عشرة مقابس لإزالة ظلمة الوساوس
تاريخ النشر: 06/06/18 | 21:24بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
قال الله سبحانه وتعالى: “لقد خلقنا الإنسان في كبد” فهذه هي الحياة:
طُبعت على كدر، وأنت تريدها *** صفواً من الأقذار والأكدار
لم تصفو لخير الخلق، وأشرف الأمة، وأفضل البشرية؛ لأنها ليست بدار جزاء ولا مكافأة، وإنما دار بلاء ومدافعة.
فإذا علمت هذا، لانت شدائدها، وهانت عليك مكائدها، وصبرت على ضرها، وشكرت على صرها.
وإن مما يؤرق الإنسان، ويعكر صفوه، ويجحم حياته.. هي الوساوس والأوهام، وقد كثرت وفشت مع تقدم التقنية والتكنلوجيا والحضارة المزيفة.
يقول الدكتور ماثيو تشابك في كتابه (شفاء القلق): “لو أن القلق عرف سبيله إلى نفس الإنسان البدائي لانقرض الجنس البشري ومحى الله وجه الأرض، لقد خلقت الحضارة القلق، وليت القلق يحل مشكلات الحضارة بل إنه يزيدها تعقيداً، ويحيلها عصية على الحل والبت”.
وقد اشتكى إلي كثير من الناس منها، فكتبت هذه الكلمات علّها أن تكون سبباً في شفاء، أو تخفيفاً من بلواء، “وعلى الله قصد السبيل”.
وبعد،،
فهذه عشرة مجالس، جلستها مع نفسي، فدونتها، ثم ها أنا ذا أنشرها لبني جنسي، علّ ناشد، يجد فيها قوامه، وعاطش يروي منها أوامه، فدونكها مزبورة مسطورة.
وأسأل الله لي ولكم العفو والعافية، والمعافاة الدائمة، في الدين والدنيا والآخرة.
ثم لا بد من التوقف معي، والعيش بفناء داري، تحت الظلال الوارفة، والأنهار الجارية، ومع العصافير الشادية … تسمع هدير الماء، وتشرب من نميره وسلسبيله، وتنظر إلى يانع الثمار، وبسوق الأشجار، تحاكي الطير وتناغيه، وتغرد مع الحمام وتصافيه، وتشدو مع البلبل الصادح، وتشرب من الماء القارح، مع ذكر الله سبحانه وتعالى، وترتيل الآيات، وتعاهد المساكين.
تعيش هذه المجالس: واقعا ملموسا، وشاهدا محسوسا، حتى لا تكن موسوسا، وأبشر -والله- بالشفاء والفرج، لا أقول: العلاج، بل الشفاء التام الكامل -بإذن الله-:
المقبس الأول: علينا أن نعلم بإيقان وإيمان، أن الشيطان عدو للإنسان، من عهد أبينا آدم، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا زال، ولم يزل، ولن يزال، في الوسوسة والغواية، والشك والنكاية، فاستعن بربه وربك، واستعذ بالله منه، ولا تحاوره وتناظره فإنه لا طاقة لك به، وإذا نبحك كلب الراعي، فعليك بسيده، وإلا سيطول عليك الرجم، ويستمر الدفع، وربما عدا عليك، فعقرك، فتشقى وتهلك.
فإياك ثم إياك، والدخول معه في حرب، فإنه لا قِبَل لك بجنده، فتخسر المعركة، ويربح النصر، “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله” هذا هو التعليم الرباني، تجاه اللعين الشيطاني.
فالتفكير معه ليس له منتهى، فاقطع التفكير بأن لا تنظر إليه، ولا تلتفت إليه؛ لأنه ليس له إجابة أبداً.
فالتحاور معه، تحاور فارغ، غير مجد، وإنما هو تشتيت عقل، وإحزان قلب، واضطراب نفس، وزعزعة إيمان.
والله يشفيك ويعافيك.
المقبس الثاني: إذا علمنا وآمنا بعداوة الشيطان لنا؛ وجب علينا أن نصدّق القرآن، قال الله: “إن الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا” فإذا علمنا أن الشيطان عدو، فمن شأن العدو، أن يُحذر ويُتقى، وإلا أوردنا المهالك والهوى، والمعاطب والغوى.
