نصيحة لكل من يمسح على الجوربين
تاريخ النشر: 25/12/17 | 5:35تكثر في هذه الأيام الأسئلة والنقاشات حول مشروعية المسح على الجوربين وضوابط المسح عليهما وما يجوز المسح عليه من الجوارب وما لا يجوز ، فقائل يقول سمعت بعض المشايخ في إحدى القنوات الفضائية يمنع المسح على الجوارب مطلقاً وآخر يقول سمعت لشيخ آخر في قناة أخرى يجيز مطلقاً… وهكذا ينقضي فصل الشتاء وملف المسح على الجوربين ما زال مفتوحاً وعالقاً إلى شتاء قادم.
ولوضع الأمور في نصابها الشرعي الصحيح وحسم الفوضى في هذا الأمر ، رأيت من المناسب بل من الواجب المحتّم أن أضع بين يدي إخواني وأخواتي نصوص وأقوال المذاهب الأربعة في المسح على الجوربين كي تنجلي الغوامض وتزول الشبهات العالقة في هذه المسألة لأنّها تتعلق بركن الإسلام وعاموده ألا وهو الصلاة ، وبداية قبل أن أستعرض ضوابط المسح على الجوربين أقول:
أ. روى ابن المنذر أنّه ثبت المسح على الجوربين عن تسعة من الصّحابة : عليّ ، وعمّار وابن مسعود وأنس وابن عمر والبراء وبلال وابن أبي أوفى وسهل بن سعد. (انظر: المغني، لإبن قدامة،1\332، كشّاف القناع،1\130)
وثبت المسح على الجوربين في السّنة كما روى أبو داود في سننه حديث رقم (159) وابن ماجه في السنن حديث رقم (560) وفي المسند (حديث رقم 18234) والترمذي في الجامع (حديث رقم 99) عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً .وقال الترمذي: حسن صحيح.
ب. اتفقت المذاهب الأربعة على أصل مشروعية المسح على الجوربين إلاّ أنّهم اختلفوا في ماهية وصفة الجورب الذّي يمسح عليه ، حيث حمله المالكية والشافعية على الجورب المجلّد وحمله الحنفية والحنابلة على الجوارب مطلقاً المجلدة وغير المجلدة – أي المنسوجة كالمتخذة من القطن والنسيج والصوف ونحوه.
ت. إنّ الجورب عند الفقهاء يقوم مقام الخف وشروطه هي عين شروط الخف بالإتفاق فلا فرق بين شروط الخف والجورب بل إذا اشترط أن يكون الخفان قويين متماسكين يمكن متابعة المشي عليهما فمن باب أولى أن يشترط ذلك بالجوارب ، قال ابن حنبل: “إنّما مسح القوم على الجوربين لأنّه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرّجل يذهب فيه الرّجل ويجيء”. (انظر: المغني ، لإبن قدامة ،1\332)
ث. اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على جواز المسح على الجورب المجلّد بالجلد من الأعلى والأسفل.
ج. اتفقت كلمة المذاهب الأربعة على منع المسح على الجورب الرّقيق المتخذ من القطن والصوف والكتّان بل نقل بعضهم الإجماع على منع ذلك.
ح. اختلف الفقهاء في حكم المسح على الجورب الثخين المتخذ من الصوف والقطن والكتّان إلى قولين حيث أجازه الحنفية والحنابلة ، ومنعه المالكية والشافعية ، واختلف الحنفية والحنابلة في ضابط الجورب الثخين حيث قال الحنفية: هو ما أمكن متابعة المشي عليه بدون مداس فرسخاً (5.5 كيلو متر) ، وقال الحنابلة هو: ما أمكن متابعة المشي عليه عرفاً.
خ. اتفق الجميع على أنّ عدم المسح على الجوربين هو الأحوط والأفضل خروجاً من الخلاف وذلك أخذاً بالقاعدة الفقهية: “الخروج من الإختلاف مستحب”.
انظر : حاشية ابن عابدين (1\500 ) ، المغني ، لإبن قدامة ، (1\331)، كشّاف القناع (1\130) ، الشرح الصغير (1\154) ،مواهب الجليل ، للحطاب المالكي ، (1\465) ، (انظر: مغني المحتاج ،1\113) ، حاشية البيجوري (1\126)
والخلاصة: بعد استعراض أقوال المذاهب الأربعة في المسألة يتضح أنّه لم يقل أحد بجواز المسح على الجورب الرّقيق ، وإنّما رخص الحنفية والحنابلة بجواز المسح على الجورب الثخين الذّي يمكن متابعة المشي عليه ولا شكّ أنّ هذه الجوارب نادرة التحقق في جوارب العصر .
قال الشيخ طهماز الحنفي المعاصر في كتابه القيّم “الفقه الحنفي في ثوبه الجديد”: “وقلّ من جوارب عصرنا ما ينطبق عليه شروط الحنفية”.
وجاء في كتاب المغني من كتب الحنابلة : “لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون صفيقاً يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين”.(انظر: المغني ، لإبن قدامة ،1\332)
وأمّا بالنسبة لاحتجاج بعض الاخوة بكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بجواز المسح على الجورب الرّقيق ، فالذّي وجدناه في شرح العمدة وهو من أكثر كتبه اعتماداً خلاف ذلك تماماً ، قال ابن تيمية في شرح العمدة(1\253 ) : ” وأمّا ما لا يمكن متابعة المشي فيه إمّا لضيقه أو ثقله أو تكسره بالمشي أو تعذره كرقيق الخِرَق أو اللبود لم يجز مسحه لأنه ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص ” .
فكيف يتمسك البعض بقول ابن تيمية بجواز المسح على الجورب الرّقيق ، وإن وجد في بعض كتبه ما يفيد ذلك فالقاعدة تقول إنّ المطلق يحمل على المقيّد !!
وبذلك يتبيّن أنّ معظم جوارب عصرنا لا تشبه جوارب عصر السّلف الأول إلاّ بالاسم !!
د.مشهور فواز-رئيس مجلس الإفتاء