الحرب والجالية السامرية
تاريخ النشر: 07/02/18 | 2:57في ما يلي، في تقديري، النقاط الرئيسية، التي وردت في المقال المذكور، الذي كان في الأصل ورقة تُليت في آذار ١٩٢٠ أمام جمعية شيكاغو لبحث الكتاب المقدس. الغرض من هذا المقال، كما يقول الكاتب الدكتور في اللاهوت وليم إلعزار بارتون (١٨٦١-١٩٣٠، سيم قسّيسًا عام ١٨٨٥، تراسل مع السامريين بين السنتين ١٩٠٣-١٩٢٦؛ تمكّن في هذه السنوات من الحصول على الكثير من الموادّ السامرية عبر اتصالاته الشخصية معهم، من هذه المواد: مراسلات معهم، مخطوطات، صور، ١٩دَرْجًا منها اثنان يضمّان التوراة ويعودان لبداية القرن العشرين، نصوص الكاهن يعقوب بن هرون الأصلية وغير المنشورة حول تاريخ السامريين وفكرهم، خمسة كتب صغيرة لأقسام من التوراة السامرية، كتابا صلوات سامرية، سفر بالعربية بقلم الكاهن إسحق حول بئر يعقوب، سيرة حياة الكاهن يعقوب بن هرون بالعربية بدون ترجمة، نسختان لكتاب يهوشع بالعربية، وفي إحداها شرح بالعبرية السامرية، نسخة من كتاب أبي الفتح، حوالي ١٥٠ رسالة من قبل أو حول اللجنة الأمريكية السامرية) منذ البداية هو تقديم تقرير حول عمّا حصل للسامريين من تقدّم وتغيّر خلال السنوات الخمس الماضية من جهة، ومن الجهة الثانية الإعلان عن انتهاء تصوير ما يُعتقد أنّه أقدم مخطوط توراتي في العالم.
تعود صلة الكاتب بارتون بالسامريين إلى ربيع العام ١٩٠٢، ثم استؤنفت بعد الحرب الكونية الأولى حيث عانى السامريون الكثير. نشر وصفا لزيارته هذه في المجلة ذاتها Bibliotheca Sacra، تشرين أوّل ١٩٠٣. في تلك الزيارة تعرّف بارتون على الكاهن الأكبر يعقوب بن هرون وولديه، يوسف وأبو الحسن، أكبرهما يوسف قد توفي الآن وكذلك تعرّف على قريبه منافسه إسحاق بن عمران. وكان بارتون قد اقتنى آونتها توراة ودَرجًا يشمل سفر التكوين. كما تراسل مع الكاهن يعقوب بن هرون حتى انقطاعها بسبب الحرب. وهذا الكاهن الأكبر قد رحل عن هذا العالم يوم الأحد مساءً في بيته في نابلس في ٢٣ نيسان العام ١٩١٦ بحسب الأخبار التي وصلت بارتون في الثالث عشر من تشرين أوّل العام ١٩١٦. كان الكاهن طاعنًا في السنّ ولكن يقال إنّ الأوضاع العصيبة آنذاك قد نغّصته. استطاع الكاهن الأكبر أن يقوم بدوره في احتفال عيد الفسح. كان بارتون قد تراسل معه مدّة سنين ونشر بعض كرّاساته وكان صديقًا شخصيًا حميما. وقيل عن الكاهن الأكبر المذكور أنّه أحبّ بارتون ”كأخ وحيد“.
صديقه Edward Kirk Warren (١٨٤٧-١٦ كانون الثاني ١٩١٩ مخترع وثري كبير، رئيس جمعية مدرسة الأحد العالمية) وكان قد زار فلسطين عام ١٩٠١. وارين كان الروح الحية في مدرسة الأحد العالمية ودعا الكاهن الأكبر للحديث في نطاقها في القدس أمام مسيحيين من أمريكا وأوروبا. واهتم وارين بالسامريين كثيرًا وأسّس لجنة أمريكية سامرية وكان بارتون عضوًا فيها. وقد أسّست هذه اللجنة بمساعدة وارين مدرسة في نابلس في كانون أول عام ١٩١٣، تعلّم فيها أولا الأولاد العبرية والعربية والحساب ومواضيع أخرى أساسية. وبدأت مدرسة البنات في العام التالي بتدريس القراءة والمخرّمات. وبعد خمسة عشر شهرا تمكّن تلاميذ المدرستين من قراءة العربية والعبرية بطلاقة.
