دعوة لمعرض”محاور ومسامير”في جفعات حبيبة
تاريخ النشر: 15/01/18 | 15:15“محاور ومسامير”
نشاطات في الحيّز
عدي ساند
عدي ساند والمعروف كفنّان يتعامل بشكل خاص من الفنون الحضرية، يعرض في الجاليري ومحيطها نشاطات في الحيّز، والتي تشمل: الرسم، النحت، التركيب، والتعامل مع المعمارية، ولأول مرة يتعامل في أعماله مع إمكانية الحركة والتحريك – الأنمي.
يقيم ساند علاقات معقدة مع “الچِڤعا” (التلة)؛ “چِڤعات هشلوشا”، الكيبوتس الذي وُلد فيه وتركته أسرته في طفولته المبكرة، ومع “چڤعات حبيبة”، الكامبوس النظري، البحثي والتربوي، الذي ينشط فيه مركز الفنون المشتركة وجاليري السلام. نشط ساند في فضاءات “چڤعات حبيبة” في تشرين الأول الماضي، وقبل نصف سنة في إطار معرض “تحت المصباح” من خلال الأعمال الأدائية. وما زالت أثاره على الأرض، تنكشف على نحو غير متوقع للمتجولين في مسالك المكان.
الجزء الأعظم من أعماله يجري في الفضاءات العامة، ولكن ليس كلها. فهو يعمل بين القطرات، بين خطوط الحدود، في المجالات الرمادية بين العام والشخصي، الاحتجاجي والمؤسساتي، وأيضًا بين “المركزي” و”الهامشي”، وكأن الهامشي هو المركزي وبالعكس.
كما يتنقل من خلال نشاطاته بين المجالات والمواد، على محور واحد للحركة، عبر تعاطي رئيسي مع ما هو قائم. عمله الفنّيّ لا ينتج أبدًا في الفراغ (إذا تواجد هذا أصلًا). في البدء كان المكان، وما هو قائم هو الذي يحثه على العمل.
والعمل الناتج يبحث غالبًا عن الحد الأدنى المطلوب (ومع ذلك لا يمكن تعريف ساند كفنّان تقليلي). وفيما بعد يجري توسيع العمل بما يتجاوز ساند ذاته، فهو يُمحى أو يتغيّر بكونه مكشوفًا في الفضاء العام. ويكون (العمل) أحيانًا المُحفّز لنشاطات فنّيّة أخرى، أو أقل فنّيّة. في مكان ما، في الطريق، تنشأ تفاعلات من التخريبية لأعمال ساند، وهو الأمر المعروف كثيرًا في مجال الفنون الحضرية. في بعض الأحيان يتفاعل ساند من جديد مع تلك التفاعلات، فيرسم فوق التفاعل الحاصل، أو يمارس تخريبية إضافية على عمله.
“محاور ومسامير” يعرض ساند على نطاقه الأوسع. أنواع حركاته المختلفة في الحيّز والزمن. في حركات صارمة وانسيابية على حد سواء، يمكن أن نرى فيها مبادئه وعناده السيزيفي، سوية مع الرقة والحميمية كشاهد على حساسية عالية جدًا لدرجة تخيلهما أحيانًا وكأنهما تتواجدان في أطراف خيوط الأعصاب العارية (أو المبتورة).
هي أيضًا حوار بين الذكوري والنسائي الذي يعمل من خلاله بتقنيات مثل المعالجة، وطريقة معالجته للحيّز ومضامين العلاقات غير المتناهية بينه وبينها، أو بين العلاقة الأكثر أساسية بين شيء ما لشيء آخر.
“أقزام العلب” (الشخصيات التي يعمل ساند منذ أكثر من عقدين على تطويرها، خربشات محسوبة، بدأت من تجريد مربع داخل غلاف وتأنيسه على شكل شخوص، صيَغ وعوالم)، إلى جانب النحت الطيني الشخصي، ومع نظرة أولية أحاسيس النضوج؛ مصقول ومليء بالفراغات الداخلية و”أماكن” للتوقف عندها لبرهة. وهي تكملة لرسوماته التي تزيل طبقات المكشوف.
