فصول على هامش السيرة الذاتية للقاص الفلسطيني محمد علي طه
تاريخ النشر: 01/10/17 | 12:45” نوم الغزلان ” هو احدث اعمال الكاتب والقاص الفلسطيني محمد علي طه ، والصادر عن دار ” الشروق ” رام الله – عمان ، وهو ” ليس رواية ولا سيرة ذاتية ولا سيراوية ، وانما هو فصل على هامش السيرة الذاتية – كما يقول محمد علي طه في ” اول الكلام ” .
محمد علي طه ، الميعاري المولد والنشأة والطفولة والاصل ، وكابولي الاقامة والسكن ، اشهر من نار على علم ، فنجمه ساطع ، وهو حكاء وراو ماهر من الدرجة الاولى ، ومن ابرز واهم كتاب السرد القصصي والروائي الفلسطيني في الداخل ، واحد اعلام ورواد القصة القصيرة والرواية الفلسطينية ، ومن المؤسسين لأدب القصة في ثقافتنا الفلسطينية داخل الحصار .
انه كاتب قصصي يتمتع بالحس الانساني والادبي المرهف الصادق ، التزم بالواقعية ، مسكون بقضايا الوطن والهم والجرح والمصير الفلسطيني ، ولم ينس جدوره الميعارية ، وحافظ على خاصيته الريفية ، ويقول رأيه وموقفه ويعبر عنه بكل وضوح دون مواربة وتزلف وخوف ، وبجرأة واقدام .
وفي كل اسبوع ومع انبلاج الصبح كل يوم احد نلتقي محمد علي طه في زاوية ” صباح الخير ” على صفحات ” الاتحاد ” السنديانة الفلسطينية الشيوعية الباقية والراسخة ، رغم كل الصعاب .
تحظى كتاباته ذات النكهة الفلسطينية ، بالاهتمام النقدي والبحثي في الداخل والخارج ، وكتبت ونشرت عن أدبه العديد من المقالات والمتابعات والأبحاث والاطروحات الاكاديمية ، ومن اهم الكتب التي صدرت عنه كتاب ” محمد علي طه ، راودته الكلمات وراودها ” للكاتب الناقد نبيه القاسم .
رلعل محمد علي طه هو الكاتب والأديب الفلسطيني الأكثر قراءة لدى الناس وجمهور القراء المهتمين بالقصة والرواية ، وذلك بفعل اسلوبه القصصي الراقي ، الأخاذ ، الجاذب ، الساحر ، القريب من الذائقة الشعبية والأدبية ، ولغته الحية ، الصافية ، وكلماته الانيقة المدهشة ، التي تمس القلب والروح وتلامس الوجدان الفلسطيني .
وما يميز كتابة محمد علي طه روح السخرية ، والالتصاق بالبيئة الريفية وحياة القرية الفلسطينية والهموم والآلام والمعاناة اليومية للناس البسطاء العاديين ، وتنبعث منها رائحة فلسطين وعبق زعترها ونرجسها وسنديانها وميراميتها ونعنعها ، وعبير اشجارها وزهورها البرية ونباتاتها الشتوية والربيعية ، ووديانها ومروجها وسهولها وجبالها وينابيعها وعيون مائها وبيادرها وطوايينها وخوابي بيوتها وطينها ومراعيها الخضراء وقطعان غنمها وغزلانها .
وهو يقدم شخصياته في نماذج اجتماعية وانسانية حية وواقعية .
وفي ” نوم الغزلان ” يحكي محمد علي طه ، وكما عودنا دائماً باسلوبه المشوق ولغته الشعرية والادبية الجميلة السلسة الانسيابية ، فصولاً عن طفولته وبواكيره وبداياته وملاعب صباه وأيام المراهقة والشباب ، وعن النكبة والتهجير والتشريد القسري والحكم العسكري البغيض ، ونضالات شعبنا ، والحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية ، ويروي يومياته الثقافية والسياسية والدراسية ، وذكرياته صداقاته العميقة التي ربطته مع الكثير من رجالات الادب والشعر والفكر والثقافة والسياسة ، من ابرزهم محمود درويش ، توفيق زياد ، سميح القاسم ، راشد حسين ، اميل توما ، اميل حبيبي ، توفيق طوبي ، علي عاشور ، احمد دحبور ، يحيى يخلف ، عز الدين المناصرة ، محمود امين العالم ، نجيب محفوظ ، لطفي الخولي ، ممدوح نوفل ، الياس خوري وسواهم .