كما قدّمت تلك اللجنة بعض المساعدات المالية للسامريين بعد الحرب العالمية الأولى، وتقديم حوالي ٣٥ لترًا من الحبوب لكل بالغ ونصف تلك الكمية للولد، كما وابتيعت الأحذية للمحتاجين. وفي عيد الميلاد عام ١٩١٥ تسلّمت البنات هدايا من الملابس، والأولاد هدايا مفيدة ملائمة. كما وقامت اللجنة بدفع ثمن الخرفان التي نُحرت في عيد الفسح في نيسان من العام ١٩١٦. وقد نُشرت صور لهذا الاحتفال في المجلة الجغرافية الوطنية وأخبار لندن المصوّرة (National Geographical Magazine, Illustrated London News). ويظنّ السيّد بارتون أنّ مثل هذا الاحتفال بعيد الفسح لم يجر حتى العام ١٩٢٠.
كان بارتون قد أعرب عن رغبته مع وارّين حول إجراء إحصاء دقيق للسامريين، إذ أنّ كلّ باحث عاد من نابلس كان في جعبته عدد تقديري للسكّان السامريين، ولا أحد كان يعرف عددهم الدقيق، وهل هم في تزايد أم تناقص. من المعروف تاريخيًا أنّ إجراء إحصاء سكّاني في فلسطين كان بمثابة مغامرة خطيرة منذ الحاكم الروماني كيرينيوس ٤٥ق.م. -٢١م. وحتّى بداية القرن العشرين.
في الأوّل من آذار عام ١٩١٥ تمكّنت المدرسة المذكورة من إجراء الإحصاء المنشود بعد تخطّي بعض الصعوبات. وقد تمّ ذلك بإشراف نائب القنصل الأمريكي في القدس السيّد جون د. وايتنج (١٨٨٢-١٩٥١, Hon. John D. Whiting) والذي كان أيضًا ممثل اللجنة السامرية في فلسطين. وكانت النتيجة كالآتي: المجموع ١٦٨، ٩٧ ذكرًا و ٧١ أنثى، البالغون ١٣٥ والأطفال ٣٣ وعدد الجنود ٢٤ أُلحقوا بكتيبة واحدة ولم يشتركوا في المعارك بل بقُوا أولًا في حدود فلسطين بعيدًا عن جبهة القتال، ولكن بعد ذلك نُقلوا إلى أناطوليا لمدّة تزيد عن ثلاث سنوات ونصف السنة. ويشهد بارتون بأنّ هذه الأعداد تؤكّد ما حصل عليه عام ١٩٠٢. يظهر من هذا الإحصاء أن نسبة الأطفال مقارنة بالراشدين قليلة، وثانيًا أن أخطر نقص في الطائفة هو شابات سامريات في سنّ الزواج. كان هنالك في العام ١٩٠٢ عدد من الشباب بدون زوجات وكانت نسبة الزواج بين الأقارب عالية. كان هناك وما زال النقص في دماء جديدة. توفّرت لبارتون الأخبار عن السامريين حتى ١٣ تشرين أوّل ١٩١٦ وبمجملها كانت مشجّعة والمدرسة كانت ما زالت قائمة. إحصاء آخر أُجري في العشرين من آذار عام ١٩١٩: ذكور ٨١، رجال ٥٦ وأولاد ٢٥ والنساء والبنات ٦٠ والمجموع ١٤١. في خلال أربع سنوات الحرب التي فصلت الإحصاء الأوّل الذي أُجري في الأوّل من آذار عام ١٩١٥ والثاني في ٢٠ آذار ١٩١٩ توفي ١٦ ذكرًا و ١١ أنثى، المجموع ٢٧ أي فقدان ١٦٪ من أفراد الطائفة السامرية.
لم تكن هنالك أيّة محاولة لاعتناقهم المسيحية بشكل رسمي. وارين كان ذا إيمان إنجيلي راسخ، وشعر هو وأعضاء اللجنة أنّه من الأفضل لهم كأمريكيين مسيحيين الذهاب إلى هذه الطائفة المحرومة البائسة ومحاولة إظهار الروح المسيحية السمحة بدلًا من القيام بحملة لتنصيرهم.
