محاولة إغتيال أبو نعيم تظهر تقليدية الأداء الإعلامي
تاريخ النشر: 05/11/17 | 17:35متابعة المشهد الإعلامي الفلسطيني عقب محاولة الاغتيال الفاشلة للأسير المحرر توفيق أبو نعيم، مسؤول جهاز الأمن الداخلي التابع لحركة حماس يوم الجمعة 27 تشرين أول/أكتوبر 2017م، أظهر بعمق طبيعة الأداء الإعلامي في فلسطين، الذي لا يزال أسيرا للمدرسة التقليدية في الصحافة.
وفي ضوء الانطباعات الشخصية المبنية على الخبرة العلمية، ومتابعة حثيثة للأداء الإعلامي من المهم الإشارة إلى الآتي:
1- طبيعة المعالجة الصحافية:
اتجهت المعالجة في الصحافة بالذات بشقيها المقروء والإلكتروني، إلى إظهار التنديد والشجب والاستنكار، وتصريحات قادة الفصائل بخصوص هذا الموضوع، وجاء في سياق التنديد توجيه أصابع الاتهام إلى جهات عدة من أبرزها إسرائيل، و”تنظيم داعش” المنزعج من تقارب حماس مع مصر، وكذلك تجار المحذرات المتضررين من أداء أبي نعيم،…الخ.
أما فيما يخص المرئي والمسموع فلعب كل من: نمط الملكية، والتمويل، والسياسة التحريرية أدورا بارزة في طبيعة التناول للإعلامي للحدث، ما بين التركيز على شجب السلطة الوطنية، وقادة حركة فتح فيما يخص الإعلام الرسمي، أو تركيز إعلام حماس وحتى الجهاد الإسلامي على تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وعدد من قادة الحركة، والقوى السياسية الأخرى في غزة على ما حصل.
2- الفن الصحفي المستخدم أساسا في المعالجة:
لقد غلب على التغطية في مختلف وسائل الإعلام الفلسطينية، المعالجة الخبرية ضمن الخبر، والتقرير الإخباري، أو التقرير الوصفي، وحتى التصريحات السريعة، وهنا بالذات برزت عيوب الأداء بقوة، وبشكل جلي.
إن الشارع التائه في تحليلات واجتهادات حول طبيعة الطرف المتورط في هذه الجريمة كان بحاجة إلى تقارير تحليلية يتم الإجابة خلالها عن سؤالين مركزيين وبشكل مباشر: ما الجهة المتورطة في هذا الحادث( هل”داعش”، أم المتضررين من المصالحة، أم إسرائيل، أم أطراف خارجية أخرى…الخ؟)، وما الطرف المستفيد مما يجري؟، وهنا كان يتطلب بناء مادة استنادا لآراء أطراف لها وزنها في مثل هذه المسائل مثل الخبراء الأمنيين، والقادة الحزبيين، وخبراء في الشأن الإسرائيلي، ومحلين سياسيين، وغيرهم.
وبلا شك أن هذا النوع من المعالجات المتعمقة يقدم خدمة لكل من الشارع التائه بين خيارات عدة، وكذلك القادة السياسيين الذين أصابهم نوع من الارتباك والقلق في بداية الأمر.
كما أن التقارير التحليلية والتغطية التفسيرية التي تدخل في أعماق الأمور(Deep Reporting) دون الإغراق في الوصف الخارجي للحدث كان من المفترض أن تحد من الاجتهادات الكثيرة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ضمنها على حسابات تخص أكاديميين، وقادة سياسيين، وأناس عاديين.
وبالإجمال يبقى المشهد الإعلامي أسير المدرسة التقليدية في الصحافة(الصحافة الورقية، والإعلام التقليدي)، ما يتطلب من الصحفيين أنفسهم ورؤساء التحرير، ومالكي المؤسسات الصحافية، التنبه إلى الآتي:
أولا: التحقيقات الصحافية:
إن وسائل الإعلام الفلسطينية تركز على إنجاز تحقيقات البحث والتحقق(Investigation)، التي تماثل في مسارها وجهدها تحقيقات الشرطة وتسعى للتوصل إلى مذنب أو مجرم محدد، في وقت تبقى فيه الرقابة الذاتية سيدة الموقف، في ظل بيئة عمل معقدة وبحاجة إلى مزيد من القوانين التي تضمن حق الحصول على المعلومات، وكذلك تمنع بشكل لا يدعو للشك السجن على خلفية الرأي.
