائده واشعاره
*آمال عوّاد رضوان عصفورةُ الشّعر، ولو لم نسكنْ في كوخٍ واحدٍ وفي شُرفةٍ واحدةٍ، تُطلُّ من بيتٍ مَهدومٍ في بلادِنا العتيقة، ولو لم نَلمَسْ ماءَ البحرِ معًا ذاتَ مساءٍ بسبب هذا الحاجز، نحن لا نشعرُ بالموتِ، ولو قضّ الموتُ أكتافَ الجبلِ فينا، نحنُ نلجُ كثيرًا معَ الحُبّ إلى الحُبّ في روح هذه الأرض، فتجمعُنا يمامًا على سروِ حيفا، فيبتسمُ الكرملُ ببصمةِ وجهِنا المُنير. أيّتها الآتية مِن هناك، مِن عُمقِ العطر، اسْقِنا ماءً باردًا من جَداولِ الأرضِ المُمتدّةِ ضفيرةً، وأعطِنا قلائدَ الجدّاتِ كي نُضاءَ بُرتقالًا يافويّا..
*الكاتبة فاطمة ذياب: ولست لأي فاطمةَ أغني/ ولا ألقِ التحايا والسلاما/ ولكن للتي ضحكت بعيني/ بليل الحزنِ اهديها الخزاما/ أرى نداهةً لليل تجثو/ على حبرٍ فتشعله اضطراما/ وفاطمةُ بنايِ الحلم تأتي/ وتحمل في خوابيها وئاما/ تساؤلُ في نزاعِ الذاتِ عنها/ وتصعدُ من أمانيها حماما/ بعين حنينها ماضٍ ينادي/ وتحملُ عن مخدتهِ هَياما/ فأول ما نطقت زرعتِ حُبًّا/ خميلتها تضوعُ لنا كلاما/ وضوءُ الحبرِ في عينيكِ بادٍ/ جعلتِ له طوافًا مستداما/ بنيتِ بشهقةِ المفؤودِ شوقًا/ وقددتِ الظلامَ بدا جذاما/ وفاطمةُ بآيِ الحبِ تصحو/ وتبني من رياحينٍ مقاما/ ألا ظلي بهذا الطهرِ صلي/ فمن طهرت جوانبه استقاما/ ولست لأيّ فاطمةَ أغنّي/ ولا نثر الفؤادُ لها ابتسامًا
الدكتور فيصل غوادرة: حينما يعرج متفائلا مبتسما يعني ان المواسم في مرج ابن عامر ما زالت ضاحكة، يروي بكلامه قلوبنا العطشة بشهد المعنى، له يفيض نهر اللغة حتى يملأ جنباته فيأتي قطافا معلقة تشرئب له الارواح والذوات، يدهشنا بما رأه من خلف ستار الحبر فيقبض روح الكلمة ليزرعها في حياضنا
كمال أبو الرب نائب محافظ محافظة جنين؛ هذا الألق المتّسق المبتسم، يحضر جزيلا بفضيلته، صادقا في حبه، جاء مؤمنًا ان في الشعراء ارواحا تصهل على حواف الدجى لفجر أبيض.
آمال غزال مديرة مديريّة وزارة الثقافة: في حضرة الأدب والأدباء، في حضرة الأحبة الصديقات من الداخل الفلسطينيّ: الشاعرة الأديبة آمال عوّاد رضوان، والأديبة فاطمة يوسف ذياب، في حضرتكم جميعًا كلّا باسمه إخوانًا وأحبّة ومُقرّبين، يحلو الكلامُ ويعمّ السلام.
بداية، لا بدّ لي أن أشكركم على هذا الحضور المميّز الذي أسعدني وشرّفني إخواني، في الأجهزة الأمنيّة العميد الشاعر أمين سويطي رئيس جهاز الأمن الوقائيّ في محافظة جنين والوفد المرافق، والأخ كمال أبو الرب نائب محافظ محافظة جنين والوفد المرافق، وإخواني الشعراء والأدباء من محافظات الوطن، ورئيس وأعضاء المجلس الاستشاريّ الثقافيّ والأسرة الثقافيّة في محافظة جنين، من شعراء وأدباء ومراكز ثقافيّة أساتذه ونقاد ومهتمّين، فأهلًا وسهلًا بكم في بيتكم وزارة الثقافة نزلتم أهلًا وحللتم حُبّا.