أوّل خبر وصل بارتون إلى شيكاغو من طرف السامريين بعد الحرب العالمية الأولى كان في السابع من تشرين ثان العام ١٩١٨، أربعة أيّام قبل الهدنة بين أمريكا وألمانيا وأيام قليلة قبل وفاة وارين. الجنرال ألِّنبي (إدموند ألِّنبي ١٨٦١-١٩٣٦) حرّر فلسطين من الأتراك وأسرع السامريون في الكتابة لأصدقائهم في أمريكا. ثلاث رسائل وصلت معا: الواحدة بقلم أبو الحسن (١٨٧٩، ١٨٨٣، ١٨٨٥؟-٢ شباط ١٩٥٩، خلف أباه في الكهنوت، زوجته بدوية ابنة الكاهن الأكبر توفيق بن خضر/متسليح بن فنحاس المعروف بالكنية أبو واصف/آشر، وأبناء أبي الحسن هم يوسف وهرون اللذان كانا كاهنين أكبرين وحسن الذي انتقل للعيش في حولون بعيد حرب ١٩٦٧ والأخير عز الدين الذي عانى من مرض عقلي ورحل عن الدنيا وهو في الأربعين من عمره. كتب أبو الحسن الشعر الديني وكان راويًا لموسى جاستر (١٨٥٦-١٩٣٩) وآرتور إيرنست كاولي (١٨٦١-١٩٣١)، ترجم الكثير من الآثار السامرية العربية للعبرية مثل كتاب التاريخ لأبي الفتح، كتاب الكافي ليوسف العسكري وسفر يشوع بن نون ومقالة الصدقات والتبرعات. تراسل مع الأوروبيين، علّم التراث السامري في المدرسة في نابلس في عشرينات القرن العشرين، أمّ طائفته ٢٨ عامًا، ناسخ معروف، خلّف مكتبة ضخمة، علّم التراتيل فتميز بصوت عذب، ابن الكاهن الأكبر يعقوب هرون للسيّد وارين، الثانية لأبي الحسن ذاته موجّهة للسيّد بارتون والثالثة وثيقة وقّعتها لجنة من سبعة أعضاء موجّهة للسيّد وارين. تسلّم وارين شخصيًا رسالتيه وأرسلهما إلى بارتون ولكنّه لم يعش ليقرأ الترجمة إلى الإنجليزية التي أعدّها البروفيسور مارتن شپرينچلنچ (١٨٧٧-١٩٥٩ ،Martin Sprengling، من مؤلفاته: الأبجدية، ظهورها وتطوّرها منذ نقوش سيناء؛ هوامش بار هبرايوس على العهد القديم؛ كاتالوج تفصيلي للمخطوطات في مكتبات جامعة شيكاغو؛ تراث غرب آسيا؛ من الفارسية للعربية) من جامعة شيكاغو. بعض ما ورد في هذه الرسائل يتطرّق إلى انتقاد عمل بعض الوكلاء المحليين في توزيع مساعدات اللجنة الأمريكية السامرية للسامريين في نابلس خلال الحرب. أولائك الوكلاء وَفق إدّعاء السامريين أخذوا بالتعجرف والغطرسة والبخل وقدّموا للسامريين أقلّ مما ينبغي.
وممّا ورد في رسالة أبي الحسن بن يعقوب بن هرون كاهن السمرة المؤرخة في ١٤ تشري إلى وارّين يمكن التنويه بالتالي: التبليغ عن وفاة أبيه وعزاؤه صداقة وارين بالمرحوم أبيه، وضع عائلته المادي السيّء، طلب المساعدة من وارين آملا أن يكون أبو الحسن قد حلّ محلّ أبيه، استعداده للإجابة عمّا يتعلّق بالسامريين من أسئلة واستفسارات وتلبية ما يطلب منه؛ إرسال تحياته للصديق السيّد وليم بارتون.
وممّا ورد في رسالة لجنة السبعة ومن ضمنهم إسحاق الكاهن الأكبر وأبو الحسن ابن المرحوم يعقوب بن هرون الكاهن الأكبر والمؤرخة في ٧ تشرين ثان العام ١٩١٨ والموجّهة للسيّد إدوارد كيرك وارين ١٨٤٧-١٩١٩ ما يلي: لجنة السبعة تمثّل كل الطائفة؛ الكلّ اليوم يعلم أنّك معين السامريين وحاميهم الوحيد بعد الله؛ وضع الطائفة في نابلس عصيب ووضع الجنود الأربعة وعشرين التعيس في أناطوليا في تركيا؛ السيّد وايتنچ عرض علينا رسالة باسمك تطلب فيها السماح له بالتقاط صورة فوتغرافية لتوراتنا المقدّسة وتصوير أعياد الفسح وأبناء الطائفة في مناسبات مختلفة؛ توقّع السامريين تنفيذ وعد وارين بشراء الستائر وتجديد الكنيس والحصول على منازل وإعادة فتح المدرسة التي أُغلقت منذ سنتين.
