عامان على رحيل حارس الذاكرة الفلسطينية الأديب سلمان ناطور
تاريخ النشر: 15/02/18 | 21:55مر عامان على انطفاء الصديق والأديب سلمان ناطور الكرملي، أحد أبرز حراس الذاكرة الوطنية الفلسطينية، وأهم الوجوه الثقافية في الداخل الفلسطيني، وصاحب المشروع الثقافي التأصيلي، الذي ينهل من ذاكرة حية متوقدة، الذي توقف نبض قلبه في الخامس من شباط العام٢٠١٦اثر نوبة قلبية حادة.
المرحوم سلمان ناطور من مواليد دالية الكرمل المتربعة على صدر الكرمل الأخضر، العام١٩٤٩، درس في حيفا والقدس موضوع الفلسفة العامة، وعمل في الصحافة منذ سبعينيات القرن الماضي، وعمل محررًا للملحق الثقافي لصحيفة”الاتحاد”العريقة، وسكرتير تحرير مجلة”الجديد”الغائبة قسرًا عن المشهد الثقافي والاعلامي الفلسطيني، ومحررًا في مجلة”قضايا اسرائيلية”، وكتب في أجناس أدبية متعددة، وكتب ايضًا في النقد المسرحي والتشكيلي والسينمائي، ومثل الثقافة الفلسطينية في العديد من المؤتمرات والمهرجانات العربية والعالمية.
اشتغل الراحل سلمان ناطور من موقعه كمثقف عضوي مشتبك، على اعادة كتابة تاريخ النكبة، وتوثيق التاريخ الشفوي لفلسطين، وتسجيل وقائع التدمير والابادة لمئات القرى الفلسطينية في المثلث والجليل والساحل، وأماط اللثام عن تفاصيل الجريمة البشعة التي ارتكبتها الحركة الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني قبل حوالي سبعين عامًا، وما زالت متواصلة حتى الآن.
كان المرحوم سلمان ناطور كاتبًا تسجيليًا من طراز فريد، ومثقفًا ديمقراطيًا حرًا، ومفكرًا علمانيًا، تمتع برؤية ثاقبة، وفكر طليعي تنوري وتقدمي، مسلحًا بالايديولوجيًا الماركسية، وصاحب مواقف وطنية وثورية وثقافية جذرية، وقد تم اختيارنا أنا وهو في الثمانينات، في اللجنة التثقيفية للحزب الشيوعي، وتعرض بسبب ارائه ومواقفه لملاحقة أجهزة الظلام والاعتقال والاقامة الجبرية، ومنع من عرض مسرحيته”المستنقع”في مدينة الناصرة.
نشر سلمان ناطور مئات المقالات الثقافية والفكرية والفلسفية في أدبيات الحزب الشيوعي”الاتحاد”و”الجديد”و”الغد”، تناول من خلالها قضايا فكرية وسياسية وثقافية، وسلط الضوء على الحياة الثقافية الفلسطينية، وواقع الثقافة العربية والفلسطينية، والواقع السياسي والفكري في البلاد. كما ونشر عشرات الاعمال الأدبية التي يغلب عليها طابع السخرية، ناهزت حوالي ثلاثين منجزًا، نذكر منها:”ما وراء الكلمات، أنت القاتل يا شيخ، خمارة البلد، ساعة واحدة والف معسكر، والشجرة التي تمتد جذورها الى صدري، وستون عامًا في رحلة الصحراء”، بالاضافة الى سيرته الذاتية، التي جاءت في ثلاثة أجزاء هي:”ذاكرة، سفر على سفر، وانتظار”.
وكان سلمان ناطور معربًا قديراً ومتمكناً،من اللغة العبرية الى العربية، وبالعكس، وكانت له سجالات وحوارات مع الآخر، مع الكتاب والأدباء العبريين.
وعمل سلمان ناطور كذلك على مشروع ثقافي وطني آخر في حيفا، حيث استعاد بيت الباحث والمؤرخ والمفكر الشيوعي المرحوم اميل توما، وحوله الى مركز للتوثيق والدراسات، وأعاد الحياة الى المقاهي الشعبية والأماكن المهجورة في عروس الكرمل، وحولها الى فضاءات ثقافية تحت عنوان عريض”مواجهة ثقافة الموت بثقافة الحياة”.
ويعتبر سلمان ناطور من الكتاب الفلسطينيين الساخرين الذين تأثروا بسخرية المعلم الأكبر، الروائي اميل حبيبي، واضع الحجر الأول الاساس في بنيان السخرية الفلسطينية في النتاج الأدبي والفني والمسرحي.
وفي كتابه”ذاكرة”الصادر عن مركز”بديل”يعالج سلمان ناطور بشكل حكائي قصصي، وعلى لسان الشيخ مشقق الوجه الذي يرمز الى الأرض الفلسطينية المنكوبة قلق الذاكرة الفلسطينية سؤال الهوية في خضم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، حيث غدا مفهوم المواطنة الفلسطينية مهددًا بعد أن ضاق المكان وصودر وشوه على أيدي حكومات اسرائيل المتعاقبة وممارساتها العنصرية الابرتهايدية.
وتلقي”ذاكرة”الضوء كذلك على حملات الاعتقال الجماعية التي كان يقوم بها الجنود الانجليز والعصابات الصهيونية خلال وقبل حرب١٩٤٨، كما ويتعرض الى المعتقلات والسجون والزنازين التي كان يحتجز فيها الشبان والأشغال المهينة المذلة التي تعرضوا لها، فضلًا عن فضح وتعرية سماسرة الأرض الذين تعاونوا مع الانجليز والمنظمات الصهيونية في بيع أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم من قراهم.
فسلامًا على روحك يا رفيقي وصديقي أبا اياس في ذكراك الثانية، وستبقى حارسًا للثقافة في ذاكرتنا الفلسطينية.
بقلم:شاكر فريد حسن