وعلينا أن نعلم أسباب الوساوس، وهي سببان:
ﺍﻷﻭﻝ: ﻭﺳﻮﺳﺔ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻳﻘﺎﻋﻚ ﻓﻲ ﺍﻷﺣﺰﺍﻥ ﻭﺍﻟﻬﻤﻮﻡ ﺍﻟﻤﺘﺼﻠﺔ ﻟﻴﻔﺴﺪ ﻋﻠﻴﻚ ﺣﻴﺎﺗﻚ ﻛﻠﻬﺎ، ﻛﻤﺎ
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﻟِﻴَﺤْﺰُﻥَ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ”
ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻫﻮ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻔﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ
ﺑﺄﻧﻬﺎ (ﺟﺰﻭﻋﺔ) ﺃﻱ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺨﺎﻑ ﺍﻟﺸﺮ ﻭﺍﻟﻤﺼﺎﺋﺐ ﻋﻨﺪ
ﻭﻗﻮﻋﻬﺎ ﻭﻋﻨﺪ ﺗﻮﻗﻌﻬﺎ، ﻭﺗﻤﻨﻊ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺇﺫﺍ ﺗﻤﻜﻨﺖ ﻣﻨﻪ، ﻛﻤﺎ
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﺇِﻥَّ ﺍﻹِﻧﺴَﺎﻥَ ﺧُﻠِﻖَ ﻫَﻠُﻮﻋًﺎ * ﺇِﺫَﺍ ﻣَﺴَّﻪُ ﺍﻟﺸَّﺮُّ
ﺟَﺰُﻭﻋًﺎ * ﻭَﺇِﺫَﺍ ﻣَﺴَّﻪُ ﺍﻟْﺨَﻴْﺮُ ﻣَﻨُﻮﻋًﺎ”.
المقبس الثالث: إذا علمنا ما سبق، علينا أن نعلم أن الله رحيم بنا، وغني عن عذابنا، فنوقن تماما، أن ما نعانيه -من وساوس وأوهام وشكوك وأسقام- إنما هو من الباطل الذي تنزه الله عنه، قال الله: “ولا يرضى لعباده الكفر” (والشر ليس إلى الله) إنما هو من الشيطان الرجيم، الذي قعد لابن آدم بأطرقه: الدينية والدنيوية، فهو حريص كل الحرص، على إفشالك ومحقك، والسقوط بك إلى المنحدرات، والرمي بك في المستنقعات، عند ذلك، -لا قدر الله- يفرح ويمرح ويسرح، ليغوي غيرك، بعد أن صرت في شراكه وشركه.
فاحذر.
المقبس الرابع: عليك أن تعلم أخي، أن لكل داء دواء، مهما صعب، وخفي، وعظم؛ مصداقا لقول نبينا عليه الصلاة والسلام، (ما أنزل الله من داء، إلا وأنزل له دواء) فتؤمن وتوقن أن مرضك بيد الرحيم الخبير الحكيم، سبحانه وتعالى، فتطمئن وترتاح وتسكن وتأنس، وتعلم أن اختيار الله، خير من اختيارك لنفسك، أو اختيار والديك وزوجك لك، مع البحث عن أسباب الشفاء الذي لا بد من وجوده، وعند ذلك تقطع على الشيطان، كل شبهة وشك، فينزل الله شفاءه.
المقبس الخامس: عليك بصدق التوكل على الله، وحسن الظن به، مصدقا في ذلك الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)!
الله أكبر، جعل الله الاختيار لك يا عاقل، فماذا أنت مختار؟
أظن أن ذكاءك وفطرتك، تدلك على أن تحسن الظن بربك، وستأتيك -والله- الثمرة والعائدة.
المقبس السادس: اعلم أن كل شيء بقضاء وقدر، قال الله: “إنا كل شيء خلقناه بقدر” فإذا آمنت حق الإيمان، أن كل شيء في العالم: صغُر أم كبر، عظم أم حقر؛ هو بقضاء وقدر: ارتاح قلبك، واطمأن فؤادك، وسكنت نفسك، وهدأت جوارحك، وبردت عينك، وعظم يقينك.