وممّا ورد في رسالة أبي الحسن إلى السيد السير والصديق الوحيد وليم بارتون المؤرخة في ٢٠ آذار ١٩١٩ ما يلي: وصول رسالة بارتون من الخامس من شباط؛ استفسار وارين عن أسباب وفاة والد أبي الحسن العام ١٩١٦: منها ما سبّب تسريع الوفاة، سلوك الأتراك الفظّ جدّا نحوه ونحو شعبه، لا سيّما مصير الأربعة والعشرين شابًّا سامريًا الذين جُنّدوا في الجيش التركي؛ الفقر المدقع والجوع؛ وفاة حوالي ٤٥ نسمة بشتّى الأمراض كالتيفوس كزوجة ابن الكاهن الأكبر البكر قبل عيد الفسح بأربعة أيّام (الصحيح أنّ الابن البكر يوسف كان قد رحل عن هذا العالم يافعا، المقصود هو الابن الآخر المدعو شفيق الذي مات في أول الثلاثينات من عمره وبعد ذلك بست سنوات توفيت زوجته عزيزة ابنة مرجان الدنفي وأنجبا ابنًا هو يعقوب بن عزّي وابنة هي منيرة زوجة الكاهن صدقة بن إسحاق: الشكر موصول لصديقي الكاهن عزيز ابن المرحوم صديقي ابن عزّي المعروف بأبي شفيق، الذي زوّدني بهذه المعلومة إلكترونيا في الخامس من تشرين ثان ٢٠١٧)؛ حلول عيد الفسح ولم يكن لديه أيّ قرش؛ عرضه لتوراة ثلاثية اللغة – العبرية السامرية والآرامية (في الأصل: السريانية) والعربية نسخها خلال ثلاث عشرة سنة للبيع، وبيعت بمبلغ عشر ورقات بنكية عثمانية، ما يساوي مائة وخمسين فرانكا؛ توفي الكاهن الأكبر في آخر أيّام عيد الفسح وهو يصلّي في مكتبه المقدّس، فقد حواسَّه، جلس وتمدّد على المصطبة؛ نُقل إلى الخيام حيث بقي مريضًا بالتيفوس خمسة أيّام بعد العيد، وفي اليوم الثاني نُقل حسب طلبه إلى منزله في نابلس، نطق الكاهن بوصيته لابنه وفقد قدرة الكلام؛ لفظ نفسه الأخير في يوم الاثنين الثالث من أيّار العام ١٩١٦ قبل غروب الشمس بنصف ساعة (قارن بما قيل أعلاه، ٢٣ نيسان)؛ غسل الجثمان بالحال بحسب التقاليد السامرية وإلباسه ملابس السبت ووضعه في الكنيس في تلك الليلة، قراءة كل التوراة عليه، وبعد الانتهاء من تلاوة كل سِفر ألقى الحكماء كلماتِ رثاءهم ومدحهم للمرحوم علـى أعماله؛ تمّ الدفن بحفاوة كبيرة يوم الاثنين في جبل جريزيم الساعة ٢١؛ بعد موته تعاملت الحكومة بقساوة نحو أبي الحسن وحيال أبناء أعمامه وأخواله لتجنيدهم، وكان عليهم دفع فدية مالية قدرها ثلاثة آلاف فرانك اقترضوها من القدس، وتقديم مجلد توراة سامرية، وهذه التوراة وقعت في يد تاجر نابلسي؛ أمل في قيام محسن جديد من آل وارين مثل ابنه بولس وأرملته وصهره تشمبرلين للسامريين؛ موت أربعة من الأربعة وعشرين جنديًا سامريًا الذين جندوا في الجيش التركي في الحرب الكونية الأولى وفقدان ثلاثة، لا يعرف مصيرهم؛ خمسة عشر شابًا سامريًا كانوا من حاملي السلاح، والبعض عمل في قطع الحطب للتدفئة وفتح الشوارع وأعمال مكتبية في الباركسات؛ بلغ عدد السامريين ٥٦ رجلا، ٢٥ ولدا، ٦٠ امرأة وبنتا ولكن بعون الله لن يحيد السامريون قيد أُنْمُلة عن الطقوس الدينية؛ إغلاق مدرسة وارين منذ عامين وحتى الآن؛ حزن أبي الحسن على حريق معبد وارين وفرحه بإعادة بنائه؛ رغبة أبي الحسن في إرسال صورة له مع أبيه لوارين ولكن تعذر ذلك لعدم وجود رسّام أو مصوّر.