وبينهما، ثمّة بيئات دادية. نحت وبه عناصر “ناجزة”، وهنا أيضًا يعمل ساند بحرية للتنقل بين الانصياع للتقسيم (المُفتعل) بين الناجز والمُعالج، الذي تدخلت به يد الفنّان أو خُلق من العدم.
المنظور المعماري متواجد في نقط انطلاق ساند، وبالاستناد إليها فإن أعماله هذه هي بيئات بمقاييس صغيرة. ورغم عدم اعتيادنا على التعامل معها كبيئات بهذه المقاييس، فهي أنتجت بصفتها هذه.
الشارع، الاحتجاج والحيثيات المحتملة هي المناطق التي يتعرف فيها على خط التماس، وهو يوسعه إلى المكان، الموقع، المجال – مجال رمادي؟ من عمل الجرافيتي “ليئة پيل” (وهو تلاعب لفظي في الكلمة العبرية لهپيل التي تعني لإسقاط) المرتبط بالاحتجاجات الاجتماعية من صيف 2011 في شارع روتشلد وما تبعه من تأشير لخيم الاحتجاج (والذي نشهد بعض منه في هذه الأيام في المكان نفسه) وحتى عمل “خلق الأماكن” من مجال النحت الطيني.
لتلك الأماكن ملامح تشخيص لا يمكن تجاهلها: كسُرْج أو كمخلوقات حية ذات أقدام وعلامات ذنب، أو ربما مخلوقات غريبة؟ الأواني الفاغرة فاها، العصافير أو الأعشاش، والتي تقترح مكانًا أو فضاء للتواجد في، للاستراحة فيه، أو للصراخ من خلاله.
“أقزام العلب” تعكس، ضمن أمور أخرى، نقدًا حول تأثير الثقافة المتأمركة التي تتبناها إسرائيل منذ سنين. عن طريق شخصيات الأبطال وأبطال الثقافة، تنكشف أيضًا الأقنعة العديدة التي تبنيناها كمجتمع وكأفراد. “أقزام العلب”، رغم تقطيعها ومحدودياتها، هي أنت وأنا ونحن. مع ذلك، فإن الحميمة تكتنف أعماله، مقياسها الصغير يرغم المتلقي الاقتراب منها، مما ينتج العلاقات الأولية في التراتيبية بين الفنّان والمتلقي.
الفنون الحضرية هي عمل جسدي، مكثف، يتطلب الخفة، والتسلق أو التدلي أحيانًا. بين سرعة آلة نسخ الرسائل وبطء صقل وتلميع المادة، ثمّة إرادة داخل الحركة بإيجاد مكان، عش، زوجية، هويّة محلية، مجتمع أخلاقيات وجماليات مجتمعية على جميع تعقيداته بمفهومها الشخصي والاجتماعي والثقافي والفني.
في صلب تطلعاته “التطلع إلى التغيير والتطور الثقافي، في البعد الزمني، الذي يستند إلى حرية الروح، الفكر الذي يشكل فيه النقد شرطًا للتحقيق” (من: ركائز وشيفرة، ساند 2013).
إنه فنّان في حراك ينتج في الحركة، والحيّز، والشارع، والزمن والتطور.
بنظري، ساند يدرك الواقع ويعمل مع الاستيهام الذي يشهد على الواقع، يجذبنا بالضحك والجدية إلى النظرة التي تبحث عن الإدراك والتطبيب. الإدراك هو العلاج الذي ربما يحتاج الآخرين له.
انشغاله في تعدد الأنشطة القصيرة والسريعة التي تشكل المدى الطويل، والذي يبحث عن تشكيل اخلاقيات مجتمعية “اللمسات في الحيّز العام، التي تخلق واقعًا وليس تصويرً فقط، دادا اللاوعي”، عدي ساند.
هذه هي المفاتيح لفهمه، ذلك التواصل العرضي في الوقت ذاته، الذي يخلق العلاقات وطبقات المفاهيم داخل الخطاب الحالي، مشهد الفن الإسرائيلي وتاريخ الفنون، الذي لا يمنح أهمية كبيرة للعمل المُنتج، بل يشمل ما قد أنجز (قائم) يتطلع إلى إضافة أقل ما يمكن بغية التأثير على ما تبقى.
عنات ليدرور،
قيّمة المعرض