المقام المخطوف.!
تاريخ النشر: 09/11/17 | 14:24(سيرة مقام جرهم بن كليب العبقري الصفوري .)
لا نعرف التاريخ الدقيق ,التي بدأت عائلتنا -عائلة العبقري العريقه- تتوارث تقليد بناء المقامات لرجالاتها الافذاذ بعد موتهم ..
فبلادنا مليئه بمقاماتهم .فمثلا هذا مقام جدنا “جرول بن عوف العبقري الأول” وجد في مدينة القدس , ويبدو أنه بني في عهد اليبوسيين . ووجد مقام لأحد أجدادنا في دياميس عكا , كتب على بنائه الضحاك بن زيد العبقري . ويزين مقبرة الخليل , مقام جدنا “أوس بن علقمه العبقري” وهكذا فان قبورنا تملأ رحاب بلادنا .
إن جميع رجالات عائلتنا ومواقع قبورهم , مخطوطة على شجرة العيله ,التي نحتفظ بنسخ منها , ونحافظ عليها كما نحافظ على حياتنا .
. وآخر نسخه – لنا علم بها- كانت نسخة الكويكات , حيث وجدوها في بيت ابن عمنا “حذيفه بن شداد العبقري” ,الذي يتخذ من مخيَّم جنين مسكناً , بعد أن طُرد من بيته بعد النكبة , فصادروها واعتقلوها في متحفهم العسكري, وأخذوا ابن عمي الى السجن ,ولما سألوه عن سرِّ شجرة العائله , قال لهم:
” إن أفراد عائلتنا مسكونون “بالجن”, الذي أحضروه معهم من منطقة عبقر, من فيافي جزيرة العرب.
فأصابتهم “جفله”.. فحملوهم -هو وعائلته- ورموهم من وراء النهر , وهم يصرخون بهم :” إرجعوا من حيث أتيتم .!”.
والذي أثار المسأله مره أخرى , متسلل من مخيّم جنين , وصل الى بيتنا, بعد ان أرشى ضابطاَ اسرائيلياَ ” بقنينة زيت” من زيت اليامون , وقال إنه ينتمي بنسبه لعائلتنا العريقه , وأخبرني أنه سمع ان نسخه من شجرة العائله , مدفونه في مقام جدنا , جرهم بن كليب العبقري الصفوري , تركها هناك ابنه “مره” , الذي اختفت آثاره في بلاد المنافي, فقلت في نفسي: “ويأتيك الفرج من حيث لا تدري !” .
فركبت سيارتي وطرت الى صفورية , وعندما إقتربت من مقبرتها , اصطدمت عيناي بأعداد كبيره من السيارات , منها ما هو مدني ,وأخرى سيارات شرطه ,وعندما تخطيت السيارات , رأيت منظراَ غريباَ , لقد كان المئات من الاشباح السود ,يحيطون بقبر جدي , ويقومون بتحريك رؤوسهم الى أعلى والى أسفل , وتخرج من حناجرهم أصوات , كأنها دوِّي نحل .
دققت النظر فيهم , وجدتهم عباره عن نسخه واحده لكائن بشري مغطى بالسواد , من أعلى رؤوسهم الى أسفل أقدامهم , تتدلّى من رؤوسهم سوالف شقراء , وعيونهم منصبة’ على كتاب مفتوح يمسكون به بأيديهم , عرفت بعد ذلك انه كتاب التوراه .
ولما “سألت ” شرطيا عربياَ تفسيرَاً لهذا الذي يدور أمامنا , قال وهو يضحك ضحكه, حاول ان يخفيها عن قائده اليهودي: ” يقولون ان في هذا القبر مقبور رجل مقدس لهم .!!”
“باطل” يا غبوه .. يا عبقري .!! الغرباء يقدسون جدّك ,وأنت “صافن”.!” قلت في نفسي والحميه تشعل رأسي .
رجعت الى سيارتي, وأخرجت قطعه من القماش الأسود , كنت أفرشها في الصندوق الخلفي للسياره , ولففت بها جسمي من الأعلى, “وسحبت ” كتاباَ من أحدهم , كان يحمل مجموعه منها , وفتحته وبدأت أقلدهم هازاَ رأسي الى الأعلى والى الأسفل , وأتمتم قائلا ” رحماك يا جدي ..رحماك يا عظيم”.
واستمررنا على هذه الحاله ساعه أو يزيد ,ولما توقفوا وتوقفت “صادت” عيني رجلاً كان يقف بينهم , ولكنه لم يكن يلبس السواد مثلهم .
تقدمت منه ..وعندما تمعنت وجهه عرفته .. إنه “ييتساق شيمي “, الذي كان يسمي نفسه عند العرب قبل, “الإنتفاضه” “أبو عبد الله” , وكان يبيع الهويات الزرقاء للعرب, مقابل ما يزودونه من الخنازير البريه .