الحضور الكريم، لا بدّ أن أنوّه إلى أهمّيّة إشراك الأجسام والعناوين الثقافيّة في الأنشطة والفعاليّات، وذلك من منطلق إيماني بأن لا تبقى هذه العناوين اسمًا على ورق، بل لتأخذ دورها القياديّ الحقيقيّ، في رسم مشهد ثقافيّ أرقى وأفضل، فالنهوض بالواقع الثقافيّ ليس دوْر وزارة الثقافة فحسب، بل دوْر كلّ إنسان مثقّف مُنتمٍ وغيورٍ على المصلحة العامّة والثقافة خاصّة، ففي تظافُر الجهود وفي البحث عن المبدعين في كافة المجالات، أدبيّةً كانت أم فنّيّة أم تراثيّة، فمحافظة جنين والوطن زاخرٌ بهذه الإبداعات والمبدعين، ويبقى علينا تنظيمها، لتصبح ثِقلَ مُنافس عربيّا ودوليّا وعالميّا.أعزائي، نجتمع اليوم ولا أعلم، هل لنحتفل بكتاب (الضّحك المُرّ) الذي أتقنت فيه الكاتبة فاطمة ذياب العزف على أوتار دبدوبتها، أم لنبكي على جراحنا وجراح مجتمع بأسره، دغدغته دبدوبة بأقدامها التي تتقن الرقص على حبال المقالات الساخرة، والمُتهكّمة على واقع مزدوج يُعاني انفصامًا تعدّديّا، لتُسلّط فيه الضوء على ممارسات اجتماعيّة ذكوريّة، لتقول دبدوبة كلمتها من خلال صور وأحداث، أثبتت فيها أنّ المرأة إذا حُشرت بزاوية، فهي لا تلبث أن تثب بأظافرها أو بقلمها أو بأكثر من ذلك، كفعل مقاومة ورفض وتمرّد للخروج عن الصمت والاستسلام، فدبدوبة كما ندّاهة الليل في كتاب (الضحك المُرّ)، تسلبُ عقولنا وتأخذنا إلى عوالمها بلغةٍ سهلة سلسة، بعيدة عن التعقيد قريبة إلى لغة وفكر الأغلبيّة من العامّة، فأقول:أعيدي للشمس أنوثتها../ عودي/ بألف لونٍ وغصة/ عودي/ بألف نكهة وقصة/ عودي/ وانبشي في عمق العمق حزني/ عودي/ وزيّني من جرح السنديان نعشي/ عودي../ فقد غاب النبض/ الخطاب/ غاب العيش/ اللباب/ غاب الأسد/ الغظنفر/ عودي../ وأعيدي/ لدنس حروفنا/ البكارة/ لوهج انتظارنا/ اشتعاله/ عودي../ سأكتبك بحبري السري/ لأقرأ بالعلَن همسي/ سأضمّد جرحك/ لتسيل من بين أصابعي نفسي/ وهذا الليل../ وهذا الليل يؤجل شهوة الصبح../ فلا تأتي.
مداخلة أ.د.فيصل حسين غوادرة في كتاب “الضحك المرّ للكاتبة: فاطمة يوسف ذياب: إنّ هذا الكتاب (وبكلّ تواضع) أستطيع أن أكتب حوله كتابًا كاملًا في النقد، نظرًا لغناه الموضوعيّ والأدبيّ والفنّيّ والتأويليّ!
*سيميائية الغلاف: للغلاف سيمياؤه الخاصّة به، وغالبًا ما يبحث المتلقّي عن العنوان في الصورة التشكيليّة للغلاف، ويعمل على مقارنة نصّ العنوان ومدى توافقه أو اختلافه مع الغلاف، وتشكيلة الصورة الغلافيّة تحتاج إلى مَن يُفجّر سيمياءَها، للوقوف بدرجة أكثرَ على شعريّة ألوانها والقضايا التي قد تخفيها تدرجّاتُها اللونيّة، التي قد تمنح المتلقّي الولوج إلى عوالم خياليّة متعددة، والعتبة الأولى من عتبات النقد لأيّ كتاب، تبدأ من الغلاف والعنوان، فمن خلال صورة الغلاف نتعرّف على الدلالة الحقيقيّة والمجازيّة في الشكل البصريّ المتيقّن، والشكل الذهنيّ المُتخيّل، ويبقى للّون علامة بصريّة لها مكانتها في تكثيف دلالة النصّ المعروض، بما تُثيره في نفسيّة المتلقّي، ممّا يُضفي إثارة وجدانيّة تختزن في الذاكرة، إلى جانب الأبعاد الرمزيّة والدلاليّة لهذه الألوان.
