ترانيم على أجنحة الباشق
تاريخ النشر: 18/02/18 | 8:59الديوان عند الشعراء هو كتاب جمعت فيه قصائد لشاعر واحد، نوع أدبي معروف في الشعر العربي والفارسي والعثماني والهندي أما المجموعة الشعرية فقد دخلت حديثًا إلى معجم اللغة العربية Collection of poems وهي عبارة عن مجموعة قصائد لشاعر معيّن ولكنها ليست كل قصائده، أما الديوان فهو يحتوي على عدة مجموعات شعرية، والشعراء الجدد حرصوا على ألا يطلقوا على مؤلفاتهم الشعرية اسم “الديوان” خشية أن تفوح من تسميته رائحة القديم.
أصدر الشاعر أنور خير عام 2016 مجموعته الشعرية الأولى “زهرة الميعاد” وفي مقدمتها كتب : “زهرة الميعاد رسالة حبّ وسلامٍ ووفاقٍ أحلّقُ بها كما أردتم باشقًا جرمقيًا يعتز بقوميته ولغته الضّاديّة” ، فكتب شعرًا عشقيًا في قصائده “أُحبّكِ ولكن…”، “أجل أحبُّكِ”، “في زمن الحبّ”، “حبّ لم يولد بعد”، “لظى الحبّ” وفي قصيدة “أنا زهرة الميعاد” – حاملة عنوان الديوان قال:
“هيّا أعدني مَوطني
قبل فنائي في القبور
إلى أرحام جِبالي
والسنديانِ والصخور
بعدَ زوالِ الثّلجِ
لي موعدٌ معَ الطيور”
وفي تظهيره للمجموعة جاءت قصيدة “ولادة حرف” :
أطرق باب الشعر
بأنامل خافقي
لهيب يخرجُ
من الشرفات
أحرف غربتي
تحتل الصفحات
…………
تنشر خبرًا
جاءَ من بين الغيمات
تعلن عن طيفٍ لقصيدةٍ
خرج من بين الواحات”
وها هو الشاعر أنور يطل علينا عام 2017 مع مجموعته الشعرية الثانية “ترانيم على أجنحة الباشق” (صدرت عن دار الحديث في عسفيا الكرمليّة، 39 قصيدة في 126 صفحة وتصميم لوحة الغلاف لملكة زاهر)(أُشهر الديوان يوم 07.09.2017 في نادي حيفا الثقافي).
فاجأني عنوان المجموعة لأني تذكرت الباشق من دروسي في الإعدادية كأحد أنواع الجوارح من فصيلة الباز المنتشرة في أوراسيا وشمال أفريقيا، رغم ذكره في مقدمة مجموعته الأولى، فتّشت عن أجنحته في قصائد المجموعة فوجدت ذكر الباشق مقصوص الأجنحة في قصيدة “أميرة البوح”:
تلك الأميرة قد تنال مُرادها”
من باشقٍ في عشقها ولهانا”
وفي قصيدة “كؤوس البوح”:
“طاب القصيد وراحَ ينقُش لوحةً
رقصَ البواشق لاحت الأصباحُ”
وتساءلت لماذا أختار أنور هذا العنوان؟ فالعنوان عتبة نصيّة توصل القارئ إلى علامات ودلالات تقرّبه من الربط بين سياقات نصوص المجموعة أو بعضها وهذا لم أجده، فلا قصيدة أو بيت شعر في المجموعة يحمل تلك الأجنحة الموعودة، فاختيار العنوان لم يكن موفّقًا في نظري.
أنو شاعر مرهف الحسّ، عاشق ولهان، ولغته شاعرية عذبة، غنائية ، سلسة وانسيابية ذات نكهة وجدانية.
في قصيدته “عُذريّة فأكثر” يقول:
“فارسةٌ من فوق الأبجرْ
فاحذرها يا قلبي إحذرْ!
