القائمة المشتركة بين إبتسامتين
تاريخ النشر: 09/11/17 | 13:52عندما وطدتُ العزمَ على كتابة مقالتي هذه، واخذتُ ابحث عن عنوانٍ لها، تذكرت المثلَ الشعبي المعروف “بدّك تحيْرو خيْرو”. ذلك لاني وقفتُ محتارا بين احد عنوانين: “حارسٌ ومحروس” او “القائمة المشتركة بين ابتسامتين”، فرسا اختياري بعد ترددٍ على العنوان الثاني.
الابتسامة الاولى كانت في ذروة معركة الانتخابات القطرية السابقة، وفي اثناء مناظرة بعنوان “الحراك السياسي في الوسط العربي عشية الانتخابات القطرية”، شارك فيها المرشحان الاولان في القائمة المشتركة، اعني المحامي ايمن عوده(الجبهة) والدكتور جمال زحالقة(التجمّع) اللذان اجادا في تعليل دواعي الوحدة بين مركبات القائمة المشتركة خصوصا ما بين الجبهة والتجمع، كما اكّدا للجمهور: “أنّ قضية رفع نسبة الحسم ربما كانت عاملا مساعدا في الوحدة، لكنّها لم تكن بكل تأكيد، العاملَ المصيريّ الذي حسم الموقف وفرض الوحدة على كافة الاطراف”. إن حديثهما هذا، حتى وإن ابدى البعضُ شكّا بصحّتِه كما سمعنا اثناء المناظرة، قد اكّد لي ولو برؤية تراجعية، صِدْقَ قناعتي باهمية توحيد القوائم العربية المتنافسة ليس في انتخابات الكنيست فحسب، إنما ايضا في انتخابات السلطة المحلية ايضا، في المدن المختلطة بصورة عامة وفي حيفا بصورة خاصة، كخطوة صحيحة على طريق النضال الديمقراطي لوسطنا العربي. كما ذكّرَني بالمساعي الحثيثة التي قمتُ بها، بالتعاون مع الصديق المرحوم حسين اغبارية ومجلس رؤساء لجان الاحياء العربية في حيفا، في سبيل إقناعِ “الجبهة” و “التجمع” وفي دفْعِهما للتقدم لانتخابات البلدية سنة 2013، بقائمةٍ عربية واحدة. تذكرتُ الشوطَ الكبير الذي كنّا قد قطعناه في هذا الاتجاه، والذي بلغ قمّتَه في الليلة التي سبقت تقديم القوائم ب 48 ساعة، حيث تمَّ التلاقي في بيتي باشتراك وفدٍ من التجمّع واخَر من الجبهة برئاسة سكرتير كلٍّ منهما و”بدعم وتفويض – كما قيل لي – من القيادة القطرية لكل من الحزبين”. بعد مناقشة بعض النقاط التي كانت ما زالت عالقة، تمّ الاتفاقُ بين الطرفين على كافة الامور. لكنَّ ذلك الاتفاق الذي شربْنا نخبَه الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، لم يكن لاسفي الشديد، اكثر من “حديث ليلٍ يمحوه النهارُ”، إذ تمّ نقضه ظهر اليوم التالي، ممّا سبّب لي خيبةَ أملٍ من قياداتنا الحزبية، وجعلني أشعرُ بانقباضٍ شديدٍ كان قد حالفني فترة طويلة، وعاد من جديد ليستولي عليّ في امسية المناظرة تلك. بدوتُ متجهّما كما وصفني صديقي الذي كان يجلس عن يميني اثناء المناظرة ، لكني ما لبثت ان تبسّمت بل ضحكتُ، رغم ذلك، عندما تذكرتُ النكتة التالية:
قرّر احدُهم (الراوي) ان يسافر جوّا. عشية سفره ظهر له شبحٌ مُحذِّرا ايّاه من السفر جوّا لان الطائرة ستسقط بعد اقلاعها. ألغى الراوي سفرَه ونجا بذلك من موتٍ محتّم لان الطائرة سقطت فعلا وهلك كلُّ من كان فيها. بعد يومين قرّر الراوي ان يُبحر، غير ان ذاك الشبح عاد مرة اخرى لتحذيره بان السفينة ستغرق، الامر الذي تحقّق حدوثُه فعلا. لم يبق امام الراوي إلا ان يسافر بالقطار. هيّأ نفسَه للسفر لكنه فوجيء للمرة الثالثة بالشبح ذاته محذّرا إيّاه من السفر بالقطار. جُنّ الراوي وتوجّه بعصبية نحو الشبح قائلا : “مين انت يا اخي؟!”. فاجابه الشبح: “انا ملاكك الحارس”. فقال له الراوي: “ملاكي الحارس! يعني شو وظيفتك؟”. قال الشبح: “وظيفتي ان احرسك واجنّبك كل المطبات والمخاطر”. فردّ عليه الراوي قائلا: ” إذن بتقدر تقول لي، وين حضرتك كنتَ عندما قررتُ انا ان اتزوج؟!”…
لم اسأل آنذاك-اي خلال المناظرة او بعدها- اعضاءَ قيادتي الجبهة والتجمع القطريتين: “أينَ كنتم عشية الانتخابات الاخيرة (سنة 2013) لبلدية حيفا؟”. ذلك لان الموضوع كان قد اصبح في ذمة الماضي، كما ان اعضاء القيادتين وزملاءهم في “الاسلامية” و “التغيير” قد حققوا لنا بوحدتهم في القائمة المشتركة، ما لم يُحقَّق لنا محليا في حيفا… أما اليوم وعلى ضوء الحراك الذي تشهده ساحاتُنا السياسية المحلية والقطرية، من نقاشات محتدمة ومفاوضات مرهقة وانباء متضاربة اشغلت الراي العام العربي واستدعت من جديد تدخُّلَ الإعلامِ بمختلف وسائله واذرعه ولجنةِ الوفاق الوطني ، حول تركيبة القائمة المشتركة في اعقاب استقالة الدكتور باسل غطاس، وإزاء النتائج المستقبلية التي قد تترتب على ذلك…أراني مضطرا ان أتساءل وانا ابتسم: “هل سيكون وضع مجتمعنا العربي مع القائمة المشتركة، كوضع الرئيس الاسبق لمجلس فسوطه المحلي مع الستّ زكيّة؟!”.
يقول الراوي ان مجلس فسوطه المحلي تجاوب مع رغبة السكان في الإعراب عن تقديرهم للنبي ايليا، وعن إيمانهم بشفاعته واستنجادهم به: “يا مار الياس الحيّ” في كل ضائقة تعترضهم، فاقام له تمثالا في مركز الساحة التي في مدخل القرية الشرقي، واصبحت تلك الساحة تُعرف باسم “دوّار مار الياس”. يبدو ان تلك الساحة قد استهوت بعضَ الصِبْية الذين اخذوا يتجمعون فيها ليلا، وهم يلعبون ويضجّون ويعيثون فسادا في الحديقة الصغيرة المحيطة بالتمثال. هذا الوضع قد ازعج الست زكيّة التي رأت بتصرفِ الصِبْية إهانةً لمار الياس، وإقلاقا لراحتِها نظرا لقرب بيتها من الدوّار، فتقدمت بشكوى الى رئيس المجلس طالبة تدخّلَه لإبعادِ الصِبْيةِ عن الدّوار. حضر الرئيس الى الموقع، وبعد ان استدعى الست زكيّة مستوضحا المشكلة، حاول ان يستأنس برأيها عن كيفية معالجة المشكلة، فاقترحت عليه ان يُعيّن حارسا ليليّا للموقع، يتولى إبعادَ الاولاد وحراسةَ التمثال. فانتهرها الرئيسُ بقوله: “ولِكْ يا زكيّة، إحْنا جِبْنا مار الياس لهون، عشان يُحْرُسْنا ويدير بالو علينا، ومش عشان إحنا نُحُرْسو ونْدِير بالنا عليه!”.
د.حاتم عيد خوري