في ذكرى الغياب معين بسيسو شاعر الرفض والثورة والإبداع المقاتل
تاريخ النشر: 25/01/18 | 10:11قبل 34عاماً مات معين بسيسو شاعر الرفض والمعاناة والثورة والسنبلة والواقع الحي والإبداع المناضل والمقاتل والتراث المتجدد، مات وفلسطين في قلبه ودمه وأحلامه وعذابه ودفاتره.
معين بسيسو من العلامات المضيئة في حركة الشعر الفلسطيني المقاوم ، ومن الوجوه الأدبية والثقافية الفلسطينية البارزة واللامعة التي ساهمت في النهضة الثقافية في فلسطين.حمل راية الواقعية وارتبط بالحركة الشعبية النضالية في سبيل الاستقلال والتحرر الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي ، وكان لولباً نشطاً في مواجهة المهمات الشاقة واستنفار الهمم من أجل الدفاع عن قضية فلسطين والقضايا العربية والإنسانية.
استقبلته الحياة سنة 1937في غزة وتلقى دراسته فيها ثم أكمل تحصيله الجامعي في القاهرة وبعدها عمل مدرساً في غزة ومصر والعراق.
وفي ظل الصراعات الفكرية والسياسية حدد معين اتجاهه الفكري وانتماءه السياسي إلى الفكر الماركسي ،فانضم إلى عصبة التحرر الوطني وانخرط في النشاطات السياسية وبدأت قصائده الأولى تظهر في الصحف والأدبيات الفلسطينية ومنها قصيدة”المعركة” التي يقول فيها:
أنا أن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
واحمل سلاحي لا يخفك دمي يسيل من السلاح
أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح
اكتسب معين بسيسو الخبرة الثورية والتجربة النضالية والتنظيمية والسياسية من علاقاته وارتباطاته بالشيوعيين المصريين والعراقيين ، وهذه التجربة مكنته من تأسيس الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة ، واستطاع بوعيه وفكره الثاقب ورؤيته بعيدة المدى أن يرفع مستوى النضال الشعبي والجماهيري ويخرجه من السر إلى العلن، وقاد حملات المقاومة ضد مشاريع التوطين في سيناء وضد مطاردة وملاحقة الوطنيين والشيوعيين والزج بهم في غياهب المعتقلات والزنازين. وبسبب نشاطاته وأرائه ومواقفه الشجاعة غمد في السجن وقضى سبع سنوات خلف القضبان، وكانت هذه تجربة مرة وقاسية لكنها عميقة الأثر ، ومدرسة للتفولذ والنضال والكفاح، وأضفت معاناته في السجن طابعاً خاصاً على شخصيته وأدبه وأشعاره الثورية التي شكلت معيناً وسلاحاً وزاداً للمقاتلين والمناضلين الفلسطينيين الأشاوس من أجل الحرية والديمقراطية والاستقلال الوطني التحرري.
ولم يفصل معين بين عملية التحرر القومي والطبقي ، وذلك لإيمانه بالجماهير الشعبية العريضة التي تعتبر القاعدة وصانعة التاريخ والمستقبل وصاحبة الفكر المحرك ، التي تجني ثمار عملية التحول والتغيير الثوري.
وفي العام 1966 ترك معين بسيسو غزة وعاش مطارداً في المنافي ، متنقلاً بين المطارات والعواصم العربية والأجنبية، مواصلاً المقاومة والإبداع الشعري والأدبي الخصب، وخلال حصار بيروت كان يكتب المقالات اليومية لنشرة “المقاومة” التعبوية التي كانت توزع لشحذ همم الجماهير والمقاتلين في الخنادق من أجل رفع معنويات الصمود والمقاومة.
وفي 24 كانون الثاني العام 1984 وخلال تواجده في لندن تناول عشاءه الأخير وتوقف قلبه عن النبض ولفظ أنفاسه الأخيرة ورحل ، ونقل جثمانه ووري الثرى في القاهرة.
لم يكن معين بسيسو فنان الكلمة الساحرة والأخاذة في الشعر بل في النثر أيضاً ، وقد أصدر عدة مجموعات شعرية ونثرية ومسرحية وهي:” المعركة، حين تمطر الأشجار، مارد من السنابل، الأردن على الصليب، فلسطين في القلب، الأشجار تموت واقفة، جئت لأدعوك باسمك، قصائد على زجاج النوافذ، القتلى والمقاتلون والسكارى، اخر القراصنة من العصافير، الآن خذي جسدي كيساً من رمل، أبدأت تحصي أضلعك، مأساة جيفارا، ثورة الزنج، شمشون ودليلة، المنجم ، العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع”.
معين بسيسو صوت شعري دافىء ، ونموذج متفرد في الحياة الشعرية الفلسطينية، كان شاعراً جزل العطاء، متين العبارة، لغته سلسة وصافية وشعره عفوي من “السهل الممتنع” وغزير بالتعابير والألفاظ الشعرية والرموز الفكرية والتاريخية ، وهو بحسه المرهف جسد مأساة شعبه وهواجسه وكتب قصة الصراع والمعاناة الشاقة والبحث عن وطن وهوية وغد أفضل ومستقبل مشرق ومنير لشعبه وللإنسانية المعذبة جمعاء. ويمكننا القول أن قصائده ترتيلة حزن لحالة الفلسطيني المشرد والمحاصر والمقاتل من أجل العودة والعيش بحرية وكرامة مثل بقية شعوب العالم قاطبة.
وأخيراً فأن معين بسيسو كسب لنفسه الخلود والبقاء أبد الدهر بفضل إبداعه الشعري الأصيل والجميل وسيرته الحياتية ، التي تميزت بالصدق والاستقامة والجرأة والشجاعة والشفافية والنقاء الثوري. وهو عصي على النسيان وسيبقى في القلب والوجدان الشعبي الفلسطيني بقصائده الوطنية والثورية والطبقية علامة مشرقة ومضيئة فوق خريطة الحلم الفلسطيني.
بقلم: شاكر فريد حسن