وإنّي أجد غلاف الكتاب الذي بين أيدينا يحتوي مزيجًا من اللون الأخضر الّذي غطّى معظم مساحة صفحة الغلاف، ويُعدّ اللون الأخضر من الألوان الباردة التي تدلّ على النماء والخصب والرزق، وهو لون الحياة والانبعاث والأمل، ولون النعميم في الآخرة، وهو كذلك لون الغضاضة وعدم النضج، رغم أنّ درجة الخضرة في لون الغلاف الذي بين أيدينا ليست بالخُضرة الحيّة النابضة بالحركة والنشاط والنماء، فإنّي أرى أنّها أضعف درجات الخضرة وأقلها نماءً وحيويّة، بل ميلها إلى الجمود واللاحركة أكثر، فهي باهتة، زادتها غموضًا وجمودًا زرقة رأس طفلة شعرها غير مرتب (لعلّها دبدوبة) وعدم ابتسامتها، إضافة إلى الطيور السود، ولعلّها غرابيب سود، تزيد الوضع العام للوحة الغلاف ميلًا إلى التشاؤم والبعد عن الحركة والفاعليّة والإيجابيّة، ولربّما كانت الحبال- الخيوط- المتصلة بالطيور هي الأوتار الدبدوبيّة، التي تعزف المؤلفة عليها ما تريد تسجيله في متن هذا الكتاب، ودبدوبة هي بطلة الكاتبة التي جرّدتها من شخصيّتها، والأزرق عادة مُشابه للون السماء، ويرمز إلى العلّوّ والرفعة، وهو من ألوان البرودة والماء والسماء، يميل فيها الإنسان إلى السكينة والتأمل: ثمّ يأتي اللون الأسود كمكوّن من مكوّنات الغلاف، والذي دوّن به العنوان والمؤلفة والفتاة التي تطيّر طيورًا ارتبطت بخيوط قد تكون حقيقيّة، وقد تكون وهميّة، رسم مجراها الفنان راسم صورة الغلاف، والطيور في مسارها اتخذت مسارًا حادّ الزوايا، مع تشابه في شكل الطيور، ونلحظ كذلك اللون الأبيض الذي وجد على شكل غيمتيْن؛ إحداها السفلى كتب فيها اسم المؤلفة، والثانية وَضعت الفتاة إحدى قدميها فيها، والقدم الأخرى في الفضاء، وكأنّ القدمين في فضاء، وعادة ما يرمز اللون الأبيض إلى الصفاء والنقاء والبساطة والطهر، والأسود قد يشير إلى الغموض والظلام والحقد واختلاط الأمور.والذي يفترض أن تتقاطع صورة الغلاف وسيمياؤها مع سيمياء العنوان مع متن المؤلَّف، فالصورة تعني تحويل التجربة الكتابية داخل المؤلف إلى تجربة بصريّة شاملة.
أمّا صورة الطيور المتّصلة بالفتاة، فنجد أنّها تطير نحو اليمين بزاوية حادّة تكاد تقترب من (45°) في أغلبها، وهذه الدرجة تفيد عند البعض التعب والإرهاق، ولكنّني أجدها في الذاكرة الشعبيّة تفيد التفاؤل؛ لأنّ اليمن والخير يحصلان عندما تتّجه نحو اليمين، وكان العربيّ إذا أطار طيرًا، واتّجه نحو اليمين تفاءل ونفّذ سفره، وإذا اتّجه نحو اليسار تشاءم وألغى سفره، وجاءت هذه الطيور كلها مُحلقة تميل نحو الارتفاع والعلّو، وفي ذلك منحى إيجابيّ لدى الكاتبة التي تسعى إلى الارتقاء والعلّوّ بكل أفكارها التي طرحتها، وإن مالت في بعضها إلى التشاؤم، ولذلك جاء العنوان يحمل صفة التشاؤم والتراجع في إحدى طرفيْه (المُرّ)، أمّا عدم ظهور ملامح الفتاة- خاصّة وجهها- وجعلها تتّشح بالسواد في كلّ مظهرها، فهذا مظهر تشاؤميّ يدلّ على الإيهام وعدم الوضوح ويتماهى مع العنوان، والدلالات التشاؤميّة الأخرى للصورة، التي حاول مخرجها أن يجعل منها لوحة باردة خاملة شبه ميتة، لا حيويّة أو حركة فيها، فمزيج الألوان- رغم دلالة بعضها على شيء من التفاؤل والإيجابيّة- فهو يوحي بالجمود، فالطفلة يبدو- وإن كانت دبدوبة- عليها الإرهاق والتعب الشديدان، وهذا ما حاولت الطيور السوداء والفتاة السوداء في ملامحها ومظهرها تسجيله، إضافة إلى اللوحة العامّة، ولعلّ الفتاة السوداء هي صاحبة الرأس الأزرق نفسها، وهي دبدوبة ذاتها، الأمر كله في النهاية مهّد لظهور العنوان (الضحك المرّ) الذي يتناسب مع المظهر العامّ والشكل العامّ لصورة الغلاف.