وممّا جاء في رسالة أبي الحسن للدكتور وليم بارتون المؤرخة في ١٢ أيّار العام ١٩١٩ ردًّا على رسالة الأخير من ٢٨ شباط ١٩١٩ وفيها خبر وفاة وارين نذكر: نقل بولس ابن وارين لكلّ المراسلات التي دارت بين وارين والده ووالد أبي الحسن، لا سيّما الخاصة بالطائفة السامرية؛ إعراب عن الأمل بأن يكون بارتون داعمًا للسامريين؛ البِطالة تعمّ أبناء الطائفة جميعًا وهم مرغَمون على بيع كتبهم القديمة التي لا تقدّر بثمن، بغية البقاء أحياء؛ الطائفة على شفير الهاوية والاضمحلال؛ سؤال بارتون عن طقوس السبت الدينية بحاجة لكتاب وأبو الحسن مستعدّ لكتابته إن أراد السيّد بارتون ذلك؛ فتح المدرسة التي عملت عامين خلال الحرب من جديد يشكّل أولوية هامّة جدّا للسامريين؛ واجب اختيار كاهن من أسرة الكهنة اللاويين منوط بكلّ الطائفة؛ بعد موت الكاهن الأكبر يعقوب هرون والد أبي الحسن يأتي دور إسحاق بن عمران ليصبح الكاهن الأكبر والكاهن توفيق/متسليح بن فنحاس/خضر يتولّى قيادة الصلاة في الكنيس والكاتب أبو الحسن بن يعقوب يتولّى مهمّة القيام بالعظة في صلوات السبوت والأعياد، هذا ما اتّفق عليه؛ كتب أبو الحسن رسالته هذه بالعربية لعدم وجود أي مترجم في نابلس.
أمامنا تقرير كافٍ حول حالة السامريين في المدّة المذكورة، وضع الكهنوت لم يُحسم بعد، النزاع الطويل بين فرعي عائلة الكهنة سُوّي بتوزيع المهامّ الكهنوتية على ثلاثة أشخاص. إسحاق ابن عمران الكاهن الذي تلا يعقوب لم يُختر كاهنًا أكبرَ لأنّه كان آنذاك ابن أربعةَ عشرَ عامًا فقط.
وممّا ذُكر في رسالة إسحاق بن عمران كاهن السمرة المؤرخة الأوّل من أيّار العام ١٩١٩ للسيّد وليم بارتون: يقول إسحاق: صديقي وأخي العزيز، إنه اطلع على رسالة بارتون إلى السامريين عن طريق أبي الحسن ابن الكاهن الأكبر يعقوب، وأنّه أرشد أبا الحسن للردّ عليها؛ وحول سؤال بارتون بشأن طريقة اختيار الكهنة يقول إسحاق: على الكاهن الأكبر أن ينتمي إلى سبط أهرون؛ وعليه أن يكون ذا خبرة وتجربة في الشعائر والعادات في الديانة السامرية؛ وعليه أن يكون أمينًا ومخلصًا ومحترما؛ وعليه أن يكون الأذكى والأكبر سنًّا في سبط لاوي؛ عندما توفي ابن عمّي يعقوب كان لي الحقّ ليختاروني كاهنًا أكبر وَفق الشروط آنفة الذكر.
وقد أرفق إسحاق في طيّ هذه الرسالة صورة وبطاقته المطبوعة حديثًا، حيث ذكر اسمه ولقبه بأربع لغات (إنّها على ما يبدو أربعة خطوط: العربية، العبرية الحديثة، العبرية السامرية واللاتينية) إسحاق بن عمران، الكاهن السامري الأكبر. يظهر أنّ إسحاق يعتبر أنّ مسألة الكهنوت قد حُسمت في حين أنّ الدكتور بارتون يقول، بناءً على معلومات وصلته من فروع أخرى في أسرة الكهنة، أنّ الموضوع ما زال مفتوحًا بخصوص هويّة الكاهن الأكبر.