وفي المقابل، يتم إلى حد ما إغفال عن قصد أو غير قصد أنواع أخرى من التحقيقات مثل تحقيق الخلفية(Background)، الذي ينطلق من الأحداث الجارية ويسعى إلى النفاد إلى ما وراء الخبر قصد شرحه والكشف عن أبعاده ودلالاته.
وقد يركز هذه النوع من المعالجات على إعادة تركيب تسلسل الأحداث التي سبقت الإعلان عن حدث ما، فتعطي القارئ إضاءة جديدة تتوقف عند عناصر تهملها الأخبار عادة بقصد الاختصار، أو لأنها لم تتوفر عند نشر الخبر.
كما يبقى تحقيق الاستعلام (Inquiry) ضعيف الحضور إلى حد ما مع أنه ضروري جدا لمحاكمة ظواهر اجتماعية مستشرية، وتكمن أهميته في مناقشة قضية تشغل الرأي العام أو فئة اجتماعية محددة، أو قد تكون ظاهرة اجتماعية منتشرة، وربما تعيق مسيرة التنمية في منطقة ما.
وتهدف هذه المعالجة المساهمة في خلق الوعي بخطورة القضية المطروحة وتطوير الحوار الاجتماعي حول الموضوع وصولا إلى التأثير في الأطراف ذات العلاقة، أو بصناع القرار.
إن التقليدية والروتين الغالب على معالجات الصحف اليومية والمواقع الإلكترونية تتطلب أيضا التنبه إلى أهمية تحقيق التوقع(Anticipation)، والذي تحتاجه الحالة الفلسطينيىة، وحتى قضية محاولة اغتيال “أبي نعيم” كانت بحاجة لهذا النوع من التغطية؛ كونها تقدم قراءة للمستقبل، وللسيناريوهات التي يتم التنبؤ بحصولها مستقبلا.
ثانيا: أهمية المواد الخفيفة( Soft News)
لا يغيب عن الذهن أن جميع ما تم الحديث عنه في السابق يندرج ضمن المواد الصحافية الجادة(Hard News)، وكل ذلك يأتي بتزامن مع الهموم والمشاغل والصعوبات التي تثقل الجمهور الفلسطيني، الذي هو بأمس الحاجة المواد الخفيفة والطريفة والمسلية التي تريحه كثيرا، وتشعره بالأمل وبالتغيير، وهذا بالضرورة يفرض على القائمين بالاتصال التنبه إلى تحقيق الهروب(Escapism)، الذي يدفع بالجمهور إلى الابتعاد عن المواضيع المؤرقة ذات الصبغة السياسية الجدلية ودعوته إلى رحلة مريحة عبر المواضيع الخفيفة والمسلية، وربما الغريبة والطريفة.
إن الحديث عن المواد الخفيفة(Soft News)، يعيد إلى الذاكرة أهمية القصة الصحافية الإنسانية(Feature Story)، كونها تهتم أكثر بالأبعاد الإنسانية وبتفاصيل الحياة اليومية وتوظف المهارات الأدبية في الكتابة، وصولا إلى كتابة إبداعية، غير تقليدية، ممتعة.
وإذا أراد القائم بالاتصال أن يوسع آفاقه بإمكانه إلى يلجأ إلى تقرير عرض الشخصية (بروفايل)،أو (بورتريه)، والذي تفتقد إليه الصحافة اليومية الفلسطينية بشكل واضح.
إن الملاحظات سابقة الذكر تمثل إطلالة سريعة على واقع الصحافة الفلسطينية، ويبقى السؤال متى سنتخذ القرار الجريء بمواكبة تطورات العصر، والخروج من غرق التقليدية؟!.
بقلم د.محمود خلوف – صحفي وباحث متخصص بالتحرير والإعلام الإلكتروني