ولعلّني أجد في ظلال غلاف هذا الكتاب مُنبّهًا وحافزًا فعّالًا وجاذبًا في التعرّف عمّا يحمله متن هذا الكتاب، رغم السلبيّة والتشاؤميّة التي حملتها صورة الغلاف، فقد بقي أن نعرف بل ونفهم لماذا جاء العنوان وسيمياؤه على هذه الشاكلة، لأنه يبقى للغلاف دلالته الإشاريّة وقابليّته للتأويل في مدى استغلاله لطاقات المتلقي الذهنيّة والتذوقيّة؛ لذا لما كان الغلاف قناة تواصلية هامّة تحاجج عن النصّ وتجادل عنه، مستحضرة ثقافة القارئ البصريّة وكفاءته التأويليّة، فقد جاءت مقاربتنا هنا لتضيء جزءًا من هوامش النصّ، من خلال توجيه العناية إلى النصّ الأدبيّ في مستواه الطباعيّ، والوقوف على عتباته المُفضِية إلى مدخلاته وتأويلاته.
سيمياء العنوان: يبدو أن كتابة العنوان في الثلث السفلي من الغلاف باللون الأسود، يضيف لبنة جديدة إلى معمارية الدلالة وتوجيه الفعل القرائي نحو أفق جديد، فيتعدى كونه مجرد فضاء لوني إلى موضوع دلالي، مشبع بأبحاث رمزية لها خلفية فلسفية عميقة كما يشير إلى ذلك “رولان بارت” من أن اللون في حد ذاته لغة ناطقة، وللعنوان سيمياؤه التي تعد مع العلّامات الأخرى من الأقسام النادرة في النص التي تظهر على الغلاف، وهو نص موازٍ له، والعنوان هو العلّامة المنضغطة الساحرة الجاذبة المحيرة الفاتحة أبوابها على تأويلات لطاقاتها المشحنة ببيان وأشكال يذهب المتلقي في استقبالها أي مذهب، فالقارئ أول ناقد لتلك العلّاقة، كما إنه كاتب جديد متجدد للعمل الكتابي بفعل قراءاته المتعددة المختلفة، وفي كثير من الدراسات السيميائية تعمل على الفصل بين سيميائية العنوان وسيميائية الغلاف، وسيميائية المتن للكتاب، إلا إنني أرى باستحالة هذا الفصل، خاصة بين سيميائية العنوان وسيميائية الغلاف؛ لأن العنوان يشكل جزءا أصيلا ورئيسا في الغلاف، وكلاهما جزء من الآخر، ولا نكاد نجد كتابا من دون عنوان، فهو الأثر الذي يتعرف به إلى مضمونه، والظاهر الذي يستدل به على باطنه.
وإني أجد الكاتبة “فاطمة يوسف ذياب” عنونت كتابها بـِ “الضحك المرّ” وتحته كتبت: “عزف على أوتار دبدوبة”، وأسفل منها ووسط ما يشبه الغيمة كتبت اسمها “فاطمة يوسف ذياب” لكن: لماذا اختارت الكاتبة “الضحك المرّ” عنوانا لكتابها؟ ولماذا جعلت الضحك مرا؟ ولماذا شبكت بين الصورتين؟ الصورة المرئية للضحك، والصورة الذوقية لطعم الضحك المر؟ وكيف لنا أن نمازج بين الصورتين المعنويتين وندمج الضحك بالمرار؟ وهل العنوان هذا مناسب ليعبر عن مكنونات الكتاب؟ وهل جاءت الكاتبة بهذا العنوان لتزج به في أتون التأويلات المتعددة في بحر الانزياحات والانحرافات عن الدلالة المعيارية لهذه الألفاظ؟ وما مدى ارتباط العنوان بمكونات صورة الغلاف الأخرى؟
للإجابة على هذا الحشد من الأسئلة- وإن أثبت جزءًا منها- أقول:*إن العنوان ورغم استقلاله الوظيفي وتأسيسه لنصيته، يمثل علاقة سيميائية تنفتح على كون سيميائي أرحب هو النص المفسّر له؛ لأن العنوان يعد بطاقة الهوية التي يحملها النص، وهو العنصر المكثف لدلالة النص، حتى يبدو تفكيك البنية اللفظية للعنوان مرهونا بتفكيك ما يصحبه من علامات أخرى تؤلف شعريته وجماليته.