يأتي الآن بارتون إلى ما يصفه بموضوع واسع الأهمية بالنسبة للأبحات التوراتية. إنّه تمكّن في آخر المطاف من تصوير كلّ سفر التوراة القديم وذلك بفضل براعة وحكمة السيّد وارّين العملية. وكان الدكتور بارتون قد عبّر، في بعض الأحيان، في محادثاته مع السيد وارّين عن رغبته في تأمين مثل هذه التصاوير. وقد عرف كلاهما أنّ السامريين نتيجة لفقرهم قد باعوا بعض مخطوطاتهم الجيّدة حقًّا ورهنوا أخرى. وكان هنالك بعض الخطر الحقيقي بأنّ هذا المخطوط العظيم سيفقد في آخر المطاف، إذ أنّه كان محفوظًا في بناية غير صامدة للنار.
عارض السامريون بشدّة إمكانية تصوير توراتهم القديمة، وقالوا إنّ الذين رأوها من خارج الطائفة قلائل جدًا واعترفوا بأنّهم استبدلوا المخطوط القديم بآخر قديم أيضًا عند عرضه على القلائل. تمّ تصوير المخطوط وهو في صندوقه وظهر عامودان أو ثلاثة من الكتابة وادّعى السامريون أنّ إخراج المخطوط من الصندوق أو العلبة وفرده قد يكون أمرًا جدّ خطير إذ أن الرقّ كان قديمًا جدًّا ومعرّضًا لضرر لا يمكن ترميمه. على كلّ حال، وافق السامريون أخيرا. السيّد وارّين جنّد مصوّرين من المستعمرة الأمريكية في القدس لزيارة نابلس وهم مزوّدون بكاميرات ضخمة بمقاس أحد عشر ونصف بخمسة عشر ونصف.
ثم نشبت الحرب ولمدّة ثلاث سنوات لم يسمع بارتون شيئًا عن فلسطين ولم يعلم في ما إذا تمّ التصوير أم لا. وبعد انتهاء الحرب جرى تأخير كبير في إرسال المصوّرين إلى فلسطين وكان نقص بالورق وظروف غير مؤاتية أخرى. الإشارة الأولى التي عثرنا عليها بخصوص إنجاز التصوير كانت في رسائل ١٧ تشرين ثان العام ١٩١٨. شكا السامريون أنّ باحثًا هولنديا قد نشر جزء من النصّ بدون استئذانهم. على الفور استفسر بارتون وجماعته من السيّد جون د. وايتنچ (John D. Whiting، ١٨٨١-١٩٥١، كاتب، مصوّر ومرشد سياحي) الذي اعترف بتزويده الباحث الهولندي بصورة فوتغرافية واحدة، ولا أحد يملك مجموعة من التصاوير وليس بإمكانه توفير مثل ذلك في الحال. وأضاف أن التصوير قد أُنجز بنجاح وأنّه قد أرسل صورة فوتوغرافية واحدة لتظهر في مقال له نشر في المجلة الجغرافية الوطنية لشهر كانون الثاني العام ١٩٢٠. أُحضرت المخطوطة والتصاوير إلى أمريكا قبل أن فتح السيّد جون فنلي (John Huston Finley، ١٨٦٣-١٩٤٠) رئيس جامعة نيويورك المواد البريدية التي كانت في فلسطين وقت الحرب.
في شهر شباط العام ١٩٢٠ وصلت التصاوير كاملة. ويقول بارتون إنه واثق بأنّ هذه التصاوير هي الأولى التي استخرجت من صور النچتيڤ. ويقول بارتون إنّه من المناسب عرض هذه التصاوير أمام المختصّين في مدينة وارّين أولا، إلا أنّها عرضت أولا في لقاء لجمعية أبحاث الكتاب المقدّس في جامعة شيكاغو في العشرين من شهر آذار العام ١٩٢٠.
