إفتتاح معرض “بحر … بر ” في جفعات حبيبة
تاريخ النشر: 02/12/17 | 14:26افتتحت جاليري السلام يوم السبت الفائت في مركز الفنون المشترك في جفعات حبيبة معرض “بحر بر” لمجموعة من الفنانين العرب واليهود وذلك بحضور العشرات من الشخصيات ومحبي الفن بالاضافة لمجموعة من اصدقاء جفعات حبيبة من كل انحاء البلاد حيث تخلل حفل الافتتاح كلمات ترحيبية من كل من الفنانة المشاركة رانية عقل العفاسي وعنات ليدور مديرة مركز الفنون المشترك، يانبف ساجي المدير العام لمركز جفعات حبيبة. وقد شارك في المعرض كل من الفنان سمحا شيرمان، الفنانة نوعه شيزاف،الفنانة رانبة عقل حيث تمحور المعرض حول ثلاثيّ يتراوح على النطاق بين الجانب النفسيّ الاجتماعيّ، وبين الجانب السياسيّ الشخصيّ.الضلع الأول هو الفنّان والمصوّر سمحا شيرمان. أعماله، صوّر أيقونيّة بالأسود والأبيض، مأخوذة من 35 السنة الأخيرة، وتتناول علاقة الإنسان مع الطبيعة، والاغتراب والدفء الإنساني وحيّزات سياسية خفيّة ومكشوفة. الصوّر مطبوعة يدويًا (بطريقة تقليديّة) وتتحرك على نطاق الرماديّة، بشكل يأخذنا للتمعن بواقع مركّب بدون ذلك التباين التضاديّ الثنائيّ المنقسم إلى أسود أو أبيض. التضاد الذي يميّز ضوء الأرض الساطع والمفاهيم التي تشرذم مجتمعنا اليوم أيضًا.سلسة “خط الأفق” تكشف لقاء شبه تجريدي للبحر والسماء. فضاء فارغ من الحضور الإنسانيّ، طبيعة غير مستنفذة، تأملية بجمالها، لكنها تخلق شعورًا من اللزوجة والضيق. فهل هو أفق الأمل أم وعد لم يتحقق؟ أعمال أخرى “ميناء تل أبيب” تمسك بالطبيعة مع آثار هيمنة الإنسان، على غرار البحر الذي تسبح فيه بقايا أشجار أو شيئًا ما كان وتفكك. في أعمال أخرى، ثمّة لقاء بين الإنسان والطبيعة على خط التماس بين البر والبحر. لقاء عرضي وفوق الزمن على حد سواء. لقاء يحمل مؤشرات الثقافة والعصر لكنها محصورة في التعريف بين العينيّ والمُمكن. شيرمان لا يبقى خارجًا، بل يموضع نفسه “قرب البيت الأول”، مسكنه الأول الذي هجره سكانه العرب لدى هروبهم من عكا عام 1948، وتم إسكان عائلته في هذا البيت لدى قدومها إلى البلاد في أعقاب الحرب العالميّة الثانيّة.
تنضم إليها جسد أعمال نوعه شيزاف، الضلع الثاني في المثلث. الجزء الأول للعمل: هو سلسلة أعمال تصوير هي توثيق لـ”شارع بلا اسم” يربط في جزئه الشماليّ بينن كفرقرع وكيبوتس رچڤيم، من كانون الأول 2016 وحتى صيف 2017.
يتقصى البحر وخط الساحل بين عكا وقيسريا كأشعة سينية لحفريات مستقبلية. على طرفي الشارع تمتد مناظر طبيعيّة، ويتم خدش جمالها بواسطة الواقع المحليّ، معسكر للجيش على مشارف قرية كفر قرع العربية، والذي يعلن سيادته ويرسم حدود القرية. يشجع الشارع المسافر فيه على مواصلة السفر وعدم التوقف، مواصلة طريقه من الطرف إلى الطرف. هذه الشهادة المادية على امتداد الطريق الموصلة بين بلدات المنطقة منذ العصر الروماني، توثق الطبقة العليا، وتحتها طبقات حفريات منذ تلك الفترة. لافتات الإعلانات تصطاد نظرات المسافر المسرع، ومكعبات الإسمنت تؤشر المنطقة العسكريّة المحظور الاقتراب منها. إنها شهادة على نسيج الحياة والعلاقة بين البلاد ومواطنيها اليهود والعرب.