*إذا كان للعنوان بعد تأثيري نفسي وانفعالي مخصب بالأبعاد الدلالية والزمانية والمكانية والسياقية، فإن اختيار: “فاطمة ذياب” لهذا العنوان له دلالته وسيمياؤه، فكيف يكون الضحك المرّ عنوانا لكتابتها؟ وكيف يكون الضحك مرا؟ إن هذا العنوان فيه دلالة انحرافية على المعنى المعياري المألوف، فالضحك عادة ما يصاحبه سرور، ويعبر عن فرح ومرح، فهو وسيلة الإنسان للتعبير عمّا يشعر به، وفي رأيي إن ما يناسب الضحك وفق الموضوعات التي تحدثت عنها الكاتبة هو كلمة “الساخر” أي أن يكون العنوان “الضحك الساخر”؛ لأن الكاتبة وإن كانت تضحك لما يحدث، فضحكتها لم تكن من قلبها بقدر ما تكون ساخرةً، وإما أن يكون العنوان “الابتسامة المرّة”؛ لأن الابتسامة لا توصل صاحبها إلى درجة السرور الأكمل والأشمل والذي يؤدي إلى الضحك، ولكنّه يبقى في مراحله الأولى، ويناسبه “المرّة” أي “الابتسامة المرّة” نظرا للمواقف الصعبة وغير المنطقية التي تعيشها الكاتبة وسائر الشعب الفلسطيني، ولكن ما دامت الكاتبة قد دونت العنوان “الضحك المرّ” فعلينا أن نتعامل معه كما هو موجود، ولكن نقول:
إن حالات الضحك التي سجلتها الكاتبة ليست كثيرة أو منتشرة في كتابها، بل هي محدودة وحتى إن وجدت فهي لا تصل إلى مرحلة الضحك الحقيقيّة النابعة من الفرح والمرح والسرور والاستمرار؛ (وربما كلمة الابتسامة أنسب) ويثبت ذلك كلمة “المر” المتمة للعنوان، والتي تنبئ بأن الضحك لا يكتمل، لأن “المر” سرعان ما يحل بالنفس الضاحكة ويعكر عليها صفوها وفرحتها، وكما قلت آنفا فإن هذا العنوان يحقق انزياحا أو انحرافا يكاد يمزق أفق التوقع، ويشتت زمن الانتظار، لصعوبة التلاؤم بين المفردتين معنى ودلالة واتفاقا، والمفردات التي دونتها تحته: “عزف على أوتار دبدوبة” تتلاءم مع الحالتين سرورا أو حزنا، ضحكا ومرارة… ولعلّ اتشاح الفتاة -التي تمسك بالطيور السوداء- بالسواد، والخيوط (الحبال) بالسواد كذلك، يشي بنغمة تشاؤميّة تتلاءم مع المرارة التي يشعر بها من يضحك في متن الكتاب.
*كما إنني أجد- بعد إذن الكاتبة، وفي نطاق الرأي والتأويل- في تغيير العنوان إلى (حوار مع الذات) أو(بين الذات والذات) أكثر ملاءمة من العنوان الذي وضعته الكاتبة؛ لأن العناوين التي وضعتها الكاتبة لا تشكل في مجملها مذكِّرات، بل هي إلى الحوار مع الذات أقرب، وهي إلى المواقف الحياتية والنفسية أنسب، كذلك هي لا تشكل إلا فترة عمرية قصيرة من حياتها لنحو عشر سنين، فمثلا عنوان(قال وقلت)و(كلمة بت ولا عشرة لت) وغيرهما كثير، ماهي إلا أفكار أو خواطر أو تأملات،وحتى لو أسمته (التراث في ذاكرة امرأة)، سيكون مناسبا أيضا؛ لكثرة وغزارة توظيفها للتراث فيما كتبت.
*وأجد الكاتبة جعلت كلمة “المر” صفة للضحك، والضحك هو المبتدأ في الجملة الاسمية التي هي أقوى في الدلالة، حيث أبقت الكاتبة الخبر محذوفا أو مقدرا بحسب ما يتخيله المتلقي، وإن كانت كلمة “عزف” تصلح لأن تكون خبرا، ولكن كتابتها في بداية سطر جديد وبخط أصغر من حجم خط العنوان يجعلنا نبحث عن الخبر أفضل وأولى من أن نعد كلمة “عزف” هي الخبر.
*وبالنسبة لصورة الفتاة الزرقاء أعلى صفحة الغلاف (ولعلّها دبدوبة)،أرى أن الابتسامة الخفية على وجهها قد حاولت (المرارة) مسحها من وجهها؛ ليحل محلها علامات الغضب والحزن، حتى إنها تكون للمر (المرارة) أقرب، وهذا أيضا يسجل لصالح العنوان وموائما له، وهنا نخلص إلى أهمية العنوان باعتباره مفتاحا إجرائيا في التعامل مع النص الأدبي في بعديه الدلالي والرمزي، وهو نواة مركز النص الأدبي، والموجه الرئيس للنص.
