تجليات وعد بلفور في الشعر الفلسطيني
تاريخ النشر: 05/11/17 | 15:05مضى قرن كامل على وعد بلفور الشرير سيء السمعة والصيت ، ومند صدوره وفلسطين تعيش في جو من عدم الاستقرار السياسي ، وظهور مفاهيم في الأفق الفلسطيني كحق البهود التاريخي في فلسطين ، والهجرة اليهودية الى فلسطين ، والانتداب ، والوطن القومي وغيرها .
ورافق ذلك الاستيلاء على الاراضي ومصادرتها ، فضلاً عن سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي في المعاملة بين اليهود والعرب ، وتبني الانجليز لقضية حماية المصالح اليهودية .
وخرجت بريطانيا من فلسطين العام ١٩٤٨ بعدما اطمأنت على تحقيق الحلم الصهيوني في فلسطين ، بانشاء الوطن القومي واقامة دولة اسرائيل ، وتشريد وترحيل عشرات الالاف من أبناء فلسطين واحتلال اراضيهم .
وقد عايش الانسان الفلسطيني بشكل عام ، والشاعر الفلسطيني بشكل خاص هذه الاحداث وتفاعل معها ، وتأثر بها ، ونهض الشعر باعبائها ، ورسم خطوطها وملامحها وتفاصيلها ، وبالتالي كانت عاملاً من عوامل نهضة الشعر وتطوره ، وتطوير ملامح الوجه الثقافي الفلسطيني ، وراحت تظهر في أفق الشعر الفلسطيني قضايا الاحتلال والاستعمار والاغتصاب ، ومحاولات فضح سياسة الاستعمار والصهيونية ، وتنبيه الشعب الى ذلك ، وتوجيه النداءات المتكررة للأحزاب الوطنية من أجل لم الشمل والتكاتف والتلاحم ، وفضح سماسرة وباعة الاراضي وغير ذلك من القضايا ، وقلما نجد شاعراً لم يكتب أو يتحدث عن وعد بلفور الشرير ، وسياسة الاستعمار والاطماع الصهيونية ، والهجرة البهودية الى فلسطين ، وقلما نجد شاعراً لم يشد بالمؤتمرات الوطنية ، واذكاء الروح الوطنية في نفوس الناس .
وبرزت في الشعر الفلسطيني مفاهيم السجن والاعتقال والنفي والتشريد واللجوء والمخيم والخيام ، وخاصة بعد النكبة .
هذا بالاضافة الى ظهور عناوين واطلاق أسماء جديدة على الشعر الفلسطيني ، كشعر النكبة ، وشعر الارض المحتلة ، وشعراء الوطن المحتلة ، وشعراء المنفى ، وشعراء المقاومة والثورة وسواها من عناوين وأسماء .
وتصطبغ قصائد الشعراء الذين سكنوا الوطن الفلسطيني باللهب والغضب على وعد بلفور ، الذي ألقى بسواده على فجر فلسطين وصباحها حتى ألبسها الحزن والوجع ، وخنق الحلم ، وذبح شمس الحقيقة .
وقد نهض شعراء فلسطين ، أمثال أبو سلمى ، ابراهيم طوقان ، عبد الرحيم محمود ، ومحمد علي الصالح وغيرهم ، وتحلوا بالمسؤولية بعد صدور وعد بلفور وعشية النكبة ، وتنبأوا وأيقنوا بأم أعينهم ، بما كان لديهم من قوة الحدس ، محذرين مما كان ينتظر وطنهم وشعبهم مخاطر هذا الوعد على فلسطين وشعبها ، وعلى الأمة العربية ، وأحسوا بالخطر الداهم يلوح في الأفق ، انطلاقاً من وعيهم المبكر وقوة حدسهم وواجبهم الوطني ، فراحوا يدقون أجراس الخطر ، ويقرعون جدران الخزان ، يحذرون وينذرون شعبهم وأبناء جلدتهم مما يتربص بهم من مؤامرات كبرى ، متخذين من شعرهم سلاحاً ووسيلة كفاحية ، بهدف ايقاظ وتعبئة الجماهير وتثويرها وتحريضها والوقوف بوجه المؤامرة ومحاولة منع وقوعها .