من جُرفِ النهر
وبحر الشعرِ
يفيض الحبرُ أذوق الخمرَ
ولا أسكرْ
………
أجلسُ وسطوري المنسية
حتى لو سرقوا أقلامي
أكتبها بالحبر الأحمر
ناصية حروفي عذرية
ينامُ الليل وأنا أسهر”
ويضيف في قصيدته “طال صبري” وينظم شعرًا:
“ما أن يحلَّ النجم نِدًّا للدُجى
وتُضيئُ نجمات الليالي دارَنا
يتجمعُ الأحبابُ ساعةَ موعدٍ
تتوحدُ الأقلامُ تكتبُ شِعرَنا”
لبيت جن ،جبل حيدر، الجرمق والكرمل حضور باهت في المجموعة كما نلمس في قصيدة “العين والصياد” و”دليل” ولكن حبذا لو حذا أنور حذو الكاتب محمد نفاع في روايته “فاطمة” ليستحضر أشجار اللوز البيضاء والزهرية، جب القندول، الشيح، الزقوقيا، شجر الجرمق وغيرها من جرمقه أو حذو الكاتبة هيام قبلان في “رائحة الزمن العاري” مع طبيعة الكرمل، زهر الأقحوان، نوّار اللوز وأزهار الياسمين، خاصةً وهو يحب الطبيعة ويعشق الجرمق والكرمل، ونراه قد أبدع حين تغنى بجبل حيدر في قصيدته “لا محال لا محال” :
“والفكر يشردُ
من قمة جبل حَيْدَرْ
حيث يصل إلى أميالكِ
فيقتنِصُ من مفاتنكِ الكبرياءَ
ويتّخذُ من مملكتكِ
درعًا كونيًا
في مواجهة الجفاءِ”
للوطن وآلام شعبنا وقضايانا حضور في مجموعته، عبر الحبيبة تارةً، ومباشرة تارة أخرى، حين يصيح في قصيدته “بيوت العز” :
“أيا من تهدِم البيت المنيفا
عدِمتَ الخُلق أمسيتَ العنيفاّ
تسربلتَ الشرور بلا حسابٍ
بحقدٍ بات جبارًا مُخيفا
سرقتَ الأرض من شعبٍ يًعاني
وصار العدلُ ميثاقًا سخيفا
أيا مَن تسلبُ الأرزاقَ مهلا
ستُمسي عاجزًا، كهلًا، خريفا
يكون الردُّ من شعبي جهارًا
على بطشٍ وقد جمعَ اللفيفا
سيغدو الطفلُ فينا قبل كهلٍ
كفاحًا يغرسُ الوطنَ الشريفا”
ويبقى عروبيًا يعتز بقوميته ولغته الضّاديّة، كما وعد في مقدمة مجموعته الأولى، فيصرخها بصريح العبارة في قصيدته “حرفٌ وانتماءٌ”:
“بزغتْ حروفي في شروقٍ مُلهِمٍ
أمواجُ حبرٍ ترتقي وتلُمُني
لا جفَّ حرفُ الضادِ بين أناملٍ
ترنو البلاغةَ في البيان تمُدني
ذاكَ انتمائي يعتَلي نهجَ القصيد
جادَ القصيدُ وما عساهُ يذلُني”
ويلخص أنور مدرسته الشعريّة في رائعته “سألني الشعرُ”:
“وأن أُناشد التاريخ:
بالله عليك يا تاريحنا
لا تجعلها أيامًا
تعصفُ تقصفُ
تنزفُ نكباتٍ وويلاتٍ
لا تجعل بحورَ الشعرِ بحورَ دماءٍ
أغرقَتنا وأنهكتنا
وما أنهكنا الّا،،،،
ما لم صنعهُ أيدينا
سلاحٌ صُنعَ من خيرات أراضينا
إقتنيناهُ لحروبٍ بيننا
عوضًا عن رغيفٍ
وبيتٍ كان يأوينا”.
اعتمد أنور على التظهير الغَيري كعتبة نصيّة فاستعان بصديقي الدكتور منير توما (وكذلك في المقدّمة) مشيرًا إلى مقوّمات المجموعة، فتساءلتُ: هل هي وسيلة تسويقيّة للمجموعة ؟!؟ وهو بغنى عن ذلك، وكان من الأنسب أن يكون التظهير نصًا شعريًا لأنور ذاته.
جاءت كتابته بسيطة ومباشرة، سلسة وبعيدة عن التعقيدات اللغوية فأبدع.
وأخيرًا، حبّذا لو استعان أنور بُمنَقّح، مدقّق لغوي ومُنضّد للمجموعة قبل الطباعة لزادها أناقة.
المحامي حسن عبادي