يبدو مما تقدم، أن هناك تماهيا واضحا -رغم ما ذكرته من ملحوظات وأسئلة- بين العنوان ومكونات صورة الغلاف، فالأخضر الباهت مع الخطوط والكتابة والرسوم السوداء، مع صورة (دبدوبة) أو الفتاة الزرقاء الباهتة أيضا، تحقق تمازجا وتوحدا عاما في تشكيلة صفحة الغلاف النهائية، والتي تندغم مع متن الكتاب وموضوعاته.
**متن الكتاب: اشتمل الكتاب على نحو ثلاثمئة صفحة، احتوت على مئة وواحد وعشرين عنوانا من مذكِّرات الكاتبة، وقد خلا الكتاب من مقدمة وتقديم، وإن كنت قد سمحت لنفسي أن أعد عنوان: “الصفحة الأولى والصفحة الأخيرة “كمقدمة، و”عنوان أدب إنساني لانسائي” كتقديم. وقد أخضعتُ أكثر من ثلاثين عنوانا منها للدراسة، وكانت هذه العناوين بشكل متفرق وموزعة وليست بالترتيب، وذلك بهدف أن تكون الدراسة أكثر مصداقية، ولي هنا أن أسجل الملحوظات الآتية حول هذه العناوين والكتاب بشكله العام:
*هذا الكتاب يمثل نمطا تسجيليا لنوع من المذكِّرات التي كانت الكاتبة تسجلها لنفسها أو تنشرها في وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي، وكانت في خلال نحو عشر سنين من عمر الكاتبة امتدت على الأغلب بين عامي 1993-2003، وإن وجد القليل قبل أو بعد هذا التاريخ، مع وجود بعض العناوين دون تاريخ، إذن جاءت هذه المذكِّرات لتتحدث عن حقبة زمنية معينة في نحو عقد من الزمان، ولهذا فإن هذه المدة لا تعطي انطباعا كاملا وشاملا لكل مناحي حياة الكاتبة.
*جردت الكاتبة من نفسها شخصية أخرى جعلتها وسيلة لمحاورتها ومناقشتها ومخاطبتها، أو الحديث عن نفسها، وذلك على سبيل الشعراء، فهذا امرؤ القيس يجرد من نفسه شخصيتين أخريين عندما خاطب الأطلال فقال: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وكقول النابغة: عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار ماذا تحيون من نؤي وأحجار
ولعلّ “دبدوبة” تكون هي الستارة التي تحاول الكاتبة الاختفاء أو الاختباء خلفها لتقول ما تريد، أو لتحاورها أو لتناقشها، بل وربما تكون “دبدوبة” كالاسم المستعار، أو القناع الذي تتوارى عن الآخرين به ومن خلاله، وبذلك تبقى دبدوبة، هي ظل الكاتبة، تلبسها الثوب الذي تريده لتجرد من نفسها شخصيتها وذاتها التي تحاورها، بل وتوصل الرسائل التي تريدها من خلالها، وهي على العموم تمثل بطلة مذكِّرات الكاتبة.
*لقد حدّدت الكاتبة عمرها في مذكرة (كربون الأيام، ص18) بخمسين سنة، ودبدوبتها بخمس سنين في مذكرتها هذه، ولذا كان عليها أن تحافظ على هذا الفارق الزمني، حتى يتناسب مع معقولية السرد لمذكِّرات الكاتبة؛ لأننا نجد الكاتبة قد جعلت عمرها في عنوان: “حروف ليلكية” ص87: فوق الأربعين، وهذا يعني أن الكاتبة عندما كان عمرها خمسين سنة، كانت دبدوبة بعمر خمس سنين، أي بفارق (45)سنة وهذا يبين أن عمر دبدوبة عندما وصل إلى أربعين فما فوق فإنه يفترض أن يكون عمر الكاتبة أعلى من هذا الرقم بكثير، بل وأعلى من عمرها الحقيقيّ.
*لقد مثلت الكاتبة “فاطمة ذياب” وبقدرة عالية دورها المحافظ على التراث والمعبر عنه، والواصف له، بل والمعايش له في جل مجالات حياتها، فلم تترك الكاتبة، مذكرة في كتابها إلا وتحدثت عن التراث،، بدءا من التراث اللغوي العامي والشفوي والتحريري إلى مناحي التراث الأخرى على تعددها وكثرتها، وكانت الكاتبة لا تقول التراث بشكل عفوي دون العمل على تثبيته في النفوس، بل على العكس كانت تقول أو تتحدث عن التراث وكأنها تزرعه كالنبات ليتجذر ويورق ويزهر ويؤتي ثماره وحصاده، خاصة وإنها كانت تكثر من بذر الأمثال الشعبية والتراثية في مزارع الذاكرة، لتزيد الآخر المتلقي تبصرة وثقافة وتعلما وتعليما، حتى الأسماء التي حاولت التعامل معها أخذتها من التراث مثل: عنتر، عبلة. حتى عناوين مذكِّراتها اشتملت على نسبة كبيرة منها مسميات تراثية مثل: يا كنينة الزينات يا كنينتي، بكرة النق، أيام الزيت أعصرت أمسيت، حتى ينور الملح, قدها وقدود…، وحتى اسم الكاتبة تراثي يتوافق مع المركزات التراثية للكاتبة.