وهو يخصص في كتابه فصلاً كاملاً يتحدث فيه عن ذكرياته مع الرئيس الفلسطيني الرمز ياسر عرفات .
كما يطوف محمد علي بنا في جولاته وزياراته وسفراته الى مصر والاردن وتونس واليمن وسوريا والبحرين والنمسا وكوبا وروسيا والصين وكندا ، فنشعر وكأننا جزء من هذه الرحلات والجولات والمشاركات الثقافية في المؤتمرات والمواسم الادبية .
في ” نوم الغزلان ” نقرأ قصة فلسطين ، وسيرة البقاء والكفاح والتحدي والمواجهة والتمسك بالارض حتى الجذور ، وصيانة الهوية والحفاظ على اللغة والتراث ، ونعرف اكثر أن فلسطين هي فلسطين الباقية الراسخة في عمق ووجدان كل فلسطيني، وكل طفل يحبو، وكل مقاوم بالحجر والمقلاع ، وكل مهاجر ومشرد في مخيمات البؤس والجوع والالم والشقاء يحلم بالعودة ، فلسطين الذكرى والذاكرة والبقاء والحياة والغد الجميل ، رغم العواصف والرياح العاتية التي مزقت اوصال الوطن ، ورغم تقلبات الزمن ، وما جار عليها من ظلم تاريخي وقهر دائم ومتواصل واحتلال ظالم .
محمد علي طه في ” نوم الغزلان ” يتقلب على جمر الرواية الفلسطينية ، مقتحماً اللغة الشفافة الموغلة في الصدق العفوي ، وسرد السهل الممتنع ، في شتاءات ماطرة وعاصفة ، وحنين لاهب ، ليحظى بربيع بديع دافئ ، وتنتصر الحكاية في غد سعيد اكثر اشراقاً وجمالاً واخضراراً .
” نوم الغزلان “هي الذاكرة الفلسطينية الحية التي يجب أن تسجل في سفر التاريخ الفلسطيني ، وهي اضافة نوعية مميزة للرواية الشفوية الفلسطينية التي يجب أن تعرفها الاجيال الفلسطينية الجديدة ، انها ايقونة ادبية كتبت بحروف من نار ونور ، جمعت في طياتها كل العناوين والدلالات الانسانية والجمالية والمعاني العميقة لفلسطين الرمز والتاريخ والشعب والوطن والقضية والتراجيديا المتواصلة والنكبة المستمرة .
ويسود حكايات محمد علي طه اسلوب سردي حكائي صاف ، قربته من نفوس لباقة ولياقة مبدعنا المعهودة في السرد ، بلغة شفافة ندية وعذبة فيها الجزالة والفصاحة والبلاغة والبديع والوصف الشاعري الجميل ، ونلمس عمق انسانية وفلسطينية محمد علي طه وصدق تجربته ، التي ينساق معها انسياق اللحن المفرد في السمفونية المتناغمة ، فيبدو في حزن واسى وشجن على الماضي اللي راح ، وتطغى عليه الذكرى ، وطن وحبيبة وجمال ، يتقاذفه الشوق والحرقة ، فيحن حنين الملتاع ، ويلجأ الى نشوة الحواس ، ويفيق منها متعباً باحثاً عن درب الخلاص ، وهو يعي ويدرك ويعلم تماماً أن طريق الحرية ليست مفروشاً بالورود ، وانما يحتاج للتضحية والكفاح المقننن والنضال المثابر الدؤوب .
تحية لك يا أبا علي ، يا عاشق فلسطين بكامل زهوها وجمالها وقداستها ، السيدة الابدية التي تستحق الحياة والوجود ، وتجعلنا مثلها نستحق الحياة ، وكما قال سيد الكلمة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ” على هذه الارض ما يستحق الحياة ” .
بقلم : شاكر فريد حسن