المعرض الدولي للكتاب.. ملاحظات الزيارة الثانية
تاريخ النشر: 07/11/17 | 12:25إتّجهت قافلة الثقافية لولاية الشلف وللمرّة الثانية إلى المعرض الدولي للكتاب يوم الخميس بعدما زارته السبت من نفس الأسبوع برفقة مجموعة من المثقفين ومنهم: محمد عبد الفتاح مقدود، معمر عيساني، سيد احمد الاصنامي، معالم الريادة ، صليحة زروقي ، وغيرهم الذين لم أستطع استحضار أسمائهم الكريمة، ومن بين الملاحظات التي وقف عليها الزائر المتتبع للمرّة الثانية وكذا تبادل النقاش حول نقاط مختلفة هي:
إلتقيت بالأستاذة بنت الأستاذ محمد فلاق برتبة بروفسور في الأدب العربي الذي أعرفه حين كنت أعمل بكلية الاقتصاد سنة 2000 وكان يومها قسم الآداب تابع للقسم. وطلبت من ابنته أن تسرع في الكتابة عن حياته وهي الأستاذة في الأدب العربي بجامعة الشلف، وأن تجمع كتبه ومقالاته ومحاضراته والأطروحات العلمية التي أشرف عليها وكذا أدواته الشخصية وتحوّل بيته إلى متحف في انتظار أن تجد الدعم من تلامذته الذين تتلمذوا عليه وأمسوا الآن أساتذة الجامعة والجامعات الجزائر برتبة بروفسور، وطلبت منها أن تيسّر لي لأكتب عنه مقال وذلك أضعف الإيمان.
لاحظت غياب أصحاب الروايات عن الحوار فتساءلت كيف لكم أن تكتبوا الروايات ولا تحسنون إدارة 5 دقائق من الحوار، ماجعلني أعيد أسئلة سيّئة الظن وسأبقى أسئ الظنّ حتى يتحدّث أصحاب الأقلام الروائية بحرية وسهولة وبشكل مباشر.
لاحظت أنّ أصحاب الروايات أغلبهم من تخصصات فنية كالهندسة المدنية والبيطرة والبيولوجيا وطب الأسنان وغيرها من العلوم الفنية، وما يجب قوله في هذا المجال، أنّ المتفوّق في الكتابة في العلوم الفنية متفوّق في الكتابة في الأدب العربي كالرواية، والانتقال من الرياضيات والفيزياء إلى الأدب العربي لايكون عن ضعف لأنّ الضعيف في العلوم الجامدة لايمكنه أن يؤدي أدبا مرموقا ورواية عالية المستوى، والكتابة في فنون الأدب العربي تحتاج لقراءة كم هائل من الكتب وفي شتى الميادين، ومن أراد أن يبدع ولو انتقل من علم لعلم فعليه رأسا أن يقرأ ويقرأ.
قلت للزملاء: نحن الآن مطالبون بنقل المعرض الدولي للكتاب إلى ولايات الجزائر لتعمّ الفائدة ونقرّب العلم والأدب للقارئ والمهتم، لكن هذه الفكرة تحتاج لبنية تحتية دائمة ثابتة كالطرقات والفنادق والمطاعم وأماكن الراحة والنقل والأمن، فالعلم يحتاج لبنية تحتية وثقافة تقبل الكتاب وتفضّله وترعاه.
أدخل للجناح الصيني فأرى طفلا جزائريا يسعى للتحدّث مع الصيني فتلح الأم الجزائرية على ابنها أن يتحدّث مع الصيني باللّغة الفرنسية قائلة له: تحدّث بالفرنسية إنّه لايتحدّث بالعربية. إقتربت قليلا فأجد الصيني يتحدّث إلى الطفل الجزائري بلغة عربية فصيحة وجميلة وسهلة، ويبادله الطفل الجزائري بلغة عربية فصيحة جميلة.
جناح أجنبي لايحضرني إسم الدولة التابع له ترعاه جهة جزائرية كتب عليه باللّغة الفرنسية “بعثة العاصمة”، أقول مستنكرا: هل الجزائر العاصمة تحوّلت إلى الدولة الجزائرية تمثّل الجزائر في المعارض الدولية والملتقيات الدولية؟.