*لجأت الكاتبة إلى أسلوب الحوار في معظم مذكِّراتها وعناوينها، إذ لا تكاد تخلو واحدة منه؛ لأنها وجدت في الحوار أسلوبا تنشيطيا للذاكرة وللمتلقي لا بد منه في استمرارية البث الحكائي للحادثة أو الموضوع.
*نجحت الكاتبة وإلى حدّ كبير في نشر الوخزات الحوارية، أو غيرها بقصد الكشف عن كثير من القضايا، ربما فشل الآخر المتلقي في التعرف عليها أو كشفها أو فضحها، كما حاولت الكاتبة أن تحرك في المتلقي المؤثرات الفاعلة والضاغطة على الإنسان (الفلسطيني والعربي) حتى يتزحزح عن مكانه، مكان الجمود والخمول، إلى مكان الرصد والحركة والهجوم، بعد أن يكتشف حقائق الأمور، ويميز كنهها، وتفتح النص على أبواب التأويل، ومن ذلك على سبيل المثال قول الكاتبة تحت عنوان:*”إعلان براءة” ص 14″: .. وأنت يا عم راكب ولّا مركوب.. رحت أتخيل الشوارع والطرقات طوابير آدمية، بعضها راكب، وبعضها مركوب، والبعض على الأرصفة ينتظر دوره، إما ليَرْكب وإما لِيُركب.
*وقولها في “كربون الأيام” ص18: ومن حولي أيام كربونية ترتعش وترتجف.*وفي لماذا؟” ص21: تقول.. لتلف عهر الكرة الأرضية بألف لماذا، وتقذف كل ما فيها من زيف، إلى قاع بحر ليس له قرار.*في “حروف ليلكية” ص87: ..عالم يسرح فيه إبليس من موقع إلى موقع، يتملكه بكل شروده ووسوساته.*قولها في “نداهة الليل” ص11: ..جاءت إلى العراق والعرب وأنامتهم وأخذت تقتلهم وتسلب كل إمكانياتهم.*أجد الكاتبة قد أدارت قضية (الذكورة والأنوثة)، (الرجل والمرأة) في كثير من مذكِّراتها، حيث طرحتها كموضوع للنقاش أو التحاور، لعلّها تحاول أن ترفع من قيمة المرأة ومكانتها، أو لتبرز دور المرأة في المجتمع، وبأنها ليست في هامش الحياة كقولها في:*قالت وقلت ص 157: تقول: حوار بين حواء وآدم، بين المرأة والرجل: حيث قدمت لفظ حواء على آدم، والمرأة على الرجل من باب التفضيل والتحيز.*أحلام المقعد العاجي ص 212: موقف دبدوبة من المرأة التي ستنزل إلى الأروقة السياسية.*حروف ليلكية ص87: قررت أن أكتب عن هذه الأنثى التي تسكنني..*وكذلك ما كتبته في “يوم المرأة” في منتزه شفاعمرو ص 131.. في ظل التشرذم النسوي هذا وعدم التنسيق بين الأطر والجمعيات..
ويبدو لي أن الكاتبة أرادت لقضية المرأة العامّة في المجتمع هي المسيطرة وأن ينظر إليها، ويؤخذ برأيها في كل وقت وحين، وفي كل زمان ومكان.
*تحت العنوان على الغلاف جاء النص الآتي “عزف على أوتار دبدوبة” كلمة “عزف” هنا جاءت نكرة، فالعزف يخرج لحنا حزينا، ويخرج لحنا مفرحا يسر السامع أو المتلقي، وهذا العزف (المنكر) جاء على أوتار تخيلية تابعة لدبدوبة، ولهذا فالأوتار ليست حقيقيّة ولكنّها تنحرف عن معيارها وأفقها إلى معان ومقصودات أخرى، فالأوتار قد تكون هي القضايا والأمور والمشاكل والهموم أو غير ذلك من التأويلات، ولهذا فالعزف على الأوتار الدبدوبية هذه يمثل: عرضا لكل القضايا والأمور… على الدبدوبة (الكاتبة ذاتها) أن تخرجها عبر مذكِّراتها إلى المتلقي ليبدي رأيه فيها، وينشرها على تأويلاته المتوقعة؛ ولهذا فتكرار عرض هذه القضايا أو الأفكار على دبدوبة، ما هو إلا كالعزف أو العرض على هذه (الدبدوبة) الشخصية المجردة من الكاتبة، والتي تحاورها وتلجأ إليها كلما لزم الأمر، ولعلّ إدخال “دبدوبة” في هذه المذكِّرات يعمل على زيادة تفعيل الإثارة والتشويق للقراءة والاستمتاع بها.
