توطئة لكتاب محمود مرعي: التجريب وتحولات الإيقاع في شعر درويش
تاريخ النشر: 07/01/18 | 3:09لا يختلف اثنان على طاقة محمود درويش الشعرية، وعلى قدرته الفذة في أداء الشعر إيقاعًا وموسيقا، فثمة عشرات من الكتب التي كتبت عن شعره، حيث تناولت المضامين والشعريّة، والأبعاد الوطنية والإنسانية.
لكن الجانب العروضي لأشعاره كلها لم يستقصه أحد، مع أن الشكل عامة، والعروض خاصة له فعاليته في فهم شعره، والاستئناس بجرسه، فالصياغة حرص عليها درويش من خلال مراجعاته لأشعاره، وليس أدل على ذلك من مخطوطة ديوانه الأخير لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي التي كان فيها إعداد و”تشطيبات”. (انظر كتاب إلياس خوري : محمود درويش وحكاية الديوان الأخير ص 19 مثلاً).
تابعت درويشًا في شعره، وكنت على بينة بمحدودية معرفته العروضية علمًا واستقصاء، ولا غضاضة في ذلك، لكني كنت مطمئنًا إلى أنه يجدد في الإيقاع، وقد تكون هنات أو كسر هنا وهناك، كنت في متابعتي أضرب عن ذلك صفحًا، فالخليل بن أحمد- وهو الذي قنّن ونغّم- يقول:
“الشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنى شاءوا، ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم من إطلاق المعنى وتقييده، ومن تصريف اللفظ وتعقيده، ومد المقصور وقصر الممدود، والجمع بين لغاته، والتفريق بين صفاته، واستخراج ما كلت الألسن عن وصفه ونعته، والأذهان عن فهمه وإيضاحه، فيقربون البعيد، ويبعدون القريب، ويُحتج بهم، ولا يحتج عليهم”.
(الزمخشري: ربيع الأبرار ونصوص الأخبار ج5/ 210-211، وكذلك لقرطاجني: منهاج البلغاء، ص 14)
من هنا فالنظر إلى عروض محمود، وإلى تقري الأوزان التي استخدمها، وإلى مداعبته الأوتار الأندلسية عروضًا وإيقاعًا، وإلى مدى التجديد الذي قصده أو لم يقصده، كل ذلك يدخل في بنية القصيدة، وبالتالي في مضمونها، ودلالاتها. ولعل التجديد لديه ينطلق أولاً في احتجاب البحر الشعري في بعض قصائده لتحل محله التفعيلة، ثم اعتماده التدوير لدرجة أن القارئ يظن أن هناك كسرًا في الوزن.
ثمة ضرورة قصوى للوقوف بتأن على الناحية العروضية الدرويشية بدءًا من غنائيته، وانتهاء بمقاربته النثر، وتحمسه لرأي التوحيدي “أحسن الكلام ما …قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم” – الإمتاع والمؤانسة (الليلة الخامسة والعشرون)، ولا مراء في أن الشكل يخدم المضمون، وبهذا تأتي أهمية هذا الكتاب.
درس الأستاذ محمود مرعي العروض لدى شاعرنا، ووقف عند كل صغيرة وكبيرة، وانتقال وتدوير، فكان بمعرفته الواسعة ومتابعاته الرائعة أهلاً للخوض في بحر يحسن السباحة فيه، وفي التقاط أصدافه، فأرجو أن تكون رحلة محمود مع محمود ما يغني الدارسين وشداة الشعر الجادين.
• إصدار مجمع القاسمي، باقة الغربية، 2012، والكتاب في 388 صفحة من القطع الكبير.
بقلم: أ.د فاروق مواسي