ولا تقلق من المستقبل؛ لأن ذلك بعلم الله، “إن الله يفعل ما يريد” وتذكر قول الله: “وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم”
فالخير بيد الله، والشر يكشفه الله.
فلا تقلق ولا تحزن ولا تجزع.
المقبس السابع: قابل المرض بالمدافعة، فتفر من قدر الله، إلى قدر الله -كما جاء عن عمر- وهذه سنة الحياة، (تداووا عباد الله، ولا تداووا بحرام) فإذا أصبت بمرض، تدافعه بالعلاج الشرعي، واليقين القلبي، والاعتماد الكلي، على رب الأرباب، ومسبب الأسباب.
المقبس الثامن: عليك بشفاء القرآن، فلا شافي مثله، ولا طبيب شبهه، فهو الذي قال الله فيه: “وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين” فهو شفاء من الأمراض الحسية والمعنوية، ومن جرب: عرف!
عفوا: لا تجرب القرآن، بل تيقن الشفاء قطعا وجزما ويقينا، أما إذا اتخذته تجرِبة، فلن ينفعك.
هل تصدق كلام الله؟!
إذن، استشف بالقرآن، بكل ثقة ويقين وإيمان.
ومن ذلك: آية الكرسي، والمعوِّذات، وقراءة (آيات الحفظ) و (آيات الشفاء) و (آيات السكينة) ففيها عجائب ومعجزات، يعرفها من استشفى بها.
وقد حكى ابن القيم عن شيخه ابن تيمية، أنه كان إذا اضطرب قلبه، وتشتت لبه، قرئت عليه آيات السكينة؛ فيهدأ ويزول عنه ما كان يجده.
المقبس التاسع: عليك بالمحافظة على الصلوات الخمس، وأذكار طرفي الليل والنهار، وأوصيك بكتاب (حصن المسلم) فقد جمع وسهل.
وأوصيك يبعض الأذكار، اتخذتها لنفسي زادا ورفدا، فكم ألجأ بها، حين تبلبل الأفكار، وتكدر الأكدار، وإحاطة الأخطار، فما هي إلا التجلية والتحلية والتصفية والترقية، وهي:
-يا حي يا قيوم.
-يا ذا الجلال والإكرام.
-سبحان الله.
-الحمد لله.
لا إله إلا الله.
-الله أكبر.
-لا حول ولا قوة إلا بالله.
-حسبنا الله ونعم الوكيل.
-إنا لله وإنا إليه راجعون.
-أستغفر الله وأتوب إليه.
-اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
(وسأجمعها في نشرة خاصة -بإذن الله-)
المقبس العاشر: عليك بالدعاء، وصدق الالتجاء إلى ربك وخالقك، وانطرح بين يديه، بكل تضرع وخضوع وخشوع، وتحيّن أوقات وأماكن استجابة الدعاء.
ومع العلاج الروحاني، لا بأس بتناول العلاج الطبي الجسماني من طبيب حاذق صادق.
وأختم بما قاله العلامة السعدي -رحمه الله تعالى- قال:
“ومن أعظم العلاجات لأمراض القلب العصبية، بل وأيضاً للأمراض البدنية: قوة القلب وعدم انزعاجه وانفعاله للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة. والغضب والتشوش من الأسباب المؤلمة ومن توقع حدوث المكاره وزوال المحاب، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية، والانهيار العصبي الذي له آثاره السيئة التي قد شاهد الناس مضارها الكثيرة.
ومتى اعتمد القلب على الله، وتوكل عليه، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة، ووثق بالله وطمع في فضله، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم، وزالت عنه كثير من الأسقام البدنية والقلبية، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، فكم ملئت المستشفيات من مرضى الأوهام والخيالات الفاسدة، وكم أثَّرت هذه الأمور على قلوب كثيرين من الأقوياء، فضلاً عن الضعفاء، وكم أدت إلى الحمق والجنون، والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب، الدافعة لقلقه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي: كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه.
فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام، ولا تزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس، ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له، ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئن لوعده، فيزول همه وقلقه، ويتبدل عسره يسراً، وترحه فرحاً، وخوفه أمناً، فنسأله تعالى العافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته، وبالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهله بكل خير، ودفع كل مكروه وضير”.