**إن الكاتبة “فاطمة ذياب” عالجت في متن كتابها هذا الكثير من القضايا والهموم أهمها:*قضية الأنوثة ومحاولة سيطرة الذكورة (المرأة والرجل) عليها في شتى المواقع.*أثارت الكاتبة قضايا اجتماعية نبعت من الأسرة والبيت، ووجدت في المدرسة وفي الشارع، وفي الحياة العامّة كالانتخابات والمجالس النسائية وغيرها.نبهت “فاطمة ذياب” إلى كثير من القضايا السياسية التي يعيشها المجتمع العربي في فلسطين وفي الجوار العربي، كما ورد في نداهة الليل.*عرضت بعض مجريات الحياة العامّة للأسرة الفلسطينية العادية، وسجلت بعض همومها وقضاياها ومشاكلها.*تحدثت الكاتبة بإسهاب عن التراث الفلسطيني على اختلاف موضوعاته وأشكاله، بحيث كانت الكاتبة تلبسه الثوب الذي يليق به من خلال جمال الأسلوب والموقف والدلالة.*جاءت المذكِّرات هذه، وإن ألبستها الكاتبة (نفسها) ثوب الدبدوبة، وحركتها بأصابع الشطرنج كيفما تريد، فإن الكاتبة أرادت أن تطرح بعضا من مراحل حياتها التي تكاد تنحصر بين عامي 1993-2003 على الأعم والأغلب، وتسجل من خلالها بهذا الأسلوب الأدبي المعبر والرائد في مجاله، والجميل في تذوق جمله وألفاظه، والمتنوع في موضوعاته.**الأخطاء الواردة نوعان:الأول: في (تقديم) الدكتورة داليا بشارة – الطيرة: وهي قليلة جدا، منها ما هو طباعي مثل كلمة: “سلسة” في السطر الثاني وربما الصواب (سلسلة)، ولغوية مثل كلمة (إذا) في ص 5-6، والأصوب (إذن)، بالإضافة إلى علامات الترقيم، فالأفضل مثلا: وضع الفاصلة المنقوطة بعد كلمة (قليلها) في السطر الثالث، وبعد كلمة (بهارجها) في السطر السادس، ومع ذلك أشكر الدكتورة داليا بشارة على هذه التقديم الجميل والواعي والمركز في التحليل والتأويل.الثاني: وهو عند الكاتبة “فاطمة ذياب” نادرا، مثل: في منتصف ص 12: كلمة (عدوّى ) والصواب (عدوى ) . وأشير كذلك إلى الخطأ في الآية القرآنية التي وردت في ص291: “كم فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله” والصواب بإضافة (من) بعد (كم) لتصبح “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله”.وبشكل عام فالكتاب تمت مراجعته بالشكل المناسب، حتى وصل إلى هذا الوضع الذي هو عليه، فلمراجعة الأخت “آمال عواد رضوان” كل الشكر والتقدير على جهدها الكبير.وللحق والحقيقة أقول: إن الكاتبة “فاطمة ذياب” قد أضافت إلى سيرتها الأدبية، ومؤلفاتها المتنوعة، كتابا له قيمته على المستوى الموضوعي والإبداعي والفني، وقد كتب هذا الكتاب بقصدية موضوعية عالية، ونَفَس إبداعي راقٍ، وفنية عالية. كما إن الكاتبة استطاعت أن تكتب وتتحدث – في كتابها هذا- عن كثير من الموضوعات بجرأة كبيرة، وبطريقة فنية، وبأسلوب معبر، فيه جمال واقتدار، يسجل ويدون لها في مضمار عملها الأدبي والفني.
وختاما أقول: أشكر الأخت آمال غزال القائمة بأعمال مدير مكتب وزارة الثقافة في جنين، على إقامتها وتنظيمها لهذا النشاط الأدبي المميز، كما أشكر الكاتبة المبدعة على إبداعها، والضيوف الكرام، وأعضاء المجلس الاستشاري الثقافي، والأسرة الثقافية، والحضور الكريم كل باسمه ولقبه. ولفاطمة ذياب ودبدوبتها أقول منهيا حديثي: أشكر لك جهدك هذا، راجيا لك التوفيق والسداد، وأن تستمري في رفد المكتبة العربية الأدبية الفلسطينية بمثل هذه الكتب القيمة، والله ولي التوفيق.
آمال عوّاد رضوان