مقياس الكتاب، الكودكس: طول اللفافة ٦٩، ٢٣م. وعرضها ٣٩ سم؛ اللون بني قديم. صندوق المخطوط مطلي بالذهب وحديث وقد صُنع حوالي العام ١٨٦٠. نقل المخطوط من العلبة النحاسية القديمة إلى الفضية الجديدة أعطى الفرصة لأوروبيين فقط بحسب المعروف لرؤية المخطوط مفرودًا حتى القيام بهذه التصاوير. تفاصيل هامّة عن هذا الأمر قد نُشرت في رسالة كتبها البروفيسور جورج روزين (George Rosen، ١٩١٠-١٩٧٧، طبيب، مؤرخ طبّي، محرّر مجلة) وبعثها للبروفيسور فلايشر (Heinrich Leberecht Fleischer، ١٨٠١-١٨٨٨، مستشرق ألماني، جامعة لايبزچ) وتحمل هذا الرسالة التاريخ، الثالث من تشرين ثان العام ١٨٦١ وقد نُشرت في المجلّة Der Deutschen Morgenlaendischen Gesellschaft, 1864، ص. ٥٨٢-٥٨٩.
ويذكر البروفيسور روزين في هذه الرسالة، أنّه رأى المخطوط عدّة مرّات وهو في الصندوق، وسُمح له برؤية القسم الذي كان مفتوحًا فقط، ولم يفرد المخطوط لهذه الجهة أو لتلك ليتسنّى له فحصه. والقسم المعروض كان شديد السواد وغير واضح بسبب التقبيل وهذا بادٍ في التصاوير. آنذاك كان عمران الكاهن الأكبر الذي أكّد لروزين بأنّه لا علمَ له بأيّة حالة لإخراج المخطوط من الصندوق، وقدِ استخدم المخطوط فقط لسماح المؤمنين بتقبيله في مناسبات هامّة. وفي أغراض أخرى كالقراءة وعبادات أخرى فقد استعملت مخطوطات أخرى.
ويذكر روزين أيضا أنّه في سنة ١٨٦٠ تمكّن عالمان مهتديان حديثًا، هوفرات ليڤسون (Hofrath Levison) من سانت بطرسبورغ وكراوس (Kraus) من ڤيرتيمبيرچ من مشاهدة المخطوط عند نقله من صندوق لآخرَ وذلك لما قدّما من خدمات للكاهن عمران. سجّل كراوس بعض الملاحظات التي اعتمد عليها روزين. وفق ذلك الوصف يظهر أن المخطوط مكتوب على أكثرَ من جلود عشرين خروفًا بأحجام مختلفة، خيطت بعضها ببعض بخيوط مسطّحة رفيعة أو أطواق من مادّة ما. وقيل إنّ هذه الخرفان قد نُحرت وقُدّمت كأضحيات. بالرغم من أنّ المخطوط قد أُعتني به جيّدًا مدّة قرون، إلا أنّه في حالة يُرثى لها، فيه ثقوب كثيرة. لم يفتح المخطوط بحضورهما بل وضع على حصير الكنيس ثم لفّ بعناية بصندوق الفضة الجديد.
يعترف بارتون بأنّه لم يتمكّن بعد من فحص نقدي للتصاوير، إذ أنّه يحتاج أولًا لمساعدة المختصّين أكثر منه بالنصّ القديم. ولذلك يكتفي بارتون بهذا الوصف الخارجي. عدد التصاوير ٤٣، وكلّ منها يشتمل على ثلاثة أعمدة كاملة من النصّ. في حالة أو اثنتين نرى أن الأعمدة أضيق، أربعة أعمدة تظهر في النچتيڤ. الأعمدة متنوّعة من حيث العرض والطول. في الدرج الحديث خاصّة بارتون توجد ٥٤ سطرًا في العامود وعرض العامود خمسة إنشات، في حين أن العرض في المخطوط القديم أكبر بكثير ومختلف وغير مسطّر، ويتراوح عدد الأسطر ما بين ٦٨ و٧٥ وفق ما فحص بارتون لعيّنة عشوائية. طول دَرْج بارتون ١٠٦ أقدام وفيها ٢٢٨ عامودًا بينما في الكودكس القديم ١٢٩ عامودا.