كان على القائمين على المدارس والمتوسطات والثانويات والجامعات تجهيز رحلات علمية ثقافية ترفيهية برفقة مجموعة من الأساتذة للمعرض الدولي للكتاب ليقف الجميع على عالم الكتب والعلم والمعرفة، وحزّ في النفس أن عددا قليلا جدا ومن المناطق المحاذية للمعرض هي التي بعثت بأبنائها إلى المعرض. والعلم بقدر مايحتاج للكتاب وأدوات العلم المادية يحتاج إلى روح تشمل الجميع وفضاء يعلو الجميع حيث يلمس الطالب والأستاذ ذلك الإقبال على الكتب ويدفعه المنظر إلى التمسّك أكثر بالعلم والمعرفة والرقي لأن يكون ممن يقبلون على علمه وكتبه وإنجازاته.
أسأل أستاذا جامعيا عن الكتب التي اشتراها، فأجاب: لم أشتر أيّ كتاب لأنّها موجودة على الشبكة. أقول: هذا عين الجهل، والعجيب أنّ نفس الأستاذ يسعى لبيع كتابه ويقوم بتشجيع النّاس على اقتنائه وقراءته ويخبرهم أنّ الكتاب الورقي أفضل من الشبكة العنكبوتية.
مازال المعرض الدولي يعاني من ضعف فضيع في الطوابير الطويلة حول دورات المياه، والأكل، والشرب، والغلاء في الكتب والأكل ، متمنين أخذ بعين الاعتبار هذه الملاحظة التي سبق أن ذكرناها فيما نتذكر في رحلاتنا السابقة إلى المعرض ونتعمّد ذكرها مادام الطابور سيّد الموقف والغلاء يتقدّم الجميع.
ضمّت القافلة المتّجة للمعرض الدولي للكتاب مجموعة من المثقفين والشعراء والروائيين والكتاب والأساتذة في مختلف العلوم وكلّهم من ولاية الشلف، مايدل على أنّها ولاية ولودة منجبة للكبار كما أنجبت أُسُود وشجعان الونشريس أيام الاستدمار الفرنسي، وهم بحاجة لرعاية مادية ومعنوية لتؤدي الشجرة الطيبة ثمارها بإذن ربها ويعود فضلهم على الولاية والجزائر وأبعد من ذلك.
رأيت بعض الكتاب الذين يصفون علماءنا وفقهائنا وأسيادنا بالقبوريون في حالات سكر عاطفي وتسيب أخلاقي وانحلال لأقصى الحدود مع صغيرات يتمايل معها حيث مالت.
رأيت بالصدفة رشيد بوجدرة وقد ظهرت عليه أمارات الأيام من شيب وانحناء، أتقدّم إليه وهو يجلس على طاولة وقد وضع كتبه للبيع، ومما قلته: وأنا طفل صغير وقبل زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980 أقرأ لك بالصدفة أسطرا إقشعرّ لها جسدي من هول كلمات الفحش المتكرّرة وكما تنطق بالعامية، ولا أتمنى لأيّ كان أن يصادف تلك الكلمات. يجيبني: أنا لا أكتب للأطفال. أقول: وهل الفحش والكلمات البذيئة تقال للكبار؟ !.
من محاسن المعرض الدولي للكتاب هذا العام إنشاء تطبيق عبر الحاسوب يمكّن الزائر من معرفة وجود الكتاب الذي يبحث عنه وكذا دار النشر التي يوجد بها، وقد عاينت ذلك شخصيا حين بحثت عن كتاب “المرآة” لدحمان خوجة فدلني عليه التطبيق بأنّه يوجد في دار الوعي A.14، وهذه مبادرة يشكر عليها القائمون على المعرض وأتمنى أن يعمّم التطبيق على الجامعات، والمساجد، والمكتبات، والإدارات فتسهل عملية البحث وتخفّف على الأساتذة والطلبة وكلّ من يبحث عن وثيقة أو مادة الجري والتعب والدوران غير المفيد.
من الملاحظات التي وقف عليها الزائر غياب دول عظمى وكبرى وغياب أسماء عالمية عربية كانت أم غربية، وغياب بعض الدول العربية، وغياب الكتاب العلمي كالفيزياء والرياضيات والعلوم الطبيعية باستثناء الكتاب المدرسي الذي لايدخل ضمن الكتب العلمية العالمية المقصودة وإن كانت أحد روافده ، وطغيان الروايات بشكل كبير وكبير جدا حتّى أنّه يخيّل للزائر أنّه المعرض الدولي للرواية، وتبقى محتوى الروايات تخضع للنقد والبحث من طرف أهلها والمهتمين بها.
معمر حبار