الجزء الثاني من العمل هو مشروع يتقصى البحر وخط الساحل بين عكا وقيسارية كأشعة حفريات سينية مستقبلية؛ وهو ما يتكاتب مع الطريقة التي تعمل فيها الثقافة الإسرائيليّة على تكريس وصياغة ذاكرة الماضي، على مستوى التمثيلات المادية، مثل: العمارة العامة ومواقع التراث أو المواد المستخدمة يوميّا على نطاق واسع. وبصفته هذه فهو يسلط الضوء على الأسئلة: 1. ما الذي ستؤول إليه في نهاية المطاف الأدلة المادية التي ستمثل الثقافة البحرية / والشواطئ الإسرائيليّة في الحاضر عندما ستتحول إلى حفريات في المستقبل؟ 2. كيف تتشكل تمثيلات الثقافة؟ 3. هل ثمّة علاقة بين ما نفكر به عن أنفسنا في الحاضر وبين ما سيمثل ثقافتنا في المستقبل؟
رانية عقل، الضلع الثالث، تتعامل مع بيتها الذي يجري بناؤه في هذه الأيام لكنه مهدد بالهدم، ومع التخطيط المستقبلي لحدود قرية كفر قرع من خلال منظور مناطقي شامل ومن خلال استخدامها لخرائط هيكلية مستقبلية كخامة لمسطح أعمالها. رانية تقف على الأرض وقدماها راسختان: امرأة، أسرتها وبيتها. وهي تريد ممارسة حياة اعتيادية وقانونية في دولتها، لكنها في حالة “فحص” دائم كحالة ثابتة؛ وقصة قريتها هي أيضًا قصة المجتمع، والدولة والشرق الأوسط. وضعها لا يسمح لها اختبار مشاريع مستقبلية، وقوانين وعمليات تعديل القوانين في مجال بناء البيوت في المجتمع العربيّ.
في البحر تُشكّل فصلًا آخر من مشروع متعدد السنوات: “العودة إلى المُرسِل”. في هذا الفصل تُبحر رانية إلى أعماق البحر وتطلق زجاجات تحتوي على رسائل عمرها 10 سنوات إلى حبيبها السابق، والتي رفضتها الرقابة. هنا، تطلب رانية من البحر الحر الكبير حمل رسائلها إلى شواطئ جديدة، عسى أن يعثر عليها سكان الشواطئ. وفي داخل تلك الزجاجات تطلب منهم إرسال بطاقة لها تحكي أين عثروا على تلك الزجاجات ووضع طابع بريديّ عليها من بلدهم، هو رمز للأمل. إذًا اين نبدأ وأين ننتهي نحن؟كثقافة وكمجتمع؟ في الزمن وفي الحيّز ؟
الأرض العارية تخفي تحتها لا نهاية من الطبقات والمعالم. نمط تقسيمها وترسيم الحدود على وجه الطبقة العليا التي تلامس الهواء، يثير تساؤلات حول العلاقة بين ثقافة الإنسان والأرض، وبين الإنسان والإنسان.البحر اللانهائي، الذي لا نرى قاعه، مختلف هو. حدوده أيضًا غير مرئية، وخط الأفق الذي يفصل بين السماء والماء يتغيّر بطريقة لا تتعلق بنا.ثقافة البحر التي تنتجها بلاد الشاطئ هي في أساسها ثقافة شواطئ السباحة والصيد.معظمنا نظل على مقربة من الشاطئ، فماذا يوجد في البحر؟ ما الذي يمنعنا من دخول أعماقه؟البحر كتلة غير معروف يعمي البصر أحيانًا، وخطير أحيانًا.الهاوبة الأكبر على وجه الكرة الأرضية وقاعها مخفي عن الأنظار.فهل يمكننا اعتبار البحر ذلك الجزء من لا وعينا الجماعي، والجزء الواعي هو الأرض؟ ونحن نتصارع فوق ذلك السطح المكشوف على كل متر. فهل ثمّة معنى لذلك في أعماق البحر؟ وماذا يمكن أن تخبرنا المياه عن ما هو وراء كل أفعالنا الواعية كمجتمع؟تحتضن الأرض مؤشرات العصور والتصوّرات والثقافات والوعيّ في موانيها وشواطئها، بين عكا وقيسارية، تل أبيب ويافا وغزة وما بينها.فنحن أيضًا سنتحول في النهاية إلى مخلفات أثرية.من المثير التفكير كيف سيتم تصوّرنا من منظور المستقبل.ثقافة إنسانية متطورة؟ بدائية؟ عدوانية؟ ذكية؟وفي النهاية، لماذا نتقاتل على الأرض؟ فهل لهذا خُصصت. من المفترض أنها تشفي، والبحر كذلك.