فتقدمت منه وصحت به : “أبو عبد الله..!”, ولما لمحني أسرع الي” وعبطني” “عبطه ” عصرتني,وهمس في أذني:” إسكت.. أنا هنا يتسحاق شيمي.!” , ولما أفلتني قال لي معنفاً :
“كيف وصلت الى هنا متخطياً حواجز الشرطه!؟”
قلت له: “متسللاً!” فسكت .
فسألته هامساً والدهشة تقطع قلبي :
“ماذا يفعل هؤلاء المتدينون هنا , ألا تعرف ان هذا قبر جدي .!؟ّ ”
فرد وابتسامة خبيثة ” تزين ” وجهه :
“أعرف يا غبي !.. ولكنه لم يعد قبر جدك .!!, انه قبر يعقوب بن يوحنا الفلنئي.!!” أكمل مسدداَ الى قلبي سهام سمومه السوداء .
تركني مسرعاَ ملتحقاَ ” بجماعته ” ,بعد أن حذرني من العوده الى صفورية مره أخرى.
وبعد ان غادروا المكان لملمت قواي , ودخلت الى مقام جدي” صخر بن ثعلبه العبقري” ,وحفرت بجانب قبره, فوجدت الكوشان وشجرة العيله, فأخذتها وأسرعت بها الى بيتي, وخبأتها في مخبأ العيلة الحصين .
بعد إسبوع , رجعت الى صفورية , لأتفقد أحوال قبر جدي , ولو أني قبرته بيدي لما اهتديت إليه , فقد كانت تحاصره أعمدة من الحديد , مُثبت بها أسلاك مشبكة , مكونة سياج لا يمر منه العصفور , وتخوَّل لونه من الأخضر إلى الأسود , وبعد جهد جهيد استطعت من فتح بوابته والدخول إلى المقام .
وعندما دخلته هالني ما رأيت , فقد مُحيت الآيات القرآنية , وكُتِب بدلها كلمات باللغة العبرية , وأختفت المصاحف من مكانها ,وأبدِلتْ بكتب بالعبرية , وغُطِّي ضريح جدي بغطاء جديد , ورُسمت في أماكن كثيرة من جدرانه ,نجمة داوود الحمراء .
وعندما خرجت مشدوهاً .. وجدت سيارة الشرطة تنتظرني في الخارج , فرموني في داخلها .. وعندما أردت فتح فمي , أغلقوه بالتهديد والوعيد , ولعنوا أجدادي إلى ان وصلوا الى عبقر.
وعندما وصلنا مقر الشرطة , أجلسوني على مقعد فرب بابه الرئيسي , فبقيت جالساً عليه ساعات طوال حتى تحولت الى جزأ منه .
وعندما أتى “الفرج” , أدخلوني الى غرفة , وجدت فيها نفسي أجلس على كرسي أمام إثنين , واحد يلبس رسمي والثاني بالصندل والشورط والفلينلا ذات نص الكم , وعندما تفحصت وجهه هالني ما رأيت .. كان هو شامي أبو عبدلله ..
– كيف حالك يا صديقي ..يا عبقري .. !؟ سأل بنبرة لوم وعتاب
– صديقك بعمل مشاكل ..سبقني “الرسمي ” بالرد .
– يا إيلي .. بيت جده ..! إنت بتحب واحد يمنعك من زيارة قبر جدك .!؟
– ولكنك قلتلي ان أجداده في عبقر .!! وشو جابهم على صفورية !؟
فقلت باستهبال :
– قالوا انه عطش ,ولم ترويه إلا مية صفورية..!
– ومن أين عرفت هذا .!؟ سأل متوعدا ..
– وجدت هذا مدوناً على رقعة في ضريحه مع كوشان الأرض .. ووثيقة شجرة العيلة .!
فانطلقت منه قهقهة هزت المكان ..وضرب بيده ضربة زلزلت كتف “صديقي الشامي , وقال وهو يغالب تفجرات ضحكاته :
– والله هذا صاحبك يا شامي نكتة..!
مشان شامي وصحبتك معاه , بنسمحلك تزور الضريح .! أكمل وهو يحاول ان يُرجع توازنه وجديته
– وأهل صفورية . !
– ممنوع .. ولا واحد . !
– ولكن هم إلي ” حضنوا ” جدي حياً , وبنوا له الضريح ميتاً .!
– قلت ولا واحد .. ! أنت بعدك بتحلم إنه في ناس إسمهم أهل صفورية ..!؟ زعق بي .. وقاما من مكانيهما وخرجا .. وتركاني .
بيتوني ليلة في غرفة السجن .. فبت فيها أعد النجوم في سقفها .. وفي الصباح أطلقوا سراحي .. وطرت الى عين صفورية ..وأغرقت وجهي ,أغبُّ ماء عينها , مكملاً سيرة العيلة , التي نتوارثها منذ أن قدم أجدادنا الأوائل , من بوادي عبقر .!
قصة بقلم : يوسف جمّال – عرعرة