ومن أكثر الشعراء الفلسطينيين الذين كتبوا عن وعد بلفور هو الشاعر عبد الرحيم محمود ( ١٩٣١- ١٩٤٨) تلك القامة الشعرية الشامخة ، وصاحب الهامة المرفوعة الذي قال في قصيدته ” وعد بلفور ” التي القاها في مدينة نابلس سنة ١٩٣٥:
وأتى الحليف وقام في اعتابنا
متجبراً أنا هدى المتحير
واستنصر العرب الكرام وانهم
غوث الطريد ونصرة المستنصر
واذا عتاق العرب تورى في الدجى
قدحا وتصهل تحت كل غضنفر
واذا السيوف كأنهن كواكب
تهوى تلامع في لعاج الأكدر
رجحت موازين الحليف ومن نكن
معه يرجح بالعظيم الأكثر
وبنت لنا إسيافنا صرحاً فلم
يحفظ جميل العرب يا للمنكر
في ذمة الرحمن صرعى جدلوا
وعلى ثرى بدم الرجال معصفر
غادر الحلبف وأي وعد صانه
يوماً وأي ذمة لم يخفر ؟
اما الشاعر الكبير ايراهيم طرقان (١٩٠٥ – ١٩٤١) فيوجه حديثه الى حكومة الانتداب البريطاني منوهاً بغدرها بحلفائها العرب ، ملوحاً بوعد بلفور ، ومبيناً يقظة الانسان الفلسطيني التي تنبهت الى أهداف الاستعمار ، فيقول بصوت عال عن الوعد الكئيب :
بلفور كاسك من دم الشهداء لا ماء العنب
ثم يؤكد نقض الوعد الذي لا يأبه به بالقوة :
لا تنقض الوعد الذي أبرمته فله نواقض
ويل لوعد الشيخ من عزمات آساد روابض
ويقول الشاعر محمد علي الصالح أبو عكرمة ( ١٩٠٧ – ١٩٨٩) ، وهو من الاسماء المهمة في التاريخ الوطني والنضالي والثقافي والأدبي التي لم تأخذ حقها من الشهرة والنجومبة ، عن الوعد المشؤوم :
لا بارك الله في ذا اليوم ان به
يا آل قحطان ” وعداً ” واضح الضرر
قد قام ” بلفور ” فيما تعرفون ولم
يعلم بأنا أسود الموقف الخطر
تالله لا نقبلن ” الوعد ” ما برحت
فينا دماء ، ولا نرضاه من خبر
أما الشاعر المخضرم لطفي الياسيني ( ١٩٣٦) وهو استاذ جامعي متقاعد ، وله ديوان بعنوان ” وعد بلفور ” فيقول :
يا وعد بلفور جئت اليوم تشجينا
فاليوم ذكراك ما انصفتنا حيناً
قد عدت والارض ما زالت محاصرة
تحت احتلال الخواجا والمرابينا
عشنا على القمع والتهويد في وطن
غاب الاسود به .. أمسى شياطينا
ضاعت فلسطين والأحباب قد رحلوا
خلف الحدود ، فلا رحنا ولا جينا .
هذا غيض من فيض مما قيل في وعد بلفور الباطل الذي اسس على ارض فلسطين مكاناً ، في ظل وغفلة وضعف العرب وحكامهم ، وتآمر بريطانيا والمستعمرون في حينها على الأمة العربية والاسلامية ، وعلى الشعب الفلسطيني ، ولا يمكن ابطال مفاعيل هذا الوعد سوى التمسك بالحلم الفلسطيني ، وحماية المشروع الوطني التحرري الفلسطيني ، والتمسك أكثر بثقافة المقاومة .
بقلم : شاكر فريد حسن