في جلسة اللجنة الأمريكية السامرية المنعقدة في شيكاغو في الثاني عشر من حزيران العام ١٩٢٠ بُحثث المواضيع التالية: إمكانية استخدام التصاوير؛ قدّم بروفيسور ف. س. چودريش (F. S.Goodrich، بروفيسور في الكتاب المقدّس بالإنجليزية وقسّيس) والسيد هنري تشمبرلين (Henry Chamberlain) تقارير عن وضع اللجنة المالي، بقي مبلغ زهيد نقدا؛ زاولت مدارسنا مهامّها في خلال سنتي الحرب الأوليين وبالرغم من انقطاع التواصل بين أمريكا والبلاد دفعت اللجنة مبالغ إغاثة محترمة للسامريين عن طريق جون و. وايتنچ (John W. Whiting) ممثّل اللجنة في فلسطين. بلغت مبالغ تلك الإغاثة التي حوّلت للسامريين في مواعيدَ محدّدة عدّة آلاف من الدولارات, وهذا الدعم ساعدهم على اجتياز خطر الانقراض؛ الحالة بعد وفاة السيّد إ. كيرك وارّين الذي كان عمدة اللجنة؛ تبيّن أن لا حاجة الآن لمدّ يد العون للسامريين ولم يقرّر شيء بشأن إعادة تنظيم المدارس؛ أمل السيّد وارّين في تأسيس متحف في نابلس وشراء قطعة أرض للجمعية ليسا الآن عمليين؛ قُدّم تقرير حول تصوير كلّ التوراة القديمة ووصول الدفعة الأولى منه إلى أمريكا؛ تمّ التصديق على البرنامج التالي بعد التباحث الشامل: استمرار عمل اللجنة بدون الحاجة لعقد لقاءات متواترة؛ تحتفظ اللجنة بامتلاك ألواح تصوير التوراة السامرية في الوقت الحاضر وحتّى إشعار آخر؛ ستبقى الألواح تحت وصاية المستعمرة (الكولونية) الأمريكية في القدس ولديها الترخيص لاستنساخ هذه الألواح بأيّ شكل رائج؛ خُوّل السيّد تشمبرلين بالاتّفاق مع المستعمرة الأمريكية بخصوص الريع الملائم المستحصل من تصوير الألواح لصالح اللجنة التي بدورها ستقدمه لصالح السامريين؛ اتّفق على إتاحة هذه التصاوير لكافة الباحثين في العالم؛ تمتلك اللجنة عدّة مخطوطات يعتقد أنّها قديمة مودعة في فلسطين، وعدد أكبر من مخطوطات أحدث وهي تنتظر طلبها؛ اتّفق على نقل كلّ ممتلكات اللجنة الشخصية باستثناء الألواح الفوتغرافية إلى أمريكا؛ إيداع المخطوطات القديمة راهنًا في مكتبات الجامعات البارزة حيث يعتنى بها وتكون في متناول يد الباحثين؛ تعرض المخطوطات الحديثة للبيع وريعها يدخل خزينة اللجنة وذلك لصالح الشعب السامري.
تمّ انتخاب التالية أسماؤهم للسنة القادمة وحتّى اختيار أعضاء جدد: ف. و. تشمبرلين (F. W. Chamberlain)، شيكاغو، رئيسًا، بروفيسور ف. س. چودريش (F. W. Goodrich)، ألبيون، مُش، سكرتيرا وأمين صندوق، القسّ وليم إ. بارتون (Rev. William E. Barton)، أوك بارك، مؤرخ؛ يحقّ للباحثين شراء ونشر هذه التصاوير بدون أيّة قيود وذلك بالاتّصال بالسيّد وايتنچ في القدس؛ ستمتلك اللجنة الأمريكية السامرية في الوقت المحدد عددًا من المخطوطات السامرية الحديثة للبيع وريعها سيُقدّم لصالح السامريين، وهذه المخطوطات قد وصلت الآن أمريكا ولكنّها لم تفحص جيّدا بعد؛ يُرجى بيعها بأسعار معقولة وتودع في مكتبات لاهوتية وجامعية أو في مجموعات خاصّة.
إنّ الغرض الذي لا يزال يتعيّن تحقيقه من خلال الحفاظ على هذه الطائفة الصغيرة، الأقدم والأصغر على وجه الأرض، ما زال غير واضح. إنّنا سنواصل اهتمامنا الودّي بالسامريين، ويُسعدنا خروجهم من الحرب، وأنه لا يزال هناك أمل لمستقبلهم، ولإتمام الغرض الإلهي الذي حفظهم بشكل رائع كل هذه المدّة الطويلة.
إعداد: حسيب شحادة
جامعة هلسنكي